أثارت الديون المترتبة لمصلحة الشركة العامة لكهرباء الحسكة، على المستهلكين من القطاعين العام والخاص لغطاً كبيراً في الآونة الأخيرة. وذلك نتيجة لقيام الشركة بقطع التيار الكهربائي عن المدينين سواء أكانوا من القطاع العام أم الخاص من جهة، ولارتفاع رقم هذه الديون من جهة ثانية.

والمتتبع لمسيرة هذه الديون يجد أن شركة الكهرباء وقعت في حيرة من أمرها، ولم تعد تعرف ماذا عليها أن تفعل لتحصيل تلك الديون، فهي من جانب مؤسسة ذات طابع اقتصادي وعليها التزامات تجاه العاملين فيها من رواتب وأجور وغير ذلك، وتجاه المشتركين من صيانة وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في شتى المجالات وزيادة الوثوقية وتنفيذ المشروعات الجديدة وإنارة الريف إلى نهاية القائمة التي تتضمن مهمات الشركة. ومن جانب آخر الملتزمون بتسديد ما يترتب عليهم من ديون ومبالغ لقاء استجرار التيار الكهربائي قلة، والوارد لا  يكاد يسد الرمق، ولا يلبي الحد الأدنى من الحاجة.

إجراءات بلا فاعلية

وبما أن أكبر كتلة من هذه الديون تقع على عاتق القطاع الخاص وخاصة المزارعين والفلاحين لقاء استخدام التيار الكهربائي في تشغيل محركات الآبار الارتوازية، فإنه يفترض بهم المبادرة إلى تسديد المبالغ المترتبة عليهم لقاء ذلك أثناء تسويق المحصولات الزراعية وقبض ثمنها، لكن الحاصل على أرض الواقع أن أغلب هؤلاء المزارعين والفلاحين لا يفعلون ذلك. ما يدفع الشركة إلى الذهاب إليهم وتوجيه إنذارات لهم، وإذا ما مرت المدة القانونية للإنذار دون قيام المزارع أو الفلاح بالتسديد، وقامت الشركة بقطع التيار الكهربائي، فإن الدنيا تقوم على رأسها ولا تقعد، إذ يبدأ الصراخ والاتهامات للشركة بأنها تريد تخريب المواسم الزراعية وبالتالي ضرب الاقتصاد الوطني.

وإذا طلبت الشركة من فروع المصرف الزراعي (بموافقة الجهات المعنية وخاصة رئاسة مجلس الوزراء)، اقتطاع الديون المترتبة عليها من فواتير شراء المحصولات الزراعية مباشرة، فإن المعترضين على ذلك أكثر من الهم على القلب، بذريعة أن فروع المصرف الزراعي ليسوا جباة لدى شركة الكهرباء التي يتوجب عليها اقتلاع أشواكها بيديها.

وإذا قامت الشركة (بتوجيه من رئاسة الحكومة) بقطع التيار عن المؤسسات الرسمية، فإن الشكاوى والاتهامات تطول الشركة من كل حدب وصوب، بأنها تريد منع المؤسسات الحكومية من تخديم المواطنين، وبالتالي فإن تصرف الشركة بهذا الشكل يصب في خانة تعطيل مصالح المواطنين وتأليبهم على الدولة.

حتى تقسيط تلك الديون لم يفلح ولم يؤد إلى النتيجة المطلوبة، بسبب قلة الملتزمين بتسديد الأقساط. الأمر الذي جعل الجميع يجدون أنفسهم في مأزق ناتج عن المعادلة الصعبة التالية:

الشركة تريد مستحقاتها وهذا حقها، والمدينون يريدون الكهرباء دون تسديد قيمتها. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الحل؟.

الديون آخذة بالازدياد

أي دين يفترض به أن يتناقص إذا التزم المدين بالتسديد، لكن في حالة ديون الكهرباء في محافظة الحسكة نجد أن هذه الديون تتزايد ليس عاماً بعد آخر بل شهراً بعد آخر، ما يدل بشكل واضح على ضعف التسديد. إذ تـُبـيـّن البيانات التي وضعها بين يدينا المدير العام لشركة الكهرباء المهندس علي خان أحمد، أن هذه الديون كانت خلال النصف الأول من العام الماضي 5 مليارات و635 مليوناً و730 ألفاً و760 ل.س. منها 3 مليارات و715 مليوناً و759 ألف ل.س على القطاع الخاص، ومليار و919 مليون و963 ألفاً ل.س على القطاع العام. وقد بلغ ما تم تحصيله من هذه الديون 998 مليوناً و612 ألفاً و795 ل.س، منها 532 مليوناً و494 ألفاً و753 ل.س من القطاع الخاص بنسبة 15%، و466 مليوناً و118 ألفاً ل.س من القطاع العام بنسبة 25%. وبقي من هذه الديون 4 مليارات و637 مليوناً و117 ألفاً و965 ل.س، منها 3 مليارات و183 مليوناً و273 ألف ل.س على القطاع الخاص، ومليار و453 مليوناً و844 ألفاً و959 ل.س على القطاع العام. وتشكل الديون المترتبة على القطاع الزراعي من هذه الديون ملياراً و565 مليوناً و915 ألفاً و694 ل.س، وبلغت نسبة التحصيل من هذه الديون 50%.

وفي نهاية عام 2011 ارتفعت ديون الكهرباء إلى 8 مليارات و15 مليوناً و603 آلاف و588 ل.س، منها 5 مليارات و178 مليوناً و690 ألفاً و366 ل.س على القطاع الخاص، وملياران و836 مليوناً و913 ألفاً و222ل.س على القطاع العام. وارتفعت نسبة التحصيل بالنسبة للقطاع الخاص قليلاً 3 درجات فقط، إذ وصلت إلى 18%، من خلال تحصيل 897 مليوناً و283 ألفاً و288 ل.س، وبقي 4مليارات و281 مليوناً و407 آلاف و78 ل.س. في حين ارتفعت نسبة التحصيل من القطاع العام بشكل جيد فوصلت إلى 68%، من خلال تحصيل مليار و906 ملايين و201 ألفاً و801 ل.س، وبقي 930 مليوناً و711 ألفاً و421 ل.س. وليصبح مجموع الديون المتبقية 5 مليارات و311 مليوناً و118ألفاً و499 ل.س. أي بزيادة 674 مليون ل.س عن الديون المتبقية خلال النصف الأول من العام الماضي. وتشكل الديون المترتبة على القطاع الزراعي من هذه الكتلة ملياراً و655 مليوناً و704 آلاف و590 ل.س، وتراجعت نسبة التحصيل منها إلى 39%.

أما قيمة الديون لغاية 31/5/2012، فبلغت 5 مليارات و683 مليوناً و296 ألفاً و25 ل.س. منها 4 مليارات و752 مليوناً و584 ألفاً و604 ل.س على القطاع الخاص، و930 مليوناً و711 ألفاً و421 ل.س على القطاع العام. وتراجعت نسبة التحصيل من القطاع الخاص بشكل كبير 5% فقط، من خلال تحصيل 241 مليوناً و355 ألفاً و604 ليرات. كما انخفضت نسبة التحصيل من القطاع العام إلى 25%، من خلال تحصيل 229 مليوناً و854 ألفاً و376 ل.س. وبذلك بقي من هذه الديون 5 مليارات و212 مليوناً و86 ألفاً و45 ل.س، منها 4 مليارات و511 مليوناً و229 ألفاً ل.س على القطاع الخاص، و700 مليوناً و857 ألفاً ل.س على القطاع العام. وارتفعت كتلة الديون المترتبة على القطاع الزراعي من تلك الديون إلى ملياري ل.س، وبالمقابل انخفضت نسبة التحصيل إلى 44%.

ديون المؤسسات الرسمية

ويبلغ عدد المؤسسات الرسمية المدينة أكثر من 100 مليون لمصلحة شركة الكهرباء في المحافظة، مؤسسة واحدة فقط هي مديرية الموارد المائية بمبلغ 136 مليون ل.س. ويبلغ عدد المؤسسات المدينة بأكثر من 50 مليون ليرة مؤسسة واحدة أيضاً هي مديرية التربية بمبلغ 91 مليون ل.س.

في حين يبلغ عدد المؤسسات المدينة بأكثر من 25 مليوناً 3 مؤسسات هي مديرية الصحة ومؤسسة المياه ومجلس مدينة الحسكة بمبلغ 44 مليون ل.س لكل منها. وثمة مؤسسة واحدة مدينة بأكثر من 10 ملايين ل.س هي الإذاعة والتلفزيون بمبلغ 10 ملايين و771 ألف ل.س. و3 مؤسسات مدينة بأكثر من 5 ملايين ل.س هي منشأة الدواجن ومؤسسة الخطوط الحديدية بمبلغ 5 ملايين لكل منهما والشركة السورية الليبية بمبلغ 8 ملايين ل.س، و3 مؤسسات أيضاً مدينة بأكثر من مليون ل.س هي مديرية الخدمات الفنية بمبلغ مليون و732 ألف ل.س، ومديرية النقل بمبلغ مليون و414 ألف ل.س والأحوال المدنية بمبلغ مليون و893 ألف ل.س. وديون باقي المؤسسات أقل من مليون ل.س لكل منها.

وبما أن مديرية الموارد المائية في مقدمة المؤسسات المدينة بمبلغ 136 مليون ل.س، اتصلنا بمديرها المهندس سمير مورا الذي أوضح لنا أن هذه الديون لا تعود للعام الحالي فقط وإنما  للعام الماضي أيضاً، وأغلبيتها العظمى لقاء استجرار التيار الكهربائي لتشغيل الآبار الموجودة في رأس العين لضخ المياه في سرير نهر الخابور وقناة الجر الرئيسة المغذية لسدي الحسكة الغربي والشرقي، اللذين يعدان المصدر الوحيد لمياه الشرب اللازمة لسكان مدينة الحسكة، ولهذا لا يمكن إيقاف هذه الآبار عن العمل.

وقال المهندس مورا: إن السبب في عدم تسديد هذه الديون لمصلحة شركة الكهرباء، يعود إلى عدم تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لهذا البند من قبل وزارة الري. وقد اتفقنا مع شركة الكهرباء على تقسيط هذا المبلغ، ووعدنا من الوزارة بتأمين الاعتمادات اللازمة للتسديد.

الحق على الجميع

وكما ذكرنا تبلغ كتلة الديون المترتبة على القطاع الزراعي لصالح شركة الكهرباء ملياري ل.س، وعن الأسباب التي أدت إلى هذه الديون قال عضو المكتب التنفيذي لاتحاد فلاحي الحسكة بشير الصالح: إن السنوات العجاف التي مرت على محافظة الحسكة نتيجة لقلة الهاطل المطري، أدت إلى تراجع القطاع الزراعي وارتفاع تكاليف الإنتاج. الأمر الذي حـمـّل المنتجين أعباء إضافية، جعلتهم يفاضلون بين الالتزامات المترتبة عليهم، فتقدم تأمين مستلزمات المعيشة على الالتزامات الأخرى، ولاسيما ديون المصرف الزراعي وشركة الكهرباء.

ويرى الصالح أن الجميع مقصر في هذا المجال ويتحمل مسؤولية عدم تسديد تلك الديون، التي تعد حقاً واجب السداد لشركة الكهرباء. فقد كان على المزارعين والفلاحين المبادرة إلى تسديدها على دفعات أثناء استلام قيم المحصولات الزراعية، بدلاً من تركها تتراكم. وبالمقابل كان على الشركة المطالبة بديونها والعمل على تحصيلها في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة.

وأضاف الصالح إن قطع التيار الكهربائي عن الآبار الارتوازية أثناء الموسم مرفوض جملة وتفصيلاً، لأنه (يعني القضاء على الموسم الزراعي وهذا لا يقل عن قتل النفس البشرية) حسب رأيه. ولهذا لا حل إلا بتقسيط تلك الديون بأقساط مريحة، يستطيع المزارعون والفلاحون الإيفاء بها.

أقل المحافظات تحصيلاً

وعـلـّق مدير عام شركة الكهرباء المهندس علي خان أحمد على هذا الكلام، بأن نسبة تحصيل ديون الكهرباء في محافظة الحسكة هي أقل نسبة تحصيل بين جميع المحافظات السورية. وإذا كان القطاع الخاص لا يبادر للتسديد لأسباب مختلفة، فما هو وضع القطاع العام، وأين تذهب الاعتمادات المرصودة للكهرباء والهاتف والماء في موازنات المؤسسات الرسمية؟ ولماذا تصرف هذه الاعتمادات على بنود أخرى ولا يتم صرفها في المجال المخصصة له؟.

وأوضح المهندس أحمد أن القطاع الزراعي كان خارج برنامج التقنين، ولم تتهاون الشركة على الإطلاق بتحصيل مستحقاتها، لكن كان هناك تهاون من الجهات الأخرى سواء من القطاع العام أو الخاص بالتسديد والتجاوب مع الشركة. وقد سبق لوزارة الكهرباء بناء على موافقة وتوجيه مجلس الوزراء أن قامت بتقسيط الديون، لكن هذا الإجراء لم يحقق الأهداف المرجوة منه. ويبدو أن ثقافة عدم تسديد مال الدولة هي التي أصبحت سائدة، من منطلق الدور الأبوي للدولة كما يرى الكثير من المدينين. على الرغم أن القضية في غاية البساطة، وهي أن هذه الجهة أو المواطن استجر مادة ما وعليه تسديد قيمتها، هذا كل ما في الأمر.

وتساءل المهندس أحمد: لماذا لا يقدر المدينون وضع الشركة والالتزامات الكثيرة والكبيرة المترتبة عليها لأبناء هذه المحافظة، وهل يقبل هؤلاء المدينون أن يأتي يوم على شركة الكهرباء لا تستطيع فيه تسديد رواتب العاملين فيها؟.

تشرين

syriadailynews

التعليقات