تعتبر سورية من أهم الدول العربية المصنعة للزجاج, حيث يشتهر الزجاج السوري بميزته وجودته الخاصة به ويصدر إلى معظم الأسواق العربية والأجنبية. شركات كانت مميزة وذات عراقة وفي سورية عدة شركات تعمل في مجال هذه الصناعة العريقة سواء من القطاع العام أو الخاص, فهناك الشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية السورية المحدثة منذ العام 1948 وهي الآن متوقفة عن العمل منذ منتصف العام 2008, تقوم الشركة بإنشاء مصنع جديد لصناعة الزجاج على طريقة الفلوت الجديدة بدلاً من طريقة (البيتسبورغ). ولدينا أيضاً الشركة العامة لصناعة الزجاج في حلب والمحدثة عام 1978 وتنتج أصنافاً متعددة منها زجاجات المشروبات الغازية والمرطبات وزجاجات العطور والغذائية والأواني المنزلية والزجاج الدوائي والمسطح وهذه الشركة تعاني من قدم آلاتها ومعداتها خاصة خط الزجاج المسطح وقلة جودة منتجاتها وعدم القدرة على تصريفها وبيعها. وهذه من المشكلات الأساسية التي تشل آلية وحركة عمل الشركة وتحتاج إلى العمل لضمان جودة المنتج من خلال تحديث وتطوير الآلات وخطوط الإنتاج وإيجاد السوق لتصريف وبيع المادة. إضافة إلى هاتين الشركتين يوجد عدة شركات من القطاع الخاص في دمشق وحمص وحلب تنتج أصنافاً متعددة من الزجاج وهناك أيضاً عدة وكالات لشركات عربية وأجنبية تقوم بإنتاج واستيراد العديد من المنتجات الزجاجية. تراجع صناعة الزجاج مخيف ولافت ومن خلال دراسة واقع الإنتاج للزجاج في سورية نلاحظ تراجعاً كبيراً جداً خاصة في إنتاج القطاع العام الذي كان رائداً ومتميزاً في هذا المجال وخاصة في الأعوام الأخيرة وهنا نتساءل عن الأسباب لهذا التراجع المريب والذي أثر كثيراً في العملية الاقتصادية وبالتالي خلق ثغرة وفجوة كبيرة في هذه الصناعة ذات العراقة والتاريخ المعروف والمشهود للسوريين. من هنا فإن النهوض بهذه الصناعة وإحياء تاريخها وعراقتها وتفعيلها حاجة وضرورة اقتصادية أولاً واجتماعية وخدمية ثانياً. ففي حين بلغ الإنتاج عام 2004 (73449) طناً وبدأ بالتراجع والانحسار حتى وصل في عام 2009 إلى (18454) طناً لتوقف العمل في شركة زجاج دمشق بهدف إقامة مصنع جديد (الفلوت) والذي كان من المفروض الانتهاء منه منذ سنوات لكن التسويق والمماطلة وأموراً أخرى تشابكت وتعقدت في هذا الموضوع لتعجز أو ربما لتمنع إضافة إلى هذه الأسباب بعض الجهات سواء الرسمية وغير الرسمية من تحقيق هذا الإنجاز الاقتصادي النوعي فعلاً, والسؤال الذي نطرحه دوماً لمصلحة من؟ وعلى حساب من؟ وكيف..و ..؟ إلى جانب ذلك توقف خط الزجاج المسطح أيضاً في شركة حلب عن العمل وهنا نعود للتساؤلات نفسها ولعلامات التعجب والاستفهام, لكن نذكر الجهات المعنية ونرفع الصوت إلى متى؟ حتى القطاع الخاص أصابته العدوى كذلك تراجع الإنتاج في شركات القطاع الخاص حيث بلغ عام 2006 (16888) طناً ثم تراجع في العام 2007 إلى (12629) طناً بعد تخفيض نسبة الجمرك على الزجاج المستورد من 103% إلى 15% ما أدى إلى الانتشار اللافت والمدهش للزجاج المستورد في السوق المحلية لعدم قدرة الصناعة المحلية على منافسة المنتج الأجنبي, وهنا نصرخ ونقول: كيف تؤخذ مثل هذه القرارات وتطبخ لضرب الصناعات المحلية؟ ولماذا لا تتم العودة عنها أو الحد من أثرها السلبي القاتل على منتجاتنا الوطنية؟ وكل هذا تحت يافطة تحرير الأسعار.. اقتصاد السوق الاجتماعي.. تفعيل المنافسة.. وغيرها من الشعارات التي أثبت الواقع عدم جدواها بل ضربها وتخريبها للصناعة الوطنية. وحسب النشرة الرسمية التي تصدرها الجهة المختصة فإن الحاجة المحلية من الزجاج عام 2009 كانت (132000) طن والمنتجات الزجاجية الموجودة في أسواقنا معظمها مستوردة, أما المحلي فنسبته في السوق قليلة جداً وتكاد تكون شبه معدومة لقلة الطلب وقلة الجودة على الرغم من أن هناك منتجات صينية ضعيفة الجودة لكن سعرها أقل من سعر المحلي ومعظم المنتجات التي تسيطر على السوق مصدرها صيني ثم يأتي بعدها الفرنسي والسعودي والإماراتي. هل هذه الأسباب تبرر ما وصلنا إليه؟ ولو عدنا إلى البحث عن العوامل التي ساهمت في تراجع صناعة الزجاج هذه لوجدنا منها تخفيض نسبة الجمرك على الزجاج المستورد كما ذكرنا آنفاً وهذا ما أدى إلى انتشاره في أسواقنا بكثرة, وعدم قدرة المنتج الوطني على منافسة هذا المستورد من ناحيتي السعر والجودة إضافة إلى ذلك فإن قرار وزارة الاقتصاد والتجارة بإلزام شركات القطاع الخاص شراء نسبة 25% من الكميات المستوردة من الزجاج الشفاف من شركات القطاع العام والتي لا تصلح لصناعة الزجاج المقسى, وارتفاع سعره مقارنة مع الأسعار العالمية ناهيك عن ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأولية إلى أربعة أضعاف. لكن ورغم كل ذلك نسأل: هل أن هذه الأسباب والمبررات والأصح الحجج تجعلنا نتخلى عن صناعات وطنية مهمة ومشهود لها بالجودة والعراقة؟ بالتأكيد الجواب واضح ومعروف, لكن الأمر ليس إلا قرارات وسياسات اقتصادية في الحد الأدنى فاشلة وبالحد الأدنى تحتاج إلى إعادة نظر بل ونسف من الجذور.   الثورة أون لاين syriadailynews  

التعليقات