أمام محطة وقود في حي الميدان في العاصمة السورية دمشق كان السائق موفق شدود يقف متأملاً لوحة أسعار الوقود الجديدة وقد بدا عليه الإحباط أكثر من التعب. يقول لـ"العربي الجديد" وهو يشير إلى عدّاد سيارته: "كل يوم تسعيرة جديدة،
والراتب نفسه. البنزين صار أغلى من لحم الغنم، وإذا رفعت الأجرة بيزعل الراكب، وإذا بقيت مثل ما هي ما بقدر أشتغل. نحن بين المطرقة والسندان".
في ريف دمشق، لا يختلف المشهد كثيراً. فالأمهات يحسبن كل جرة غاز أو ربطة خبز كما لو كانت بنداً في ميزانية دولة صغيرة. تقول سوسن بقالة، الأم لثلاثة أطفال: "سعر جرة الغاز صار يعادل راتب زوجي في أسبوع، فكيف بدنا نعيش؟ حتى الخبز التجاري صار بـ6000 ليرة، والخبز المدعوم ما عاد يوصلنا إلا بعد ساعات انتظار طويلة، وأحياناً ما بكفينا".
وبحسب القرار الصادر في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أصبح سعر ليتر البنزين من نوع (90 أوكتان) 12980 ليرة سورية (نحو 1.1 دولار)، والمازوت 11210 ليرات، فيما بلغ سعر البنزين (95 أوكتان) 14520 ليرة، أما أسطوانة الغاز المنزلي فحددت بـ140 ألف ليرة، والصناعي بـ223 ألفاً. كما حددت وزارة الاقتصاد سعر ربطة الخبز التجاري بـ5500 ليرة من كوات المخابز و6000 ليرة لدى المعتمدين، في قرار لا يشمل الأفران التموينية الحكومية.
من جانبهم، برر مسؤولو الوزارة الخطوة بمطالب أصحاب المخابز التجارية الذين اشتكوا من ارتفاع تكاليف الإنتاج، مشيرين إلى أن الخبز التمويني ما زال مدعوماً. لكن واقع الحال، كما يقول المواطنون، أن أي زيادة في الأسعار باتت تعني خفضاً مباشراً من احتياجات العائلة اليومية.
وقال مدير عام الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية طارق عصفور لـ"العربي الجديد"، إن تسعير الغاز أصبح مرتبطاً بالأسعار العالمية، ما يعني احتمال ارتفاعه أو انخفاضه تبعاً لحركة السوق الدولية، في توجه جديد يربط الأسعار المحلية بالعوامل الخارجية بدلاً من تثبيتها بقرار حكومي كما كان يتم سابقاً.
وأكد مدير المؤسسة السورية للمخابز محمد الصيادي، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، أن هناك دراسة لتعديل سعر ربطة الخبز أو تقليص وزنها، ضمن خطة "لتحرير السعر جزئياً" بالتوازي مع إجراءات لتحسين دخل المواطن، وأوضح أن كلفة ربطة الخبز تصل إلى نحو 8500 ليرة، بينما كانت تباع سابقاً بـ4000 ليرة فقط، أي أن الحكومة كانت تدعم أكثر من نصف كلفتها.
ومع كل تعديل جديد، تتراجع القدرة الشرائية للمواطن السوري بشكل متسارع. فالزيادات الأخيرة على الخبز وحده تعني عبئاً إضافياً يتجاوز 30% على الأسر ذات الدخل المحدود. فالعائلة المؤلفة من خمسة أشخاص تحتاج إلى ربطتين من الخبز يومياً على الأقل، أي زيادة تقارب 4000 ليرة يومياً، ما يضعها أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما تقليص استهلاك الخبز، أو اقتطاع المبلغ من بنود إنفاق أخرى كالتدفئة أو الغذاء.
ويرى الخبير الاقتصادي عمار اليوسف أن هذه الزيادات ليست إلا خطوة جديدة في مسار تقليص الدعم الحكومي تحت ضغط العجز المالي، ويحذر من انعكاساتها الواسعة على الأمن المعيشي، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "رفع الأسعار بهذا الشكل، دون وجود مداخيل موازية أو دعم حقيقي للإنتاج، سيؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية بشكل كامل. المواطن اليوم يواجه تضخماً مركباً، بين ارتفاع الوقود وانعكاسه على النقل ثم على أسعار الغذاء والسلع الأساسية".
وأضاف اليوسف أن تحديد سعر صرف لدى "سادكوب" بنحو 11800 ليرة للدولار يكشف عن بدء تعامل الدولة مع سعر موازٍ للسوق، ما يعني عملياً اعترافاً بتراجع الليرة واستمرار الضغط على الأسعار. في الشارع، لا يبدو أن أحداً ينتظر انفراجاً قريباً. فكما يقول السائق شادي عبد الكريم: "صرنا نحسب كل مشوار بالقطارة... حتى الحلم صار بده محروقات".
ومع اقتراب الشتاء، يخشى السوريون أن تتبع هذه الزيادات موجة أخرى تشمل التدفئة والكهرباء والسلع الغذائية، ما قد يضاعف أعباء الأسر التي تعيش أصلاً عند حدود الكفاف. وبينما تتحدث الحكومة عن "إعادة هيكلة الدعم"، يرى المواطنون أن ما يجري هو تفكيك بطيء لما تبقى من مظلة الحماية الاجتماعية، في أزمة باتت بلا أفق واضح للخروج منها
سيريا ديلي نيوز
2025-10-27 17:49:45
