خلال سبع سنوات من الحرب المتواصلة على سورية لم يتمكن الإرهاب من تدمير البنية التحتية فقط، بل أثّر على الاقتصاد والمنافذ الخارجية، فكانت الضربة القوية موجهة للصادرات، فالمصدّرون يتحدثون عن مشاكل يعانيها هذا القطاع، بعضها خارج عن الإرادة، فرضته الحرب، وبعضها الآخر متعلق بإجراءات حكومية ضبابية تعرقل هذه العملية في بعض الأحيان، بينما تؤكد الجهات الحكومية أنها تسعى دائماً وضمن الإمكانات المتاحة لتذليل العقبات التي تواجه التصدير.

 لا أرقام صادرات لدى وزارة التجارة الخارجية

كشفت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، مدى تراجع دور القطاع الحكومي في سورية الذي كان يساهم مناصفة مع القطاع الخاص، قبل الحرب، سواء بالناتج المحلي الإجمالي، أو حتى بالصادرات. وبينت أرقام وزارة التجارة الخارجية والتي اطلعت «الأيام» عليها أن قيمة المستوردات الفعلية، حسب بيانات الوزارة، بلغت 29.5 مليار ليرة بنسبة 23% من المخطط لكامل عام 2017 البالغ نحو 129 مليار ليرة، في حين أن بيانات الوزارة لا تلحظ وجود صادرات، أي أنه لا بيانات لديها عن الصادرات، حسب إحصائيات الوزارة فإنه لم تزد حصة سورية العام الماضي عن 0،01% من التجارة العالمية، وذلك بعد أن تراجعت الصادرات من 8 مليار دولار عام 2011 إلى نحو 650 مليون دولار عام 2015، أي ما نسبته 1130%.

الحرب غيرت وجهة الصادرات نحو روسيا وإيران

وتشير التقارير الرسمية إلى أنه وحتى عام 2010 كانت دول الاتحاد الأوروبي تستحوذ على القسم الأكبر من الصادرات السورية ، ومع بداية الحرب عام 2011 تغيرت وجهة الصادرات السورية نحو روسيا بالمرتبة الأولى، لتأتي بعض الدول العربية بالمرتبة الثانية، حيث بلغت الصادرات السورية خلال عام 2015 نحو 650 مليون دولار موزعة عربياً، على مصر في المرتبة الأولى بقيمة صادرات بلغت 158 مليون دولار وبنسبة 23% من إجمالي الصادرات، تليها الأردن بنسبة 15.5% وبقيمة صادرات 101 مليون دولار، لتأتي السعودية في المرتبة الثالثة بقيمة صادرات 84 مليون دولار وبنسبة 13%.

البيانات لدى الجمارك فقط

وفي سياق متصل كشفت إحصاءات المديرية العامة للجمارك والتي حصلت «الأيام» على نسخة منها أن إجمالي الصادرات السورية بلغ 474 مليون دولار خلال العام الماضي، ليحتل لبنان المرتبة الأولى بقيمة 88 مليون دولار، تليه مصر بقيمة 46 مليون دولار، ثم العراق 41 مليون دولار، وإسبانيا 25 مليون دولار وإلى الأردن 25 مليون دولار، والهند 15 مليون دولار.

‏‏‏وبحسب الإحصائيات فإن الصادرات السورية وصلت إلى ألمانيا مسجلة 9 ملايين دولار والجزائر 9 ملايين دولار وبنغلادش 8 ملايين دولار بكمية 5 أطنان، والسودان 8 ملايين دولار واليمن 6 ملايين دولار وإلى إيطاليا 4 ملايين دولار والمغرب 4 ملايين دولار وإلى ليبيا 4 ملايين دولار بكمية 1,8 طن.‏ ‏

أما عن أهم السلع التي تم تصديرها، فقد بينت الجمارك العامة أنها شملت 105 مواد، يتقدمها زيت الزيتون بـ 58 مليون دولار والكمية 23 طناً، ومادة الكمون بقيمة 58 مليون دولار بكمية 36 طناً، والألبسة بقيمة 37 مليون دولار بكمية 6 أطنان، وحبة البركة بقيمة 32 مليون دولار بكمية 2 طن، والخيوط القطنية بقيمة 16 مليون دولار بكمية 8 أطنان.‏ ‏‏

 الجمارك تتكلم وتكشف المخفي

 وبحسب مصدر مسؤول من الجمارك فإن طبيعة المستوردات قد تغيرت خلال فترة الحرب، من النفط الخام والقطن، لتقتصر المستوردات على القهوة والشاي التي تحتل المرتبة الأولى، والتي نستوردها بمقدار يقارب 195 مليون دولار، ليتم إعادة تصدير جزء مهم منها بقيمة 55 مليون دولار، وتشكل أكبر وزن للصادرات السورية، يليها تصدير الفواكه بقيمة 54 مليون دولار، والخضار بمقدار 27 مليون دولار، وأما القطن الذي كان يأتي في المرتبة الثالثة ضمن الصادرات السورية، بعد النفط والفوسفات، فقد تراجعت صادراته من 199 مليون دولار في عام 2011 إلى 10 ملايين دولار في عام 2015.

وفي حين كانت المشتقات النفطية، تشكل 74% من قيمة الصادرات قبل الحرب، هي أكثر المنتجات تأثّرا بالحرب، فقد وصلت صادرات سورية من النفط إلى الصفر، بسبب خروج معظم آبار النفط عن سيطرة الدولة ووقوعها بيد الإرهاب، وخاصة حقول النفط الواقعة في الشمال والشمال الشرقي وحوض الفرات.

وتأتي الألبسة في المرتبة الثانية بين أهم الصادرات السورية التي تأثرت بالحرب، وكانت تعدّ واحدة من أبرز القطاعات الإنتاجية في البلاد، ففي 2010 حققت صادرات الألبسة قيمة قُدّرت بنحو 12 مليار دولار، لكن هذه القيمة انخفضت بنسبة 90% نتيجة خروج معظم المعامل عن الخدمة وخاصة في حلب، لتصل في العام الجاري نحو نصف مليار دولار فقط.

 القطن والأغنام ثالثاً ورابعاً

جاء القطن في المرتبة الثالثة من الصادرات، فقد أدّت الحرب إلى دق ناقوس الخطر بانعدام أهم المواد الأساسية في الكثير من الصناعات النسيجية والغذائية والطبية وغيرها. وكانت سورية احتلت المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج القطن من حيث وحدة المساحة، كما احتلت المرتبة الثالثة آسيوياً في إنتاج القطن العضوي، إلا أن الحرب لعبت دوراً كبيراً في تراجع إنتاجه بسبب عزوف الفلاحين عن زراعته نتيجة ارتفاع تكاليفه، فبعد أن كان إنتاج سورية من القطن قبل الحرب يصل لأكثر من مليون طن سنوياً، انخفض بشكل كبير وبنسبة تصل إلى 93% في السنوات الخمس الماضية، ولم تتعد كمية الإنتاج 50 إلى 100 ألف طن في 2015.. تصدير الأغنام حلّ رابعاً قبل الحرب، بمساهمته في قيمة الصادرات الزراعية السورية في الفترة بين 2006 و2008 بحوالي 16%، من خلال تصدير رؤوس أغنام وصل إلى مليون رأس تقريباً، لكن مع بداية الحرب قرّرت الحكومة إيقاف تصدير الأغنام، قبل أن تعود في 2012 وتسمح بالتصدير. ومع انخفاض الثروة الحيوانية، من 22.865 مليون رأس عام 2010، إلى نحو 11.904 مليون رأس غنم العام الماضي، نتيجة هروب المربين وغلاء الأعلاف والتصدير، لم تصدّر سورية في 2015 سوى 26 ألف رأس فقط.

المواد الأولية هي المصدّرة فقط

أما الفوسفات فكان يعدّ من الصادرات المهمة قبل الحرب، وبلغ إجمالي الإنتاج في 2011 نحو 3.6 مليون طن صدّر معظمه، في حين تم تصدير 345 ألف طن منه في الربع الأول العام الماضي بقيمة 35.3 مليون دولار أمريكي فقط.

ووفق دراسة سابقة، لهيئة تنمية وترويج الصادرات، فإن معظم الصادرات السورية هي من المنتجات الأولية حيث تتراوح قيمة مؤشر التبعية التكنولوجية للمنتجات الأولية بين 0.57% في عام 2010 و 0.60% في عام 2014، وتعتمد سورية بشكل قليل على تصدير المنتجات متوسطة ومنخفضة التكنولوجيا حيث انخفض مؤشر التبعية التكنولوجية للمنتجات منخفضة التكنولوجيا من 0.14% إلى 0.10%، للفترة الواقعة بين عامي 2010 و 2014، وكذلك للمنتجات متوسطة التكنولوجيا من 0.09% إلى0.07% لنفس الفترة، في حين لا تصدّر سورية أية منتجات عالية التكنولوجيا.

وتنبهت الحكومة إلى خطورة عجز الميزان التجاري المتنامي منذ عام 2011، فأصدرت هيئة دعم وتنمية الصادرات، ما أسمته «المصفوفة التنفيذية» لعام 2017، والتي ركزت على دعم الإنتاج المحلي عبر تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها الداعم الأساسي لعملية النمو، وتشجيع وتعزيز الصادرات، وإيجاد البيئة اللازمة لتشجيع الاستثمار الموجّه للتصدير. ويتفرّع عن هذه النقاط مسارات عمل تفضي إلى تحقيق أهداف فرعية وذلك عبر التوجّه لدعم القطاعات الزراعية والصناعية والحرفية، فضلاً عن تقديم خدمات استشارية وفنية لتحسين جودة الإنتاج بالشكل الذي يحقق تصريفه في الأسواق الخارجية، وإعادة إعمار الصناعات التي تم تدميرها خلال الأزمة لإعادة توجيه الإنتاج نحو التصدير.

روسيا الاتجاه الأول…

يؤكد روبرت فاجبوف مدير عام شركة روسية لـ «الأيام» أن  حجم الاستثمارات الروسية المتراكمة في سورية حتى 2011 يقدر بنحو 19 مليار دولار، وأن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد زاد في عام 2014 إلى نحو ملياري دولار بمعدل الضعف تقريباً مقارنة بالعام 2010، وقد كان للصادرات الزراعية إلى روسيا والمستوردات لأغراض الصناعة والأدوية والحبوب والأسلحة الدور الكبير في رفع الرقم، فالقطاع الخاص السوري يعتبر الأسواق الروسية منفذًا لتصريف الحمضيات وزيت الزيتون والخضراوات، وزاد اهتمامهم بهذه السوق بعد توتر العلاقات بين روسيا وتركيا المصدّر الأساسي للمنتجات الزراعية إلى موسكو، وتأتي روسيا في المرتبة الأولى بين دول العالم في استيراد المشمش والكرز والخوخ من سورية بقيمة واردات 7.196 مليون دولار، بنسبة تبلغ 39.3% من صادرات سورية من هذا البند، في حين تحتل سورية المرتبة 14 عالمياً في السوق الروسي في تصدير المشمش والكرز والخوخ.

وبحسب فاجبوف، فإن قيمة الطن الواحد من الصادرات السورية إلى روسيا وصلت إلى أعلى قيمة في 2013 بـمقدار 115.38 ألف ليرة سورية، وبالمقابل فإن قيمة الطن المستورد من روسيا كان 48.24 ألف ليرة عام 2013.

لا حدود للتصدير إلى العراق 

بدوره يؤكد علي مظهر صالح (أحد المصدرين العراقيين) لـ «الأيام» أن العراق يستورد من سورية منذ عام 1960، وهو يستورد جميع أنوع السلع والبضائع إلا النفط، ويتابع مظهر قائلاً: لقد تم تسهيل وتذليل بعض العقبات التي تواجه عمليات التبادل التجاري بين الجانبين، وخاصة التي تتعلق بمجالات النقل والهجرة والجوازات وتأشيرات الدخول والرقابة على المستوردات، كما تم حل موضوع الازدحام الشديد على النقاط الحدودية من الشاحنات السورية المصدرة إلى العراق، وتم استثناء الصادرات السورية من موضوع التدقيق على شهادات المطابقة ونوعية المنتجات المصدرة، وذلك بناء على الثقة المتبادلة بين البلدين. وشكّلت الواردات السورية نسبة 76% من إجمالي واردات العراق من الدول العربية،

وأضاف الصالح: يعدّ العراق الوجهة الأبرز للصادرات السورية ويحتل المرتبة الأولى عربياً، في استقبال المنتج السوري، وتشكل الصادرات إليه ما نسبته 45.8 % من إجمالي الصادرات بحدود 91.534 مليار ليرة سورية أي ما حجمه 1887058 ألف طن. وكانت الأرقام الرسمية السورية قد أشارت إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 2 مليار دولار العام الماضي، وسط توقعات بوصوله إلى ثلاثة مليارات مع نهاية السنة الحالية.

 إيران خارج خطة الصادرات

في حين خلت إيران من قائمة الدول التي وصلتها الصادرات السورية في العام 2017، وذلك خلافاً للاتفاق بين البلدين الذي تم توقيعه بداية العام الماضي، والذي يقضي بتخفيض الرسوم الجمركية على بضائع البلدين، من أجل زيادة التبادل التجاري.

 تغير الخارطة الاقتصادية

 وحول موضوع الصادرات يؤكد المحلل الاقتصادي سومر العلالي لـ «الأيام» أن خارطة الاقتصاد  تبدلت بشكل كلّي، وتغيرت وجهة الصادرات وبتنا أمام عدة أشكال لتصدير المنتج السوري، وبسبب الحرب لم تعد سورية بيئة منتجة فمعظم المصانع خرجت من الإنتاج وتضررت العاصمة الاقتصادية شمالاً، فخرجت مدينة الشيخ نجار من المعادلة، وأمام هذا الواقع هناك صناعيون نقلوا معاملهم إلى تركيا ومصر والأردن، ومن هناك استأنفوا العمل والتصدير، وسميّ المنتج باسم البلد الذي يصنع به (منتج تركي، أردني) بأيادٍ سورية، ومنهم من حوّل عمله وبات تاجراً وانتظر ما ستؤول إليه نهايات الصراع.

في النتيجة، ما زال التصدير في سورية يعاني الكثير من المشكلات التي تبحث عن حلول، منها ما هو إسعافي، ومنها ما هو جذري بالمطلق، فالتصدير في المرحلة المقبلة هو عماد الاقتصاد الأساسي، وخاصة في ظل نضوب وتراجع مصادر تمويل التنمية وإعادة الإعمار، وحاجة الاقتصاد السوري الماسة لكل دولار فيه، فهل ينجح الاقتصاد في تدوير عجلة التصدير بشكل سليم وصحيح؟ هذا هو الرهان القادم.

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات