كانت ردة فعل مدهشة ومريبة، تلك التي أبداها مدير شركة من شركات وزارة الصناعة، عندما رفض الوزير طلبه بتجديد استئجار ٦ شاحنات “قلّاب” أهلية خاصة، لزوم طبيعة عمل الشركة، على الرغم من أن الوزير حلّ المشكلة بتأمين القلابات من شركات أخرى تابعة للوزارة ذاتها، لكن مثل هذا الحل – على أهميته – لم يعجب مدير الشركة، فلجأ إلى وسيلة إعلامية ليجير كل فشل إدارته ويحملها لإجراء الوزير.
الواقعة كانت حالة بالغة الجرأة وتطور مقلق على مستوى مجاهرة الفاسد بفساده، فالظنون التي دفع بها أحد المطلعين – ولعلها معلومات – تشير إلى ملكية المدير للقلابات المراد استئجارها، وهي مسجلة بأسماء أقارب وأصدقاء، يجري التعاقد معهم والبدل المادي من فئة المليارات لا مجرد مئات الملايين سنوياً..!؟
المدير مصدوم وهو محق بصدمته في جانب ما، فالوزير قد كسر هذا العام تقليداً عمره سنوات، هذا أولاً، كما أنه ليس الحالة الفريدة في أوساط قطاعنا العام ثانياً، فثمة أمثلة كثيرة على استثمار المديرين والنافذين في المؤسسات والشركات في احتياجات مؤسساتهم وشركاتهم، بدءاً من ميكروباصات نقل الموظفين..وصولاً إلى المعدات الهندسية التي تتطلبها طبيعة عمل بعض الشركات، وبعضهم لجأ إلى تعطيل معدات الشركة العامة ليكون الخيار بالاستئجار، وبالطبع البديل جاهز وتحت الطلب.
هي بوابة واسعة من بوابات الفساد في قطاعنا العام، ووسيلة بغيضة للاستثمار في أزماته وترهّله، إن كان في مجال تكاليف الإصلاح والصيانة..أو استئجار المعدات، وكلّها ترتب نزيفاً حادّاً في الموارد، مقابل متوالية انتعاش في عائدات “الاستثمار في الممنوع” لصالح لاعبين احترافيين في المساحات الفارغة، دون الخروج على القانون طبعاً فالمشكلة أولا تكمن في القوانين واجبة التعديل ولم تعدّل، وما أكثر الحريصين على عدم تعديلها واستبقائها بل والاستبسال لأجلها، ولعل قانون العقود رقم ٥١ هو الأبرز والأخطر في هذا المضمار.
ليس لدينا أرقام عن تكاليف استئجار المعدات في جهات القطاع العام سنوياً، وتكاليف الصيانة السنوية في كل مؤسسة، وهذه الأخيرة تم رفعها حديثاً إلى ٥ ملايين ليرة للسيارات السياحية و١٠ ملايين ليرة للثقيلة، الرقم كبير بكل تأكيد لكن على الجميع أن يتساءل عن حصص لجان الإصلاح والمشتريات، ونحن على يقين بأن الحصص كبيرة وكبيرة جداً.
السؤال الأهم..لماذا لانبدأ مشروع متكامل على مستوى كافة مؤسسات وجهات القطاع العام، عنوانه استبدال وتجديد أسطول السيارات والصغيرة والثقيلة، والمعدات الهندسية والتجهيزات والآليات، وكل “مفترسات” الموارد و”ذرائع” السرقة والفساد المعلن الذي لايمكن لأحد الاعتراض عليه لأنه فساد مقونن ومحصّن بقانون.
قد يزعم بعضهم أن المهم تأمين استمرار العمل ومستلزماته، لكن في أحيان كثيرة يبقى العمل متوقفاً، لأنه تم استنزاف كامل مخصصات الإصلاح مع المخصصات الإضافية التي يجري “استحصالها” بموافقات واستثناءات، وتبقى الأجهزة معطلة بعض إصلاحات متوالية و متوالية فساد.
الموضوع عاجل واستدراكه واجب وضرورة ملحة، وتركه بدون علاج موافقة مبطنة على الفساد..
أخيراً علينا أن نسأل لماذا توقفت جهود تعديل قانون العقود، المحرك الأقوى الدافع للفساد والفاسدين..؟
سيريا ديلي نيوز
2024-04-20 14:14:30