العمل هو المصدر الأساسي للأنظمة الاقتصادية والنواة لتطور أي بلد وازدهاره، وتشكل ثقافة العمل في المجتمعات حجر الأساس في بنائها وتقدمها، فدون وجود ثقافة عمل لدى الشعب سيكون عسيراً عليه تطوير نفسه ومجتمعه، ويكون بذلك مستهلكاً وغير منتج، وبلادنا سورية تبدو في السنوات الأخيرة مظاهر من غياب ثقافة العمل وتنميتها لدى الفرد، وبذلك نتحول من شعب منتج في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، إلى شعب مستهلك في سنوات هذا القرن وخصوصاً الأجيال الحالية المعتاشة على التكنولوجيا الرقمية والويب والمقاهي..النرجيلة.. وغيرها من نفايات العولمة المصدّرة إلى مجتمعاتنا من قبل البلدان المتقدمة.

فأين نحن اليوم من العمل وثقافته؟

تاريخ لا ينسى

انطلق تاريخ الحركة العمالية في العالم مع نظريات كارل ماركس في القرن التاسع عشر، صاحب المقولة الشهيرة (يا عمال العالم اتحدوا)، والذي دعا إلى ما يسمى دكتاتورية البروليتاريا. بدأت أزمة العمال مع انطلاق الثورة الصناعية في بريطانيا بين عامي ١٥٥٠_165٠ إذ كان العمال وقود تلك الثورة التي جلبت الازدهار للدول الرأسمالية في ذلك الوقت، ولم تكن للعمال أية حقوق، وكانوا أشبه بالعبيد الذين يعملون تحت رحمة أرباب العمل، ولم تكن هناك أية قوانين تنظم العلاقة بين العمال وأرباب العمل، بل تُرك تنظيم تلك العلاقة إلى قانون السوق والعرض والطلب، وكانت بريطانيا لا ترغب في قوننة أوضاع العمال أو الدفاع عن حقوقهم خشية أن يؤثر ذلك على تقدم الثورة الصناعية ويعيق عجلة الإنتاج.

حققت الحركة العمالية تقدماً كبيراً في نضالها بعد الحرب العالمية الأولى والثورة البلشفية في روسيا التي قامت على أفكار ماركس وإنجلز، التي تعطي أهمية قصوى للعمل والعمال على حساب رأس المال.

ضعف الحركات العمالية العربية

ظلت الحركات العمالية في العالم العربي ضعيفة ولم تتأثر معظم الدول العربية كثيراً بهذا التيار، ويعود ذلك إلى بدائية الاقتصاديات العربية وتأخرها، واعتماد معظمها على الثروات الباطنية، لا على نشاط إنتاجي واقتصادي فعال، وهو ما يسمى بالاقتصاد الريعي، وعلى الرغم من الأدبيات الكثيرة الدينية والاجتماعية التي ترفع من شأن العمل وتقدسه إلا أن الواقع الاقتصادي البائس لمعظم الدول العربية ظل يفرض إيقاعه.

أين سورية اليوم من ثقافة العمل؟

أما في سورية فالوضع مختلف قليلاً، فقد شهد القرن المنصرم تطوراً كبيراً في نشر ثقافة العمل التي أدت إلى تطور المجتمع وتحقيق الاكتفاء الذاتي للفرد والأسرة، كما أدت إلى تفعيل القوانين الخاصة بالعمال وغيرها وساهمت بتقدم البلد في كثير من المجالات، لكن منهجية السنوات الأخيرة القائمة على الكم أدت إلى انتكاسة كبيرة وفجوة ما نحن فيه اليوم من دمار وتخريب في كل المجالات والصعد. فعلى سبيل المثال التربية ومناهجها قائمة على الكم على حساب النوع، وكذلك تهميشها للتعليم المهني غير مستفيدة من تجارب الدول المتقدمة فمثلاً سويسرا تعتبر الدولة الأولى عالمياً بمستوى العمل وانخفاض مستوى البطالة لحدود 3.2% فهي تعتمد في النظام التربوي التشجيع على التعليم المهني من سن الخامسة عشرة، بتوجيه الطلاب إلى الورش والاختصاصات المهنية. أما نحن فحتى اليوم مدارسنا المهنية ومناهجها سيئة، كما أن تفضيل الثانوية العامة هو (بريستيج) اجتماعي دون التفكير بتقدم البلد والعمل على توفير الخبرات. وإذا عدنا إلى موضوع الجيل الحالي نجده لا يفقه شيئاً بثقافة العمل ولا يحترم العمل، وغير قادر على تحمل ضغوطه، فنجد معظم الشباب باحثاً عن وظيفة ومكتب يجلس خلفه كأمير مدلل يمارس واجباته في الرد على وسائل التواصل الاجتماعي وغيره، أما الفرد في سويسرا فعليه أن يعمل خلال الأسبوع بمتوسط بين 42 إلى 45 ساعة، إضافة إلى الساعات الإضافية، أما في ألمانيا فيعتبر الفرد آلة تقوم بأداء واجبها، ولا تختلف اليابان في ذلك، بل يحترم الموظفين أماكن عملهم ويعلمون بدقة متناهية محتسبين الوقت وأهميته، على غير عادة موظفينا الذين يتسارعون متسابقين بالهروب من مسؤولياتهم ووظيفتهم.

الوضع القانوني للعمال في سورية

الوضع  القانوني للعمال في سورية ممتاز، إذ ينظم وضع العمال مجموعة من القوانين المتقدمة عالمياً كقانون العمل والقانون الأساسي للعاملين في الدولة، ولكن رغم ذلك تظل الاستفادة المادية متدنية نتيجة الترهل الذي أصاب مؤسسات القطاع العام ومحدودية حجم القطاع الخاص ونشاطه، إضافة إلى تهميش القوانين لحساب المصالح الشخصية وخصوصاً في السنوات الأخيرة.

تساؤل ورأي

في نهاية مقالنا لابد لنا نتساءل: أين نحن اليوم من ثقافة العمل وتبني الخبرات وتوجيهها عبر المسار الصحيح، وعدم تهجيرها وتهميشها كما يحدث منذ سنوات والذي ازداد خلال سنوات الحرب، بإبعاد الكثير من العمال الشرفاء عن عملهم بطرق بشعة وسيئة وذلك بالنسبة لكثير من المختصين، فعملية الإخصاء ما زالت مستمرة وبقوة من قبل المتنفذين المدعومين، إضافة إلى السماح لكل ما هو سلبي ومؤثر على الجيل، وحظر الإيجابيات وعدم تفعيلها بالطرق الصحيحة وخصوصاً في تربية الأجيال القادمة، فحتى اليوم رغم كل هذه الحرب لم نر فلك المركب يسير بالطريق الصحيح إلى سورية عاملة ومتقدمة بقوة عقول أبنائها وسواعدهم.

النور

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات