ما طال انتظاره، بات الآن رسمياً: رئيسة الوزراء البريطانية قدمت طلب انسحاب بلادها من الاتحاد الأوروبي. هذه الخطوة زادت من حالة الارتباك التي يعرفها المشهد الأوروبي، ما يحتم تسليط الضوء على بعض الأسئلة حول هذا الانسحاب.
تسعة أشهر مرت على استفتاء البريطانيين الذين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. منذ تلك اللحظة والنقاش مستمر والتخمينات تتواصل حول التنفيذ الدقيق لترتيبات هذا الانسحاب. وباستغلالها للبند 50 من الدستور قامت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بالخطوة الأولى، غير أن المفاوضات بين لندن وبروكسيل تنطلق للتو.
على ماذا يتم التفاوض؟
في الوقت الذي تريد فيه بروكسيل التفاوض حول عملية الانفصال فقط، تحاول لندن تقديم طلبات للفترة اللاحقة. وهذا يتجلى بوجه واضح في موضوع التجارة، لأنه فور خروج بريطانيا من السوق الداخلية، يجب عليها من الناحية النظرية إبرام عقود مع جميع دول الاتحاد الأوروبي. وبروكسيل تريد أن يحصل ذلك بعد إتمام عملية الانفصال.
وسيُطرح ربما في البداية مصير ثلاثة ملايين من مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، وكذلك تسعمائة ألف بريطاني يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي. وفي أسوء الحالات سيكون هؤلاء مجبرين على التخلي عن جنسيتهم، وبالتالي قد يفقدون حقهم في الرعاية الصحية والتقاعد في بلدهم بريطانيا.
وبالنسبة إلى السياح الإنجليز المقيمين بصفة دائمة على ساحل كوستا ديل سول الإسباني، قد يعني ذلك جمع الأمتعة والمغادرة: فنحو ثلث مجموع الإنجليز في الخارج يعيشون في إسبانيا. ويعتزم الاتحاد الأوروبي بسرعة طرح موضوع الفاتورة التي لم تسددها بعد لندن لبروكسيل. وأرادت رئيسة الوزراء التعاطي مع هذا الموضوع في نهاية المفاوضات.
لا رجعة في قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي
ما هو حجم الديون البريطانية لدى الاتحاد الأوروبي؟
إنه مبلغ هائل تداولته الصحف الأوروبية منذ أسابيع: 60 مليار يورو، ولا أحد يعرف في الوقت الراهن هل هذه الفاتورة ستكون فعلا بهذا الحجم، علما أن الجانب البريطاني ينطلق فقط من مبلغ 20 مليار يورو.
المعروف هو أن بريطانيا تحملت التزامات لا تفقد مفعولها مع يوم الانسحاب من المجموعة الأوروبية. وهذا ينطبق مثلا على رواتب تقاعد الموظفين. المتحدث باسم المفوضية مارغاريتيس شيناس يشرح الوضع مؤخرا بقوله: "كأننا نذهب مع 27 صديقا إلى حانة، ونطلب مشروبات للجميع ولا يمكننا المغادرة إذا كان الحفل في أوجه. يجب أولا دفع مبلغ المشروبات التي تم طلبها".
استراتيجيات التفاوض المتبعة؟
الكثير من أصحاب القرار في بروكسيل يعتبرون أن لندن يجب أن تشعر بمساوئ الانسحاب. جملة قالها جان كلود يونكر تعبر عن ذلك: "الهارب لا يتم الترحيب به بأيادي مفتوحة. من جهته، رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أوضح أنه سيتم اتخاذ تدابير للتفاوض مع البريطانيين في غضون يومين بعد تنفيذ البند 50. ويُرتقب عقد قمة خاصة لرؤساء دول وحكومات الدول الـ 27 بعد نحو شهر واحد. وسيحاول البريطانيون المناورة من أجل كسب بعض الرهانات: أحدها حقوق ثلاثة ملايين مواطن أوروبي يعيشون في بريطانيا.
من يفاوض على شروط الانسحاب؟
"بعض ألسنة السوء"، أعلنت أيضا أن لندن قد تتصرف عملا بشعار "فرق تسد". لكن خلال الاحتفال مؤخرا بالذكرى الستين في روما، أظهر رؤساء الدول والحكومات شعارا آخر وهو الوحدة في أوقات الأزمة. ومن يريد التفاوض مع الاتحاد الأوروبي يجب عليه القيام بذلك مع جميع أجزائه، لأن المجلس الأوروبي والمفوضية والبرلمان لهم حق المشاركة في الرأي. وعلى الجانب البريطاني هناك وزارة خاصة بقضايا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي تتولى ربما المفاوضات. وهذه الوزارة يرأسها ديفيد ديفيس.
مظاهرات في لندن معارضة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي
الحدود الخارجية المستقبلية للاتحاد الأوروبي؟
مشكل الحدود سيُطرح في أيرلندا، فالحدود بين أيرلندا الشمالية التي تنتمي للملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا لا تزال مفتوحة إلى حد الآن. وإذا ما تم تصديق الوزير البريطاني ديفيد ديفيس الذي يشرف على مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن مسألة الحدود ستبقى على ما هي عليه الآن. لكنه لم يوضح كيف سيكون ذلك ممكنا إذا كانت بلاده تسعى إلى منع الهجرة من بلدان الاتحاد الأوروبي.
متى ستنتهي المفاوضات؟
من الناحية الرسمية يُعلن أن المفاوضات يجب أن تنتهي بعد عامين. وهذا ما هو وارد في البند 50 الذي ينظم أيضا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وهناك سيناريوهات أخرى واردة. فيمكن للبريطانيين مثلا وقف المفاوضات وإغلاق الباب. وسيتعقد الأمر عندما تحصل البرلمانات الوطنية على حق الإدلاء بالرأي والتصويت على اتفاقية الانسحاب. وهذا لم يتأكد بعد. وفي النهاية يجب على كل حال المصادقة على الاتفاقية من جميع دول الاتحاد الأوروبي، وهذا وحده سيتطلب شهورا.
وهناك باب خلفي آخر بالنسبة إلى اتفاقيات الاتحاد الأوروبي: فإذا لم تتفق لندن وبروكسيل بعد انتهاء مهلة عامين، هناك إمكانية تمديد أمد المفاوضات، لكن يجب على جميع رؤساء دول وحكومات البلدان الـ 27 الموافقة على ذلك.
ما الذي سيحصل بعد ذلك؟
إذا اتفق الجانبان على اتفاقية انسحاب تكون جميع الترتيبات المؤقتة قد اتُخذت وتمت المصادقة عليها من جميع الدول الأعضاء ليتم بعدها إبرام تفاهمات طويلة الأمد. سير إيفان روجيرس سفير بريطانيا لدى الاتحاد الأوروبي، اعتبر أن الوقت قد يستمر عشر سنوات إلى حين التمكن من التفاوض على اتفاقيات جديدة.
في المقابل، تتنبأ رئيسة الوزراء تيريزا ماي بمستقبل مظفر: إذ هي تقول بأن دولا أخرى تنتظر لإبرام اتفاقيات تجارة حرة مع المملكة المتحدة، في حين أن هناك من اعتبر هذا الموقف أنه من نسيج الخيال.
نينا نيبرغال/ م.أ.م
سيريا ديلي نيوز
2017-03-30 11:16:52