من المؤكد أن الاقتصاد شديد الحساسية تجاه الأوضاع السياسية والأمنية في أي بلد ، لذلك فإن الاقتصاد السوري بسبب الحرب يعاني من أزمة ركود تضخمي خانقة نتيجة دمار جزء مهم جداً من بنيته القطاعية وهجرة آلاف العقول والقوى البشرية إلى الخارج وتدني مستواه التقاني وبلوغ الاستثمار مستويات متدنية للغاية…مما أدى إلى توقف النمو الاقتصادي مصحوباً بارتفاع كبير في المستوى العام للأسعار، أدى بدوره إلى تدهور القوة الشرائية للدخول الثابتة ، وانخفاض سعر صرف العملة الوطنية . إلا أن سعر الصرف لم يدخل قط حيز الهبوط المستمر مرتبطاً بتفاقم الفقر مع فاقة غذائية شديدة في أوقات تدهور الحالة السياسية والأمنية وتراجع سيطرة الحكومة قبل سنة 2015 كما هو حاصل الآن في ظل تحسن الحالة السياسية والأمنية واتساع نطاق سيطرة الحكومة . من هنا يمكن القول أن اللغط الجاري حول سعر الصرف غير واقعي الهدف منه خلق حالة من الهلع في سوق القطع لسحب أرصدة الناس ومدخراتهم من العملات الأجنبية وإجبارهم على بيع موجوداتهم لشراء الحياة ، وخلق بلبلة في السوق قد تؤدي إلى انهيارات متتابعة في قدرتهم الشرائية بقيام التجار برفع الأسعار مجدداً تحسباً من استمرار سعر الصرف في الهبوط حفاظاً على رؤوس الأموال المستثمرة ومعدلات الربح المقبولة بالدولار . وتجدر الإشارة إلى أن أي رهان على تدفق نقدي بالعملة الصعبة من الخارج لإنقاذ الليرة السورية من الهبوط ستكون عواقبه خطيرة على الاقتصاد الوطني باعتباره استثماراً أجنبياً باهظ التكاليف السياسية والاقتصادية ، ويظل مؤقتاً ومولداً لمرحلة جديدة من هبوط سعر الصرف . وبالتالي إذا لم تتكاتف كل الجهود ، ووضع حد لطمع التجار والمتنفذين في الاقتصاد الوطني ، فإن سعر صرف الليرة السورية سوف يستمر بالتدهور وربما بوتائر أسرع في الأشهر القادمة . إن إنقاذ الليرة السورية من التدهور ، مع وقف نزيف الاقتصاد الوطني وعودته إلى سيرورة النمو مجدداً، يتطلب تطبيق برنامج الحد الأدنى الممكن والذي تقدر عليه الحكومة السورية ريثما تتضح معالم نهاية الأزمة. ويتلخص هذا البرنامج من وجهة نظري بالآتي: 1ـ تأمين طريقي حلب ـ دمشق وحلب ـ اللاذقية . 2ـ اطلاق عملية إعادة بناء وطنية تقوم على أسس اقتصادية وعمرانية جديدة ومتجددة تكفل الحرية الاقتصادية للأفراد وتمنح الدولة حق التدخل الاقتصادي والاجتماعي من أجل المحافظة على التوازنات الاقتصادية و تحقيق العدالة الاجتماعية، ووضع خطة لعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم ، ومشاركتهم في إعادة الإعمار والبناء . 3ـ إلغاء عقود استثمار القطاعات المنتجة للدخل مع القطاع الخاص ، وتحويلها إلى هيئات استثمار عامة تخضع لرقابة ومحاسبة حكومية صارمة . 4ـ فرض ضريبة تصاعدية لدعم الليرة على الثروات الكبيرة التي تتجاوز عشرة ملايين ليرة في السنة ، تبدأ بمعدل ٥% وتصل إلى ٢٠% والعمل على تطبيق ضريبة القيمة المضافة . 5ـ رفع سعر الفائدة على الودائع الوطنية بالليرة السورية تدريجياً من ٨% حتى تصل إلى ١٥% وخلال ستة أشهر فقط . 6ـ قبول واسترداد الودائع بالعملات الأجنبية وبفائدة تزداد تدريجياً خلال ستة أشهر من ٢% حتى تصل إلى ٥%. 7ـ طرح سندات وأذونات خزينة بالليرات السورية وبالدولار مدتها من سنة وحتى عشرين سنة بمعدلات فائدة متزايدة حسب طول مدة الاستحقاق ومكفولة بضمانات عقارية من أملاك الدولة . 8ـ تشجيع المصارف التجارية والمتخصصة على منح قروض استثمار متوسطة وطويلة الأجل بالعملة المحلية وبالعملات الأجنبية لتمويل استيراد الآلات والتجهيزات والمواد الأولية في مجالات إنتاجية وخدمية تحددها الحكومة . 9ـ تمويل المستوردات من السلع والخدمات الأساسية بالقطع الأجنبي من المصرف المركزي وبالسعر الرسمي حتى يذوب الفارق بينه وبين سعر السوق . وتشجيع الصادرات بمنحها ميزات تنافسية بسعر الصرف . 10ـ الرقابة الحكومية على أسواق السلع من حيث الكميات والنوعيات والأسعار ، والتشدد بمحاسبة المخالفات التموينية . إن هذه الخطوات التنفيذية ، برأيي ، كفيلة بزيادة الاحتياطي من العملات الصعبة ، وتحسين الثقة بالجهاز المصرفي ، وزيادة الاستثمارات الإنتاجية ، وتحسين الكفاءة الاقتصادية والفنية . ومع تحسين أداء الحكومة الاقتصادي والمالي والإداري بزيادة جرعات محاربة الفساد الإداري والمالي في أداء مؤسسات الدولة واعتبار الشفافية أساس عملها الذي على أساسه تتم محاسبتها ، تستطيع الدولة إنقاذ عملتها الوطنية من التدهور وتحسين مستوى معيشة مواطنيها ، تمهيداً لمرحلة سياسية واقتصادية جديدة .

خاص سيريا ديلي نيوز -د مهيب صالحة


التعليقات