سيريا ديلي نيوز- د.م محمد غسان طيارة

في سبعينات القرن الماضي جرت مفاوضات بين الغرب الأوربي والدول العربية سُمِيت بالحوار بين الشمال والجنوب, وعلى ما يبدو كان هذا الحوار تمهيداً لتعميم مستقبل الشراكة العربية الأوربية, وشاركت منظمات متنوعة مرتبطة بالجامعة العربية ومن بينها منظمة العمل العربية, كما عمدت الدول الأوربية الدعوة إلى عقد ندوات تحت مسميات مختلفة أهمها نقل التكنولوجيا والتعليم التقني أو الثورة الصناعية والتعليم التقني. 1 ـــ في سنة 1975 دعت غرفة التجارة العربية الفرنسية ومقرها باريس, الحكومات العربية للمشاركة في ندوة نقل التكنولوجيا والتعليم الفني والتقني التي ستُعْقد في عمان في مقر غرفة تجارة الأردن. وقد عُقِدت الندوة تحت رعاية الأمير حسن ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية. تابع الوفد السوري الندوة باهتمام وحرص شديدين, كما ترأس رئيس الوفد السوري إحدى جلسات الندوة, وخلال كل الجلسات لم يطْرح أعضاء الوفد أسئلة على المحاضرين الفرنسيين لسبب وحيد لأنهم لاحظوا منذ بداية الندوة وبعد حفل الافتتاح بأن هدف المحاضرين الفرنسيين بيع المشاركين تجهيزاتهم "المتقدمة" من خلال هذه الندوة "العلمية وعنوانها البراق", كما بينه رئيس الغرفة بصراحة وبوقاحة (رئيس الغرفة لبناني الجنسية في الأصل منذ بداية الاستعمار الفرنسي لسورية ولبنان وكنيته حبيب) عندما أكد على وجود بعض التجهيزات في قاعة المعرض المجاورة لقاعة المحاضرات معروضة للبيع للراغبين من المشاركين أو من زوار المعْرض, كما بيَّن بأن دور المشاركين العرب عرض تجاربهم في التدريب المهني والتعليم التقني, وغمز بأن لهذه الكوادر دور في نقل التكنولوجيا. ومن وجهة نظر وفدنا فإن الندوة انتهت قبل أن تبدأ وأن هدفها بيع تجهيزات فرنسية ليست الأحدث. لم يوضح المحاضرون معنى نقل التكنولوجيا وارتباطها بشراء هذه التجهيزات, سوى بأن علينا شراء تجهيزات يعرضها الاوروبي ويعلِّمنا على تشغيلها أم صيانتها وتطوريها فهذا مرتبط برغبات البائع. عبّر الوفد السوري, بكلمته, عن مفهوم نقل التكنولوجيا الفعلي بأن يتمكن المشتري من تطويعها أي التشغيل والصيانة والتطوير, لهذا تعرَّضت الكلمة لحوار الجنوب والشمالي الذي بقي فيه الإصرار على بيع التجهيزات بعد مُضِي عدة سنوات على بدايته وتبقى صيانتها وتطوريها رهناً برغبات البائع من الشمال الأوروبي, فالجنوب الحار ينتظر أن يتعطف عليه الشمال برياحٍ منعشة وهو غير مستعد لتقديم ذلك قبل قبض الثمن منا نحن أبناء الجنوب. طبعاً أحدثت الكلمة صدمة عند المحاضرين الفرنسيين وخاصة لدى السيد حبيب الذي قال بأن الهدوء الذي بدا على الوفد السوري أخفي عاصفة لم يتوقعها منه. هذه هي حالنا نحن العرب نتناطح للتقرُّب من الغرب وننفذ السياسات التي يطلبها منا ونبقى نلهث وراء ما يتفضل علينا به ويبعه لنا من فضلاته. 2ـــ بعد مُضي فترة وجيزة على مؤتمر عمان عُقِد في صوفيا مؤتمر تحت عنوان: "الثورة الصناعية والتعليم التقني والتدريب المهني" وكانت الدعوة موجهة من منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومن الاتحاد العالمي للعمال, وقد شاركت وفود من الاتحادات العمالية في الدول الاشتراكية السابقة ومن نقابات العمال الأوروبية, وحضر ممثل عن الأمين العام للأمم المتحدة. نظمت الحكومة البلغارية للوفود العمالية المشاركة زيارات ميدانية إلى مراكز التدريب المهني والمدراس الصناعية ومراكز التصنيع الحرفي. قدم الوفد السوري بدوره شرْحاً مختصراً عن مهام الاتحاد العام للعمال في سورية وتقسيماته المهنية, وتحدث عن تقسيمات التدريب المهني والمدارس الصناعية وبداية انتشار المعاهد المتوسطة في سورية, وتوجه المُتَحدِّث باسم سورية للمشاركين وخاصة للمنظمات الدولية بتساؤل عن معنى الثورة الصناعية وهناك ملايين البشر تموت جوعاً وعطشاً ومرضاً, وانهى كلمته بأن ما تصرفه الدول العظمى على صناعات الدمار الشامل وتدمير البشر والشجر والحجر وتحت عنوان الثورة الصناعية يفوق التصور, مقارنةً مع المبالغ الضئيلة التي تخصصها تلك الدول للقضاء على الأمراض والفقر وعلى تأمين مياه نظيفة للشرب. نقتل الناس باسم الثورة الصناعية ونبخل في الإنفاق على إنقاذ البشرية وتأمين المياه النظيفة لهم, فأين هي ثورتكم الصناعية؟!. أزعجت الكلمة رئيس الوفد البلغاري فحاول التذكير ببعض المخترعين في المجال الطبي, فقاطعه رئيس الوفد الروسي مؤيداً كلام وفدنا وأنه يجب التوصية للأمم المتحدة بضرورة التنبيه للأخطار التي تحيط بالبشرية, وتأييداً تحدث أيضاً ممثل منظمة التنمية الصناعية وممثل الاتحاد العالمي للعمال. والنتيجة إن العالم "الحر" دمر البشرية وبيئته المعاشية بنِسَب عالية "بثورته" الصناعية ليحقق الرأس المال الغربي والأمريكي والصهيوني المسيطر أرباحه من تعاسة الفقراء وعلى حسابهم. وما حدث تحت عنوان "الربيع العربي" دليل فاضح على سياسة قديمة يخطط لها وينفذها هذا العالم "الحر". ومن المؤسف فهذا الوحش الغربي "العالم الحر" يعتبر القتل في اليمن و في سورية وفي العراق ليس إرهاباً بعد أن يقبض الثمن من عربان الخليج ومساعدة تركيا والأردن. 3 ـــ يتذكر العالم المغلوب على أمره والعالم المقاوم أنه يصادف مطلع شهر آب الذكرى السبعين لإلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما ونكازاكي. فقد أمر الوحش الأميركي المسمى رئيس الولايات المتحدة الأميركية هاري ترومان تجربة قنابله النوية لإحداث دمار شامل في اليابان بسبب استمرار مقاومتها بعد هزيمة ألمانيا النازية. فقد أُلْقيت القنبلة النووية الأميركية الأولى على هيروشيما عند الساعة الثامنة والربع من صباح 5 آب 1945, وأُلْقيت القنبلة الثانية على نكازاكي عند الساعة الحادية عشرة من صباح 9 آب 1945. وإمعاناً في الإجرام فقد أرسلت واشنطن فريقاً من الخبراء المتخصصين في الصحة والصناعات الحربية لدراسة التأثيرات على البشر والحيوان والنبات والهواء والحجر وتحديد القوة الفعلية لكل قنبلة بهدف ترسيم طُرق لزيادة تأثيراتها عند تطويرها, فإلقاء القنبلتين كان تجربة وحشية ليس لها مثيل في التاريخ. لقد دُمِرت المدينتان تدميراً شاملاً وقُتِل ما يفوق 200ألف ياباني دفعة واحدة, وبدقائق اجتاحت موجات من الدمار كل من له روح وكل حجر, واستمر الموت من قوة الإشعاع عدة أيام كما استمرت الحرائق لفترة طويلة. ومن زار متحف تدمير هيروشيما يشاهد آثار الدمار بالصور ومن أجساد البشر المتفحمة وبعض الأجسام التي انسلخ جلدها, محفوظة ضمن خزانات زجاجية. لقد استخدمت واشنطن الجريمة في اليابان لتركيع العالم في معْظم الدول الأوروبية والأسيوية والأفريقية وتسييرها في ركابها تحت الخوف من ارتكاب جرائم بحق القادة غير الخانعة لتثْبيت دورها ك "دولة عظمى" ولكنها مجرمة قادرة على التدمير من دون خوفٍ من أي محاسبة دولية. إن الحرب بحد ذاتها جريمة ضد الإنسانية ولهذا وُصِف هتلر بمجرم حرب, وأعتقد بأن ترومان ومُعْظم الرؤساء الأميركيين في مقدمة مجرمي الحرب, وبإجرامهم يستعبدون عملائهم في دول الخليج والأردن وتركيا. ومن طبائع السياسة الأميركية التذكير بإرهابها بين فتْرة وأخرى كما حدث في يوغسلافيا وما يحدث اليوم في أفغانستان والعراق وفي دول "الربيع العربي". وهل يتجرأ أي "قائد عربي" وصف ترومان بمجرم حرب والمطالبة بمحاكمته ولو تاريخياً كما حاكموا بعض قادة الدول المعادية لهم بمحاكمات صورية. هل قرأنا اعتذاراً ولو شكلياً من الحكومة الأميركية للشعب الياباني على هاتين الجريمتين القذرتين؟, بينما أجبروا ألمانيا على الاعتذار فقط من الصهاينة على الرغم من جرائمها في كل الدول التي احتلتها بحجة "فظاعة" المحرقة التي قد تكون مزعومة, متناسين جرائم النازية في التدمير الرهيب لبعض مدن الاتحاد السوفياتي السابق, وأجبروا ألمانيا الحاضر على الاعتذار وعلى دفع تعويضات مستمرة للصهاينة, وبهذه الأموال يقتل الصهاينة ويذبحون الشعب العربي في فلسطين وفي جميع الأراضي العربية المحتلة. ما يحْدث اليوم في أوطاننا العربية من جرائم ضد البشرية يُنفذه التكفيريون وفق الأساليب الصهيونية التي تؤكد على أن التكفيريون هم صناعة إسرائيلية أميركية للاستمرار في سياستهم الإجرامية تحت شعار ديني صنعوه في مراكز أبحاثهم كما صنعوا في مخابرهم حروبهم النووية والجرثومية. متى سيستيقظ العالم المقهور من تأثير تخديرات الصهيوـــ أميركية؟. إن الرابط بين هذه المواضيع ينحصر يأن نقل التكنولوجيا شعار أجوف للأغبياء تغلبت عليه اليابان سابقاً بعد تدميرها وإيران حاضراً بعد حصارها, واهتمت الثورة الصناعية في بلاد العم سام بتدمير البشرية أكثر من تأمين الحياة الشريفة للفقراء يعاكس ما قامت به إيران الثورة بعد أن رفعت عصا العصيان ضد واشنطن, فتملكت ناصية الثورة الصناعية السلمية للجميع, وتُعْتبر جريمة دمار هيروشيما ونكازاكي هي العنوان الثابت لمشروع السيطرة على العالم. نشأت الولايات المتحدة الأميركية على جماجم الهنود الحمر وجلود العبيد السود وقادتها من شذاذ الآفاق المهاجرين من مجرمي الحروب الأنجلو ـــ سكسونية فلهذا ليس مستغرباً استمرار قتل السود في عهد رئيس أسود ليشهد على قتل أبناء جلدته ويبرأ القتلة وهو حاكم واشنطن!. صحيح انتصرت الثورة الفيتنامية على أمريكا كما انتصرت الثورة الجزائرية على فرنسا بدفع أثمانٍ باهظة وسننتصر نحن ضد الإرهاب التكفيري ولكن بأثمان غالية. انتصرت إيران بالدبلوماسية وإصرار الشعب على الانتصار رغم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها دوائر العالم "الحر" عليها, فكل انتصار له ثمن, وتلاحم الشعب حول ومع الوطن يخفف حجم الثمن فهل نتعظ؟!. .

سيريا ديلي نيوز


التعليقات