رغم التحسن الذي تشهده الليرة السورية، إلا أن ذلك لم ينعكس على الأسعار في البلاد، إذ بقيت تحافظ على ارتفاعها منذ بدأ سعر صرف الليرة مقابل الدولار يصل إلى مستويات غير مسبوقة.

ورغم أن ارتفاع الأسعار بشكل مضاعف كان سببه الرئيسي ارتفاع سعر الصرف إلى مستويات غير مسبوقة إلا أن تراجع أسعار الصرف خلال اليومين الماضيين لم يؤد إلى التراجع في أسعار السلع والبضائع في السوق.

فلماذا؟.

يقول الخبير الاقتصادي والصناعي السوري شادي دهام إنه ورغم التحسن الذي شهدته الليرة وتجاوزت نسبته 35% إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابا على أسعار السلع، بل إن أسعار بعض السلع ارتفعت.

ويرى دهام أن من أسباب ذلك أن البضائع الموجودة في الأسواق مستوردة مسبقا بسعر صرف مرتفع، وأن من الخطأ قياس أسعارها كما تقاس أسعار العملة، إذ أن تغير الأسعار في الأسواق ليس آنيا ويتطلب وقتا لتنفد البضائع المستوردة مسبقا وتأتي بضائع جديدة بسعر الصرف الحالي، إضافة إلى دور تجار الأزمة الذين يستغلون الأمر لتحقيق مكاسب إضافية .

أسباب تحسن سعر الصرف

يقول دهام إن سبب التحسن التدريجي في سعر صرف الليرة يعود لعدة عوامل منها إجراءات البنك المركزي الاحترازية، التي كان أولها رفع سعر الحوالات الخارجية في التعاملات الرسمية إلى 1250 ليرة، ولذلك ومع اقتراب عيد الأضحى فمن الطبيعي أن الحوالات ستتدفق من السوريين في الخارج، وبسبب أعداد السوريين الضخمة في المهجر فسيكون لذاك التدفق تأثير كبير في تحسن الليرة.

يضاف إلى ذلك إعلان مصرف سورية المركزي عن نتائج الاكتتاب على شهادات الإيداع بالليرة السورية، ما أتاح الحصول على المليارات من الليرة السورية، وقد تم تحديد حجم الإصدار النهائي للمزاد عند مستوى 74 مليار و300 مليون ليرة سورية، وذلك بهدف التحكم بالسيولة وسحبها من الأسواق لتوجيهها نحو المصرف، ومن ثم المساهمة في منع هذه الأموال من الدخول في مضاربات على الدولار.

ويضيف دهام أن هناك عوامل أخرى ساهمت في تحسن الليرة، منها ما هو متعلق بالقبضة الأمنية للحكومة السورية في تنفيذ المرسوم الذي يجرم كل من يتعامل بغير الليرة السورية أو يضارب عليها، فقام المصرف المركزي بضرب معاقل السوق السوداء التي تضم بعض الأشخاص والشركات، كذلك كانت هناك خطوة مهمة تمثلت بمكافحة التهريب، إذ أن غياب المواد المهربة من السوق سيكون كفيلاً بتنشيط الإنتاج الوطني.

لكن ذلك التحسن لم ينعكس بعد على الأسعار، فما الإجراءات التي يمكن أن تساهم في ذلك؟

حزمة قرارات

يقول دهام إن تطبيق “التسعيرة الجبرية” الخاصة بوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، قد يؤدي لمشاكل في اختفاء السلع من الأسواق، وتشوهات في قطاع الإنتاج بالكامل، الأمر الذي يؤدي لتقليل معدل النمو الاقتصادي بشكل عام، وأنه على المستوى العملي، لا يمكن أيضاً تطبيق التسعيرة الجبرية، إذ لا توجد إمكانية لوضع مراقب أمام كل بائع، لضمان التزامه بالبيع بالسعر المحدد.

ويرى دهام أن الحل الأفضل هو أن تقوم الحكومة بخفض أسعار عوامل الإنتاج، والعمل على زيادة المنافسة، ليكون من مصلحة التاجر خفض الأسعار وليس زيادتها، وهذا ما أكد عليه مرسوم الرئيس بإعفاء المواد الأولية المستوردة، والخاضعة لرسم جمركي، من جميع الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على الاستيراد، لمدة عام واحد، والمرسوم من شأنه خفض أسعار المنتجات المحلية في الأسواق السورية، إذ أنه يوفر على الصناعي السوري نحو 10% من قيمة فاتورة مستورداته من المواد الأولية، وهو ما يمكن تلمسه في أسعار بعض السلع كالخضار والفواكه، أما السلع المستوردة فتتأثر بظروف الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تؤثر في فاتورة استيرادها وتزيد في تكلفتها، إضافة إلى ضعف منافسة المنتجات المحلية للسلع المستوردة، وهنا يوجد سبب آخر مرتبط بارتفاع فاتورة الاستيراد مع وجود امتيازات لتجار على حساب آخرين في الاستيراد، ما يشجع على الاحتكار، ولذلك يجب فتح السوق أمام من لديه الملاءة المالية للاستيراد والمنافسة في الأسعار، خاصة أن الحكومة اتخذت عدة خطوات للحد من ارتفاع الأسعار من خلال طرح السلع الغذائية بأسعار تشجيعية.

إن تحسين وضع الليرة السورية في هذه الظروف الصعبة جدا، كما يقول دهام، يحتاج إلى تركيز تام على دعم الإنتاج، لأن ذلك يؤدي إلى تلبية الطلب المحلي وخفض الطلب على القطع الأجنبي، وهذا يساهم في عملية تخفيف سعر الصرف.

ويختتم دهام بالقول إن البلاد بحاجة لحزمة قرارات صارمة لتنمية الاقتصاد وتشجيع الاستثمار ووضع سياسة نقدية شفافة وواضحة، وهو ما يسهم في كسب ثقة المواطنين، فالحفاظ على سعر صرف الليرة، وعلى الاستقرار النقدي يشكل عاملا أساسيا محفزا لنمو الاقتصاد الوطني.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات