تناولت بعض وسائل الإعلام العربية مؤخراً خبراً نقلاً عن مصادر استثمارية ومالية لبنانية، مفاده حصول المزيد من عمليات الاستثمار في الخارج لرجال مال وأعمال لبنانيين، وذلك بسبب انعدام فرص الاستثمار في لبنان، وأشارت المصادر إلى أن جزءاً من هذه الاستثمارات بدأ بالتوجّه إلى الداخل السوري، ويتمثّل باستثمارات صناعية وتحديداً في قطاع البناء (أحجار، بلاط، ترابة..)، وذكرت المصادر أن عشرات المصانع الصناعية العائدة للبنانيين بدأت عملية التأسيس وتحديداً في ضواحي العاصمة السورية دمشق، وهي تراهن على بدء مرحلة إعادة الإعمار في سورية بعد انتهاء الحرب.
وشاية ولكن!
لا شك أن مثل هذه الأخبار يحمل في طيّاته أكثر من رسالة ومؤشر، حول المراهنة على الاستثمار في سورية، كما يؤكد أن سورية لا تزال أرضاً خصبة للاستثمار، ومحطة جاذبة لكثير من المستثمرين رغم ما تعانيه من أحداث وظروف أمنية صعبة، لكن في المقلب الآخر يشي هذا الخبر –من وجهة نظر بعض الواشين إن صح التعبير- بحصول المستثمرين العرب والأجانب على مزايا وتسهيلات أكثر من نظرائهم المحليين، وخاصة في المجالات الأكثر دسماً، ويعتبرون أن الهدف من جذب هؤلاء يندرج ضمن سياق الترويج الإعلامي للاستثمار في سورية، وبالتالي إمكانية استقطاب ملاءات مالية مؤهّلة للاضطلاع بإحداث مشاريع ضخمة عسى أن تكون “مرياعاً” للمشاريع المحلية.
توضيح
للتوضيح نبيّن عدم تبنّينا لوجهة النظر هذه، ولكن المهنية تستوجب عرض الرأي والرأي الآخر، وإتاحة المجال للردّ من الجهة المعنية بالاستثمار والمتمثلة بهيئة الاستثمار السورية، وفي هذا السياق تؤكد هالة غزال مدير عام الهيئة أنه في هذه الفترة لم يطرق باب الهيئة أي مستثمر لبناني، دون أن تخفي ترحيبها بهم وبغيرهم من المستثمرين السوريين سواء الموجودون في سورية أم المغتربون، وكذلك بنظرائهم العرب والأجانب، معتبرة أن مثل هذه الأخبار جيّدة وتندرج تحت إطار الترويج الإيجابي للاستثمار في سورية.
وأوضحت غزال في حديثها لـ”البعث” أنه لا يوجد تمييز بين المستثمرين السوريين أو غير السوريين، فالامتيازات والتسهيلات ممنوحة بالتساوي بينهم، كما أن المعاملة، والإجراءات، والثبوتيات اللازمة، والإعفاءات الضريبية، ونسبة الضرائب، والإعفاءات من الاستيراد من الجمارك..الخ هي نفسها للجميع، مؤكدة عدم وجود أية محاباة بالاستثمار لأي أحد، ومعتبرة في الوقت نفسه أن الترويج الداخلي هو أساس للترويج الخارجي، وأن عدم نجاح الهيئة في جذب المستثمر المحلي، يعني قطعاً عدم نجاحها بجذب نظيره الأجنبي.
شرذمة..
وفي إطار الحديث عن الاستثمار وواقعه الراهن وما يواجهه من تحدّيات ليست بالقليلة، لم تخفِ غزال وجود شرذمة للقوانين الناظمة للعملية الاستثمارية في سورية، حيث إن جميع التشريعات المتعلقة بملف الاستثمار ليست محصورة بجهة واحدة، وهذه نقطة ضعف لا يمكن التغاضي عنها، ما دفع الهيئة بالتالي إلى العمل على إنجاز قانون موحّد للاستثمار وقد قطعت شوطاً كبيراً فيه، وأن الهيئة تنتظر الفرصة المناسبة للإعلان عنه لأنها تعتبره مادة ترويجية للاستثمار يجب استغلالها على أكمل وجه، مشيرة إلى أنه سيكون شاملاً لكل القطاعات.
رغم اعتراف غزال بشرذمة وتشتّت القوانين الناظمة للاستثمار، إلا أنها أكدت أن الهيئة والجهات الأخرى المعنية بالاستثمار قطعت شوطاً كبيراً في منح المزايا والتسهيلات، واصفة إيّاها بأنها “سابقة للزمن، وتعامل المستثمر المحلي مثل الأجنبي وهذا أمر لا لُبسَ فيه”.
..وتحدّيات
وتطرّقت غزال إلى أبرز تحديات الاستثمار الذاتية والموضوعية، المتمثلة بعدم تعاون بعض الجهات المعنية بالاستثمار مع الهيئة فيما يخصّ إعطاء التراخيص، إضافة إلى عدم استقرار سعر الصرف وتأثيره في أعمال الإنشاء والتنفيذ، مؤكدة عدم قبول أية مشاريع ريعية وأن التوجّه منصبّ حالياً نحو المشاريع الصناعية ومستلزمات إعادة الإعمار والطاقة البديلة..الخ، حيث بلغ عدد المشاريع المنفذة وقيد التنفيذ منذ بداية 2015 حتى نهاية 23/11 من العام نفسه (20) مشروعاً، منها (16) مشروعاً صناعياً، و(4) زراعية، بتكلفة استثمارية قدرها 2590 مليون ليرة، وعدد عمال يصل إلى 1383 عاملاً، توزعت على محافظات السويداء (12) مشروعاً، طرطوس (3) مشاريع، ريف دمشق (2) مشروع، اللاذقية (2) مشروع، إضافة إلى مشروع واحد في حماة، مبيّنة أن المستثمرين ينتظرون البدء بالحل السلمي وأن هناك قسماً منهم بدؤوا بتشميل مشاريعهم والبدء بتنفيذها في المناطق الآمنة مثل (السويداء– طرطوس- اللاذقية– حمص– حماة- وقريباً حلب)، كما أن هناك مستثمرين سوريين مغتربين في الكويت جاهزين للاستثمار في سورية، ومستثمراً سورياً –أيضاً- في السعودية ينوي نقل مشروعه إلى سورية.
بوادر خير
لاشك أن ما سبق يدفعنا إلى القول: إن هناك من يتقن القراءة الحقيقية للاستثمار، التي ينجم عنها –في أغلب الأحيان- سباق غير معلن لاقتناص الفرص الخام للاستفادة منها لاحقاً وتحقيق إيرادات غير مسبوقة، ومن يقدم على الاستثمار في ظروف كهذه لا شك أن لديه دراسات مسبقة دفعته إلى ذلك، ولاسيما أن (الجُبن) أبرز صفات رأس المال، مع تأكيد أن الاستثمار في أوقات الأزمات ينتج قطاعات وفرصاً استثمارية لم تكن بالحسبان، بمعنى أنه في ظل العقوبات الاقتصادية يتم البحث عن بدائل للمستوردات، عبر الاعتماد على الذات وتفعيل القطاعات الإنتاجية الكفيلة بتوفير هذه البدائل، وهنا على الهيئة المتابعة مع المحافظات والوزارات المعنية لتأمين خريطة استثمارية بفكر وصناعة ورؤى جديدة تُعرض على من يرغب، مع المتابعة والتحديث المستمرّين لها لمعرفة الموارد والإمكانات الموجودة، وتحديد أولويات التنمية والفرص الاستثمارية المدروسة وفق معايير الجدوى الاقتصادية، مع الإشارة إلى أن سورية بلد الفرص المتوسطة والصغيرة والتعويل دائماً عليها، وليس على المستثمر الذي يتجه نحو المشاريع النوعية ذات التكلفة العالية لتحقيق عوائد سريعة (مصارف – عقارات – سياحة..الخ).
سيرياديلي نيوز
2015-11-26 21:27:00