سيريا ديلي نيوز-د.نهلة عيسى

أربع سنوات ونحن في معسكر مغلق داخل أربعة أضلاع في أربعة أضلاع, هي حدود الوطن التي تقلصت وتماهت مع حدود شاشة التلفاز, نتابع بلهفة ووجع صور اللاعبين اللاهثين خلف خراب وتمزيق خارطة الوطن, لنعيد صياغة يومنا على مواقيت نشرات جرائمهم وصواريخهم وهاونهم, وتصريحاتهم المهللة فرحآ, لأن غرائب البين غزت سمائنا, ولأن ما كان حلمآ بعيد المنال لبني صهيون, أصبح (بفضل خياناتهم) نزهة عصر تعبر فيها طائراتهم حدودنا خلسة لتغتال حتى لعب الأطفال في بيوتنا !
أربع سنوات تحولت فيها حياتنا إلى مونديال نراهن فيه على موتنا, ونحتدم وننفعل ونُشيع, و نختصم ونحب, ونعلن إتحادآ أو إنفصالآ مع الآخرين, على ضوء مجريات ونتائج حربهم علينا.
أربع سنوات أصبح فيها الوطن صور وقصاصات وبقايا ذاكرة تآكلتها الخيبات, وصدى بعيد لصوت يشبه أصوات أمهاتنا يترنمن فوق مهودنا, ويمنحنَ الحَمَامَ الأمان, بأن كل ما يعدن لنا به, هو ضحك علينا لكي ننام !
صدقنا أمهاتنا ونمنا, وصَدق أيضآ الحمام, لأن أمهاتنا لم تكذبن, فهن لم يعرفن أن أفاعٍ تحت أسرة نومنا, وأن من خلف الضباب, بنادق مصوبة على رؤوس الحمام !
لم يكذبن, لكنهن غررن - دون قصد- بنا, عندما نسين أن يخبرنن, أن آخرة العنب ليست دائمآ زبيباً أو نبيذاً, وأن الخل نهاية معظم العناقيد, وأن القادم من صحونا سنكون فيه الساحة والوجه والمحيا والصورة للعبة كر وفر كونية, نصبح فيها في عمق سلع يعلن عنها أو خدمات موت يروج لها على أنها ثورة, نخسر فيها مهد الطفولة وأحضان وأكاذيب وعود الأمهات, ووهم أننا عندما نصحو سنأكل الحمام !
وهكذا, فالفواصل بين نومنا صغارآ, وموتنا كهولآ, تم محوها وطمسها , لتتحول شاشة التلفاز ومواقع التواصل الإجتماعي وأفلام يوتيوب وتغريدات توتير, إلى سوق كبيرة لبيعنا كمواد تسلية وترفيه, ومنتجات قابلة للاستهلاك غير الآدمي, تدعم مفهومآ جديدآ يصبح فيه الوطن طاولة قمار, الفوز فيه لمن هو قادر على الرهان, حتى على حضن أمه, وعلى تحمل الخسارة تلو الخسارة من مال أبيه, وعلى الإستمرار باللعب والمراهنة على كل الأشياء لأجل اللاشيء, سوى أن المتفرجين سعداء !
وأن فعل المراهنة بحد ذاته قد أصبح غاية, وتم تكريسه في ذهن الضباع والرعاع منا, على أنه حدث رمزي لتحقيق الذات بغض النظر عما هو وطن, وأنه السبيل الوحيد إلى الأفضل والأجمل كما تقول الصور !
ولكن أية صور, صور الشاشات تغذي القتل ليُقلد ويُحتذى, أم صور الشهداء وقد غطت جدران بيوت, تجلس فيها أمهات وفي حضونهن رؤوس الأبناء كرات لعبت بها الوحوش مباراة ثأرية مع إبليس, وخسر فيها إبليس ؟
أية صور؟ وكل صورنا وحكاياتنا وحواديتنا وكوابيسنا باتت لغوا وتكرارآ وإستطرادآ و أشكالآ مشروطة لموت فات وموت آت, ولسخرية مرة من أن ما زال فينا صبر على الأمل بأن الغد نصر, وأن الرب حسب .
أية صور؟ والغريب وغير المألوف وفوضى الحرب والطفولة المبتسرة والإكراه على التشابه
تفاصيل يومنا, وقيود تشدنا إلى تحويل القلب إلى خزائن غضب, وقبور حسرة, ومشانق نعلق عليها صوت فيروز وأغاني الأمهات, إنتقامآ لوعود لم يفين بها, عندما صحونا ذات يوم لنجد شعرنا الأشقر مقصوص, ومن يبغضنا يحاكمنا على نوم عيوننا, وسمائنا بلا حمام, وطائرات الصفيق والرقيع والكاوبوي وأحفاد يهوذا تحوم فوق رؤوسنا, وأمهاتنا قد غادرننا دون إذن ولا عودة, حاملات في جعبهن وهمَ, أن فجر صحونا حمائم ؟!

سيريا ديلي نيوز


التعليقات