منذ ظهور الأبراج البراقة في الصحراء، اعتادت دبي على التغيير السريع. ليس غريبًا أن تحدث فترات ازدهار وكساد، لكن ما يحدث الآن مختلف، إنه نزيف بطيء.

هكذا استهلت الصحفية زينب فتاح تقريرها في موقع  وكالة «بلومبيرج» وقالت، يمضي بناة المدينة الأيقونية قدمًا. فالرافعات في كل مكان، ولكن لا أحد متأكد من شغل كل هذه المساحات الجديدة للمكاتب والمحلات. وبالفعل، أصبحت مراكز التسوق في دبي أقل ملاءمة للمحلات والمطاعم بشكل ملحوظ عما كانت عليه في السابق. فقد بدأ المغتربون، وهم شريان الحياة للاقتصاد، في حزم أمتعتهم والعودة إلى ديارهم – أو على الأقل التحدث عن ذلك، مع ارتفاع تكاليف المعيشة وممارسة الأعمال التجارية. وكانت الشركات الرئيسية، من شركة طيران الإمارات إلى شركة إعمار العقارية، قد أعلنت عن أرباح مخيبة للآمال في الربع الثالث، وتشهد البورصة أسوأ عام لها منذ عام 2008.

    فقدت 16% منذ بداية 2018.. هل تعكس بورصة دبي واقع ومستقبل اقتصاد الإمارة؟

وأضاف التقرير، كان اضطراب الأعمال التجارية قد ظهر بالفعل في شهر أبريل (نيسان)، عندما عقد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم اجتماعًا مع أكثر من 100 مدير تنفيذي في قصره المطل على الخليج العربي. وأثار الرؤساء قضايا بما في ذلك الرسوم الحكومية الضخمة – التي تعمل على تآكل الميزة النسبية لدبي الخالية من الضرائب – إلى قوانين التأشيرة الصارمة التي تدفع الأجانب للخروج من دبي عندما يفقدون وظائفهم، وأعقب الاجتماع سلسلة من القرارات، لا تزال تشق طريقها خلال النظام.

 

لكن إصلاح ما تعانيه دبي قد يكون خارج نطاق سلطات الحاكم. حول الشيخ محمد وأسلافه قرية صيد الأسماك إلى مركز للتمويل والتجارة والسياحة في المنطقة، ولكن الآن هذه المنطقة تتغير، وربما إلى الأبد.
التجارة والحرب لا يجتمعان معًا!

وتابع التقرير، لقد تسبب الانهيار النفطي منذ عام 2014 في ضرب عدد كبير من الدول الخليجية المجاورة الذي كان يتدفق مواطنوها إلى دبي (السائحون من الصين والهند يملئون الفجوة، لكنهم أكثر إدراكًا بالأسعار). السعوديون، على وجه الخصوص، يشعرون بالضيق، حيث تفرض حكومتهم التقشف المالي وتصادر الثروات الخاصة.

ويجري تقويض دور المدينة باعتبارها مركزًا تجاريًّا من خلال حرب التعريفة الجمركية العالمية – وبالأخص من خلال حملة الولايات المتحدة لوقف التجارة مع إيران المجاورة.

هناك مشكلة أعمق. لقد ازدهرت دبي كنوع من سويسرا في الخليج، مكانًا للقيام بأعمال محصنة من المنافسات العنيفة في الشرق الأوسط، كما يقول جيم كارين، مؤلف كتاب «City of Gold: Dubai and the Dream of Capitalism». والآن أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة، لاعبًا فاعلًا في تلك الصراعات، حيث تقاتل في حروب أهلية من ليبيا إلى اليمن، وتشارك بالمقاطعة التي تقودها السعودية على قطر. يقول كارين: «إنه وضع وجدت دبي نفسها فيه دون أي خطأ من جانبها في الغالب. يمكنك محاربة جيرانك، أو التجارة معهم، لكن من الصعب حقًا القيام بالأمرين».
كيف ضرت السياسة بدبي؟

جرى إصدار أوامر إلى مواطني قطري بمغادرة الإمارات العربية المتحدة، وصُدمت الشركات التي تخدم المنطقة من المقر الرئيسي في دبي. وكان المديرون التنفيذيون الأمريكيون قلقون بشكل خاص حول احتمالية إجبارهم على اختيار أحد الجانبين، كما تقول باربرا ليف، التي كانت سفيرة الولايات المتحدة في الإمارات العربية المتحدة. حتى مارس (آذار).

وتضيف باربرا: «لقد كانت مفاجأة غير سارة عندما اكتشفت الشركات التي مقرها في الإمارات العربية المتحدة أنها لم تعد قادرة على الطيران أو شحن البضائع مباشرة إلى الدوحة». ويستمر هذا النزاع رغم أن الولايات المتحدة تفرض ضغوطًا متجددة من أجل التوصل إلى تسوية.


ولفت التقرير إلى أن هذه ليست النكسة الوحيدة بسبب الانحياز إلى السعوديين. فعندما قام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإلقاء القبض على العشرات من كبار رجال المال والأعمال السعوديين في فندق ريتز كارلتون بحملة قمع زَعم أنها ضد الفساد، طلب البنك المركزي للإمارات العربية المتحدة من المؤسسات المالية في البلاد تقديم معلومات عن حسابات بعض الأشخاص المحتجزين. وعلق كارين، المستثمرين يشعرون بالقلق حقًا، لا ينبغي أن تكون الحكومات قادرة على الوصول إلى الحسابات في البلدان الأخرى بناءً على طلب بسيط.
كيف تواجه دبي عواقب نجاحها؟

بسبب افتقارها لموارد الطاقة الخاصة بها، لم يكن أمام المدينة خيار سوى بناء اقتصاد غير نفطي. وبسبب انهيار عام 2014 اتجهت دول الخليج الأخرى وحذت حذوها. إنهم جميعًا يخططون لعصر ما بعد النفط الخام، ويحاولون محاكاة جارتهم المزدهرة عن طريق تسويق عواصمهم باعتبارها مراكز إقليمية.

وأشار التقرير إلى أن دبي لا تزال بارزة في هذا الدور، لكن تكلفة المعيشة بها تزداد باستمرار. في عام 2013، احتلت المرتبة 90 باعتبارها أغلى مكان للعيش للمغتربين، وفقًا لما ذكرته شركة ميرسر الاستشارية في نيويورك. إنها الآن مقبلة على المرتبة 26 في القائمة.

كانت تكلفة المعيشة هي التي أقنعت دونوفان شرام، تاجر سندات يبلغ من العمر 38 عامًا، بمغادرة دبي بعد ثماني سنوات قضاها في المدينة. لقد قام بالفعل بنقل زوجته وأطفاله إلى بلده الأصلي كيب تاون في عام 2014، بعد أن أُجبر على تخفيض راتبه في وظيفة جديدة، وهو الآن يتبعهم.

يقول شرام: «إن دبي مكلفة للغاية عندما تكون لديك عائلة»، وهناك «ثقافة للدفع مقدمًا في كل شيء من الإيجار إلى المدرسة». يقول إن ثلاثة أصدقاء على الأقل اتخذوا قرارًا مماثلًا.
أزمة وظائف

وأصبحت الوظائف أكثر ندرة بعد أن سرحت شركات خدمات مالية بتجارة التجزئة والطاقة كمًّا هائلًا من العمال في 2015 و2016 مع تراجع الأرباح، كما يقول نونو جوميز، رئيس قسم الشرق الأوسط في شركة ميرسر الاستشارية. فعندما فحص الخبير الاستشاري 500 شركة بعد عامين، وجد أن نصفهم ليس لديهم خطط لتعزيز التوظيف ولا يتوقعون عودة النمو إلى مستويات 2013.

ونقل التقرير عن قول فهد القرقاوي، المدير التنفيذي لمؤسسة دبي لتنمية الاستثمار، إن المدينة شهدت أوقاتًا صعبة من قبل وعادت. «هذه هي دورة السوق التي يجب علينا قبولها»، وأضاف: «الحكومة تفعل ما فعلته في فترات الركود السابقة، تجلس مع رجال الأعمال لإيجاد حلول. الأمر يتعلق بكيفية إبداعك».


وتقول خاتيجاي هاك، رئيس الأبحاث الإقليمية في بنك الإمارات دبي الوطني: «عندما يحدث تحسن، ستصبح شركات دبي أقل حجمًا وأكثر تنافسية». وأضافت «في الوقت نفسه، فإن العديد من مجالات الاقتصاد تسير على ما يرام إلى حد ما».

وترى خاتيجاي التي تعتقد أن الإنفاق الحكومي قد يتعين عليه سد الفجوة، أن المشكلة الكبرى في تجارة الجملة والتجزئة،: «إنها ثلث الاقتصاد، وعنصر جوهري على مدار العامين الماضيين، لذلك تمثل ورطة كبيرة».

لقد وعدت حكومة إمارة أبوظبي المجاورة بحوالي 14 مليار دولار من الحوافز على مدى ثلاث سنوات. الشيخ محمد في دبي، بعد لقائه الرؤساء القلقين، يعمل على مجموعة من الإجراءات التي من شأنها أن تساعد مثل: تجميد الرسوم المدرسية، تخفيف القيود على الملكية الأجنبية للأعمال التجارية، وإلغاء مليارات الدولارات من الرسوم الحكومية. كما يجري تخفيف نظام التأشيرات، لتسهيل الأمر على المغتربين – 80% من السكان – للقدوم، والبقاء لفترة أطول، وإنفاق المزيد من المال.
ما الذي قد ينقذ دبي؟

الشيء الذي لا تقوم به الحكومة هو كبح جماح البناة. هذا خطأ، وفقًا لكريج بلامب، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في شركة جونز لانج لاسال للوساطة.

الأسعار والإيجارات تنخفض في جميع المجالات، إذ إن السعة الجديدة تتجاوز النمو السكاني والإنفاق الاستهلاكي.

فالسلطات مترددة في تثبيت السوق من خلال تقييد التصاريح، لأن مبيعات الأراضي تشكل مصدرًا للدخل. وستتوسع مساحة التجزئة بنسبة 50% في السنوات الثلاث المقبلة، وفقًا لمستشار عقاري في سي بي آر إي غروب.


ويرى بلامب إنه لم تكن هناك حاجة فعلية – ويقول إن بعض شركات البناء المتميزة في دبي المسؤولة عن ذلك. «نحن لا نتحدث عن المطورين من الدرجة الثانية»، مستشهدًا بالشركات التي تديرها الدولة مثل إعمار ونخيل العقارية. «إنهم شركات راسخة ويجب أن يدركوا ذلك بشكل أفضل».

    الحكومة والبنّاء والشركات على حد سواء يبحثون عن حدث واحد يلوح في الأفق قد ينقذهم.

ستستضيف دبي إكسبو في عام 2020. ومن المتوقع أن تعرض مستقبل المدينة في المستقبل، فقد أصبحت غاية في حد ذاتها، وهو سبب لإبقاء الرافعات في العمل. «أكبر منفذ نجاة»، كما تطلق عليها عليه خاتيجاي.

مصدر: A Haven for Money in the Middle East, Dubai Is Losing Its Shine

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات