سيريا ديلي نيوز- د.م.محمد غسان طيارة

استمعنا يوم 26 تموز إلى كلمة جامعة لرئيس الجمهمورية العربية السورية بحضور قادة المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وغرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة عن تطورات الأزمة في سورية وتناقلتها وسائل الإعلام الوطنية والعربية وقد ألمح في عدة مواقف بأن الإعلام المعادي سيفسر بعض عباراته تفسيرات خاطئة. وكلمة الرئيس موجهة لكل المواطنين السوريين ومع ذلك قرأنا بأن بعض المحللين تطالوا على شرح الكلمات البسيطة والواضحة كما لو أن هناك ألغاز فيها وعلمنا أن رئيس مجلس الوزراء قرر أن تكون الكلمة برنامج ومنهاج عمل للحكومة في المرحلة القادمة وطبعاً امتلئت صحفنا الرسمية بالافتتاحيات التي تشرح للمواطن "المسكين" مضامين الخطاب على نفس المنوال السابق. مما ذكَّرني بما يحدث بعد كل خطاب لرئيس الجمهورية العربية السورية منذ ما يقارب النصف قرن. فبعد كل خطاب ينبري مجلس الشعب ومجلس الوزراء والقيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية وقيادات المنظمات الشعبية لاعتبار الخطاب منهاج وبرنامج عمل وتُشكَّل اللجان من هذه الجهات لبرمجة تنفبذ الخطاب, ولم اسمع أن لجنة اجتمعت يوماً لتنفيذ الهدف الذي من أجله تشكَّلت. ونرى افتتاحيات صحفنا الرسمية تُفسِّر المُفسَّر كما يكتب أعضاء القيادة القطرية ملاحمهم الأدبية في توضيح الواضح كما لو أنهم راسخون في العلم. كنت دائما أتألم من تفسير الماء بعد الجهد بالماء. لم أتحمل هذا الشكل من الإعلام الغير مطلوب حتى طفح بيَّ الكيل عند خطاب القسم الأول للرئيس بشار الأسد, فكتبت أول مقال لي وأرسلته للنشر على صفحات جريدة الثورة بتاريخ 16 آب 2000 ونُشِر على الصحفة 13من العدد 11127 تاريخ 10 أيلول 2000 بعد تمزيق بعض جُمله وحتى تغْيير عنوانه فكان العنوان: "دور الإعلام في حب الوطن" وأصبح "وجهة نظر" في محاولة ليتنصل المسؤول الأول عن الجريدة عن ما جاء فيه. تذكَّرت هذا المقال ووجدت من المفيد نشِر مقتطفات منه توضِّح فكرتي فيما حدث اليوم فكأنني ما زلت في ثمانينات القرن الماضي وفق مايلي: (أَريد معالجة دور الإعلام وحب الوطن من خلال فهمي لخطاب القسم التاريخي والتعليقات غيرالتاريخية عليه. استمعتُ إلى خطاب القسم كمااستمعتْ إليه جماهيرالوطن العربي الكبير وتناقلته وسائل الإعلام العربية والأجنبية بشكل كامل أو أَوردت أجزاء طويلة منه، تحدثنا مع بعضنا كرفاق وكأصدقاء عن هذا الخطاب لساعات طويلة ولعدة أيام وما زلنا نتذاكر في بعض فقراته, والغريب في الأمر أننا خالفنا وسائل الإعلام لدينا في تناول مضامين الخطاب فلم نشعر أننا بحاجة للشروحات التي وردت في بعض إفتتاحيات صحفنا اليومية ولم نعطها الأهمية التي رغب أن يحصل عليها كاتبها, كما لم أشعر بضرورة تشكيل اللجان لوضع خطة لتنفيذ هذا الخطاب، فإذا كان الخطاب واضحاً وضوحَ الشمس, وقد حُددت فيه الواجبات والمهام الملقاةعلى عاتق الفرد والمجتمع والرئيس أوالمدير والمرؤوس, فلماذا الإفتتاحيات واللجان, بينما الأصل أن يسعى كلٌ منا للمشاركة في بناء الوطن وفي مسيرة التطويرأوالتحديث بكل الشفافية والمسؤولية، كما جاء في الخطاب التاريخي,بشكل تلقائي وعفوي, و يكون دور الإعلام في هذا المجال التشجيع ورصد المبادرات الفردية والجماعية بحسناتها والتنبيه إلى سلبياتها. لست نابغة في تفكيري ولكن لم أشعر بحاجة لهذه الإفتتاحيات التي كُتبتْ ولا لهذه التوجيهات التي صدرت عن السادة المسؤولين خلال الإجتماعات التي نظموها. إن ما أحتاج إليه: كيف أُصبح شفافاً في كل أعمالي؟ كيف أستطيع استغلال الزمن بحده الأقصى؟ كيف يصبح التطوير هاجسي الأساسي؟ كيف تصبح المصلحة العامة رائدة في كل أعمالي؟ كيف أرسم لنفسي دوراً مفيداً في المجتمع ؟ وهناك مواضيع كثيرة أحتاج التدرب عليها. أحتاج أن أمارس هذه الأمور بشفافيةٍ صادقة وبعفويةٍ وجدانيةٍ حتى تصبح عادةً متأصلةً في سلوكي اليومي لايأمرني بها رقيب ولا يدفعني إليها الخوف من العقاب، ويبقى حب الوطن هوالحافز والدافع لسُلوُكيات أبناء الوطن. قد يقول البعض إن هذه الأمور من بديهيات الحياة، وقد تكون كذلك, لقد رأيتها صعبة كما إن التصور الواضح للخطاب الإعلامي الجديد صعبٌ جداً, وخاصة بعد أن أصبحنا إتكاليين في حياتنا اليومية وفي مواقفنا نخشى الكلمة الصريحة, وإذا تحدثنا في موضع ما أمام بعض الزوار الغرباء نتساءل هل أخطأنا؟ هل أستخدمنا المفردات الضرورية في بعض المواقع التي إذا لم نذكرها قد تُحسب علينا من قبل القادرين على ترقيتنا. وقد يُنزلون بنا أشد العقوبات إذا لم نردد بعض العبارات التي يحبون الإستماع إليها فهم يكرهون كل كلمة نقدٍ مهما كانت صحيحة. إنني أجد صعوبة كبيرة في ممارسة هذه البديهيات , إذا كنا صادقين مع أنفسنا فمعظمنا سيجد صعوبات كبيرة في التدرب على ممارسة هذه الأمور السهلة. ويقع على الإعلام القيام بدورٍ أساسي للمساعدة في تدريبنا على القيام بهذه الممارسات وفي خلق المبادرات لدى أبناء الوطن لأن الإعلام المسؤول هو حب الوطن من مبدأ صديقك أوحبيبك من صَدَقَكَ وليس من صَدّقَكَ. تعالوا لننادي أصحاب العقول المهاجرة ليعودوا إلى ربوع الوطن ففيه المجال أوسع للنقاش المسؤول النابع من الحب الكبير للوطن, ومن أراد أن يعود إلى وطنه لا يضع عليه شروطه. فإذا كنت تريد أن تساهم في البناء فالوطن بحاجة إليك, وإذا كنت تريد أن تتفضل بحضورك علينا فالوطن لا ولن يحتاج إليك, إذا كنت تشعر بالحاجة إلى الوطن فالوطن بحاجة إلى جميع أبنائه. فلا توجد شُروطٌ للمساهمة في بناء الوطن. يا أصحاب العقول المهاجرة عودوا إلى الوطن ففيه المجال الأوسع للنقاش والحب بشرط أن تتحلوا بالتواضع, فالعَالِم هو المتواضع ولن تجد صاحبَ عِلم غير متواضع). نعم منذ 15 عام تمنيت على الإعلام أن يكون دوره هو حب الوطن وتمنيت من المعترضين وقبل هذه الأزمة أن يعودوا إلى الوطن للمشاركة في بنائه. واليوم إذا كنا نريد أن نناقش هؤلاء المعترضين لا نشرح مضامين خطاب رئيس الجمهورية وإنما نطالبهم بالتفكير بما جاء فيه ويخصهم فلا يكفي أن تقول أنك ضد داعش وإنما يجب تقف في وجه تركيا وحربها ضد سورية, وإذا سُجِنت سابقاً لأفكارك فليس من حقق أن تقف مع أعداء الوطن لمكاسب ذاتية وهناك قِوى تريد تدمير الوطن, ومن حقق بعد ذلك أن تقول بصوتٍ عالٍِ بأنك مظلوم ومن الضروري إعادة الاعتبار لكيانك وكرامتك حتى لتًصنَّف في خانة المشاركين بتدمير الوطن. صدر الوطن واسع وستجد كُُُثُر متضامنين معك لحمايتك من أي ضرر جديد. لست مع سجن أصحاب الرأي الآخر ولكن الوطنية لا تتجزأ. إذا والدتك أخطأت في حققك وهجرتك فهل تهجرها وتحمل الخنجر لطنعها في البطن الذي حملك وهذه هي حال الوطن. وأقول للإعلام والمتشدقين من المسؤولين في شرح خطابات الرئيس لم نطلب منكم فلسفات الشرح لكلام واضح وضوح الشمس, ومن يريد أن يعمل فيعطينا سكوته ويعمل تحت راية حب الوطن.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات