تسببت آلة الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من ثلاثة أعوام بدمار كبير طال الحضارة السورية، بكل مقوماتها، من دون أي استثناء، من بشر وحجر وشجر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لتخضب آلة الحرب مروج سوريا الخضراء وغاباتها باللون الأحمر تارة، أو تحولها سوداء مفحمة تحكي قصة حريق نشب هنا، وعائلة تدفع عنها البرد بالنار هناك.
وبالرغم من عدم وجود غابات كبيرة في سوريا (مساحة الغابات الطبيعية في سوريا تبلغ 232.8 ألف هكتار) إلا أن الغابات التي كانت موجودة قبل بدء الحرب كانت بمثابة رئة للدولة المتوسطية، التي سعت قبل العام 2011 إلى توسيع رقع المساحات الحرجية والغابات، وأولتها اهتماماً كبيراً، في ظل حالة أمنية ممتازة ورخاء وصل إلى مراحل متقدمة جعل من هذه المساحات من أولويات الحكومة، والفعاليات الاجتماعية، وحتى الثقافية، لتأتي الحرب وتبدأ هذه الثروة بالزوال تدريجياً.
لا إحصاءات حول حجم الضرر الذي لحق بالغابات والمناطق الحرجية في سوريا، الدولة ذات الطابع الزراعي، والتي يعرف أبناؤها قيمة الشجر وأهميته، إلا أن تقديرات وزارة الزراعة تشير إلى وجود «أضرار كبيرة جداً» في المساحات الحرجية والغابات، سواء بفعل الحرائق التي تسببت بها الحرب، أو بسبب عمليات قطع الأشجار لاستخدامها في التدفئة.
مصدر في وزارة البيئة يوضح خلال حديثه إلى «السفير» أن المناطق الحدودية مع تركيا، والتي تضم غابات عديدة هي الأكثر ضرراً، بسبب الحرب، وافتعال بعض الحرائق، والتي كان أكبرها الذي نشب في غابات الزعينية في غرب جسر الشغور، حيث أتت النار على مساحات كبيرة من الغابة، موضحاً أن التقديرات المبدئية لخسائر هذا الحريق فقط خيالية، حيث قدّرت القيمة الاقتصادية للشجرة بنحو 200 ألف دولار. وأشار المصدر إلى أن استعادة هذه الغابة تتطلب مئات السنين. كما نشب حريق في منطقة كسب في ريف اللاذقية والحدودية مع تركيا وصل إلى محمية الفرنلق، أتى على حوالي 150 هكتاراً كحصيلة أولية، وكانت تنتشر فيها أشجار الصنوبر والسنديان شبه العذري المعمرة، حيث تبلغ مساحة محمية الفرنلق 4500 هكتار.
وتعرضت منطقة أبو قبيس إلى حريق أتى على 60 دونماً من الأشجار الحرجية من الصنوبريات والبطم الأطلسي. وفي محافظة القنيطرة، اندلعت حرائق عدة في العام 2012 في منطقة بئر عجم ـ بريقة ـ عين التينة ـ الحميدية ـ غابة طرنجة، كانت حصيلتها احتراق آلاف الدونمات المزروعة بالسنديان والبلوط.
وفي حين تظهر التقديرات المبدئية لوزارة البيئة في سوريا أن خسائر الحرائق تصل إلى مليارات الدولارات، تظهر التقديرات نفسها أرقاماً كبيرة جداً بسبب قيام المواطنين وبعض «العصابات» بقطع الأشجار سواء لتفحيمها (تحويلها إلى فحم)، أو لاستعمالها في عمليات التدفئة بشكل مباشر(حطب).
وتشير التقديرات إلى أن الكثير من المحميات، والغابات والمناطق الحرجية تعرضت لعمليات قطع جائر، منها محمية البلعاس في محافظة حماة، التي تعرضت لقطع المئات من الأشجار الحرجية المعمرة، والتي يصل عمرها إلى مئة عام، إضافة إلى الغابات الحرجية الممتدة من منطقة تلكلخ وصولاً إلى محافظة طرطوس.
