كتب زياد غصن

كم مسؤول يجب أن يعفى لدوره السلبي؟ وكم مسؤول يجب أن يحاسب لرفضه المقترحات المفيدة؟...

ربما الأصح أن نسأل العكس تماماً... كم مسؤول كان له دور ايجابي في العمل؟ وكم مسؤول يستمع إلى الآخرين ويستفيد من مقترحاتهم؟

أما بعد

كم من الإعفاءات؟

جرى مؤخراً إعفاء مسؤولين اقتصاديين اثنين من منصبهما.

رسمياً لم يتم ذكر الأسباب المباشرة التي أدت إلى الإعفاء " المفاجئ" للرجلين، إلا أن معظم وسائل الإعلام المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي نشرت، وعلى غير المعتاد، معلومات نُسب بعضها إلى "مصدر مطلع" تتضمن أسباب إعفاء المسؤولين واتهامات لهما بالفساد والتقصير.

أكثر ما لفت نظري في الأسباب "المروجة" إعلامياً أن أحد المسؤولين الإثنين "اتهم" بأنه كان يرفض الإستماع إلى المقترحات "المفيدة" التي تقدم له، والثاني أنه كان له دور سلبي، إضافة إلى فشله في محاربة الفساد في قطاعه.

لا أنوي في مقالتي هذه تحليل أسباب الإعفاء المذكورة، أو مناقشة أسباب التأخر في اكتشاف ضعف مؤهلات الرجلين، اللذين قاربت مدة شغل كل منهما لمنصبه الأخير أكثر من ثلاث سنوات، لاسيما وأنهما كان لهما من النفوذ والحصانة ما لم يكن لغيرهما، أو البحث في ماهية المؤهلات التي رجحت كفة ترشيحهما سابقاً إلى هذا المنصب أو ذاك... لكنني أرغب بطرح تساؤلات أخرى أعتقد أنها لم تغب عن ذهن الكثيرين، وهم يقرؤون تسريبات "المصدر المطلع".

فمثلاً...

إذا كان رفض المقترحات المفيدة عاملاً مهماً في تقييم أداء المسؤولين الحكوميين، فكم مسؤول يجب أن يعفى من منصبه اليوم قبل الغد لهذا السبب؟

وإذا كانت تهمة الدور السلبي أطاحت بمدير عام أكبر مؤسسة اقتصادية في البلاد، فهل نتوقع أن تشهد الفترة القليلة القادمة قائمة إعفاءات طويلة بالنظر إلى الدور السلبي الذي لعبه كثير من المسؤولين في تأخر ، ترهل، وفشل المؤسسات التي يشرفون عليها، أو التي يتولون إداراتها؟

لست فيما سبق مبالغاً، إذ إن جزءاً كبيراً من معاناتنا الحالية سببه التهاون في اختيار شاغلي المناصب الحكومية بمختلف مستوياتها، التغاضي عن مخالفاتهم وسلوكياتهم الإدارية "المضرة" بالعمل، ومنح الفاشلين منهم الفرصة تلو الأخرى من دون جدوى....!

وعليه فإنه من الطبيعي أن نعاني في هذا البلد من "أمراض" عدم الإستماع إلى أصحاب الخبرة والكفاءة، التمسك بالمواقف ووجهات النظر الشخصية، إهمال المبادرات والإقتراحات العملية، الإدارة السلبية التي تغلب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، والتورط بعمليات فساد إدارية ومالية... وغير ذلك.

لذلك على أهمية قرارات الإعفاء الأخيرة، فإن التفاؤل بخطوات إصلاحية حقيقية يرتبط بخطوتين أخريتين... الخطوة الأولى وتكمن في استكمال عملية التغيير لتشمل العديد من الوجوه المعروفة بفشلها وضعفها وربما فسادها أيضاً... والأهم محاسبتها، أما الخطوة الثانية فتتمثل في الشخصيات التي سيجري ترشيحها في المرحلة القادمة لقيادة العمل الإداري في وزارات الدولة ومؤسساتها العامة، والآليات والمعايير والأسس التي ستعتمد في ذلك.

وعندئذ لن نقول إن الإعفاءات السابقة كانت مجرد استثناء فرضته ظروف معينة.. وإنما بداية لمرحلة جديدة..

سيريا ديلي نيوز


التعليقات