وتقدر أعداد الأشجار التي تم قطعها في محافظة حماة، وفي منطقة تلكلخ بحوالي سبعة آلاف شجرة حرجية. وفي الحسكة، فقد بلغ عدد الأشجار التي تعرّضت للقطع حوالي 7500 شجرة حرجية، معظمها من محميّة جبل عبد العزيز، التي تتمتّع بوجود نوعين من البطم هما البطم الأطلسي، وبطم كونجوك، كما طالت التعديات غابة الأسد ومواقع تحريج منطقة «السراقة»، منطقة مغلوجا، ومواقع تحريج الشهيدي.
وفي القنيطرة، تعرضت محمية جباتا الخشب لعمليات القطع الكامل على مستوى سطح التربة، حيث بلغت كحصيلة أولية 100 ـ 300 شجرة حرجية. وتعرّضت منطقة الشحار في جنوب جباتا الخشب لعمليات قطع للأشجار، أيضاً، قدّرت بحوالي مئة شجرة صنوبر ثمري عمرها حوالي 15-20 سنة.
وفي وقت تركز فيه وزارة البيئة في تقديراتها على المناطق الحرجية والغابات، تعتبر الحدائق العامة والمنتزهات الموجودة داخل المدن أكثر المناطق تضرراً، حيث تعرضت معظم الحدائق في المدن الساخنة (التي تشهد معارك)، أو الخارجة عن سيطرة الحكومة (فلتان أمني) لعمليات قطع لأشجارها بغرض التدفئة.
ويشير المصدر في وزارة البيئة إلى وجود تخوف من حصول تعديات كبيرة هذا العام، خصوصاً في ظل استمرار الحرب من جهة، ووجود أزمات في المحروقات، والكهرباء إثر خروج آبار النفط عن سيطرة الحكومة، وتعرض محطات تحويل التيار الكهربائي لاعتداءات مستمرة تتسبب بقطعها وطول ساعات التقنين ما ينذر بشتاء قاس جداً سيدفع المواطنين إلى المزيد من الاعتداءات بحثاً عن الدفء.
وتشكل عمليات قطع الأشجار وبيعها كحطب أو تفحيمها مهنة بات يمارسها عدد من المواطنين، المنظمين على شكل «عصابات» تقوم بقطع الأشجار وبيعها في السوق، بطرق عدة، أبرزها افتعال حرائق في الغابات تمهيداً لبدء حرقها، وفق مصدر في الإطفاء.
ويؤكد المصدر لجريدة السفير أن غابات سوريا ومناطقها الحرجية تحولت مع وجود حالة فلتان أمني في بعض المناطق، وعدم وجود حراسة كافية في مناطق أخرى إلى «مناجم» تدر على أصحابها الذهب، خصوصاً بعد رفع الحكومة سعر المازوت إلى 80 ليرة سورية، حيث باتت تكلفة تخزين ألف ليتر ( تكفي لعائلة صغيرة في فصل الشتاء) مبلغ 80 ألف ليرة سورية (بحدود 500 دولار)، في حال وجدت، وهو ما يعني راتب أربعة أشهر لموظف عادي يقبض شهريا نحو 20 ألف ليرة سورية، الأمر الذي سيدفع المواطنين حتماً للبحث عن بدائل للتدفئة، يشكل الحطب والفحم أكثرها ملائمة.
وبالرغم من كون الحديث عن الأضرار البيئية البالغة التي تسببها عمليات الاعتداء على الغابات غير مجد في ظل حرب ما زالت تلتهم سوريا، بكل مقوماتها، البشرية والحضارية والثقافية، إلا أن المصدر في وزارة البيئة يشدد على أن آثارها ستكون كبيرة على سوريا، موضحاً أن عودة الغابات والمناطق الحرجية إلى الحالة التي كانت عليها قبل الحرب قد يتطلب مئات السنين، كما سيؤثر على مختلف جوانب الحياة، في وقت يمتد فيه التصحر من الشرق نحو وسط سوريا يستظل بسحب سوداء ناتجة عن عمليات استخراج وتكرير النفط بطرق بدائية، مشدداً على ضرورة التحرك من مختلف الجهات لمنع استمرار هذه الكارثة، وفق تعبيره.

سيرياديلي نيوز


التعليقات