الانجازات التي حققتها الدولة الوطنية السورية سياسيا وميدانيا تكشف حقيقة التبدل النوعي في توازن القوى وهشاشة الحلف الاستعماري الغربي الخليجي التركي الذي يدير الحرب العالمية لتدمير القوة السورية. أولا: إن انتصار الدولة الوطنية على العصابات المسلحة والإرهابية هو الإطار العام الذي يحكم وقائع الميدان ، ومعركة بابا عمرو التي وصفتها المعارضات المشتتة المتناحرة ونصيرها السيد وليد جنبلاط بأنها ستالينغراد، هي مجرد حلقة في سياق من الأحداث التي ستشهدها الأرض السورية خلال الأسابيع القادمة ، بانتقال حركة الدولة الوطنية لإعادة الاستقرار من إسقاط المعاقل المسلحة وتحريرها إلى مطاردة الفلول الهاربة والمهزومة ومعالجتها أمنيا وهذا أمر تمتلك القوات المسلحة السورية والمؤسسة الأمنية قدرة عالية في التعامل معه. المدى الزمني للانجاز الأمني الذي يسمح بإعادة الاستقرار بصورة تامة قد يحتاج تقديره إلى معلومات وافية يعرفها القادة العسكريون وحدهم ، ولكن حجم السلاح والمال الذي وظف في محاولة تدمير سورية يدفع إلى الاستنتاج أن الأمور تقتضي وقتا حقيقيا في ظل التوجيهات الصارمة التي يعطيها الرئيس بشار الأسد للقيادات العسكرية والأمنية حول ضرورة الالتزام الشديد بعدم إيقاع الخسائر في صفوف المدنيين الأبرياء عبر عمليات جراحية مدروسة في المعالجة العسكرية والأمنية على الأرض. هذا الحرص هو الذي أخر الانجاز في بابا عمرو وهو الذي تجسد في عمليات قضم وهضم لمناطق سيطرة المسلحين ما تزال مستمرة في العديد من المحافظات السورية. ثانيا: انجاز الدستور الجديد ونجاح الاستفتاء الشعبي العام الذي أظهر التفاف غالبية شعبية حاسمة حول الدولة الوطنية ورئيسها وجيشها وحول المشروع الإصلاحي الذي اجتاز محطة فاصلة في تاريخ سورية الحديث، يعطي زخما كبيرا للدولة الوطنية السورية ويتيح لها التقدم على الخطين اللذين أعلن الرئيس الأسد تصميمه على السير بهما إلى النهاية ، أي فرض الاستقرار وتصفية بؤر الإرهاب والتمرد في البلاد ، ومتابعة تجديد الدولة الوطنية وبناها ومؤسساتها وهي عملية سوف تنطلق بقوة بعد الانتخابات التشريعية المقبلة وحيث ستشهد الفترة الممتدة إلى ذلك الحين ، محطات مهمة في تطور الحركة السياسية السورية سواء من خلال ترخيص المزيد من الأحزاب الجديدة و من وسائل الإعلام ، أو عبر المؤتمر القطري لحزب البعث الذي سيؤهله فكريا وثقافيا وتنظيميا لدخول حلبة المنافسة السياسية في المرحلة الجديدة وعبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. سورية تتحضر على هذا النحو لخوض معركتها ضد الحلف الاستعماري بقوة شعبها و بمؤسساتها الوطنية المتجددة ، ولا سيما بالمؤسسة العسكرية والأمنية التي يعترف الأميركيون والإسرائيليون بقوتها وتماسكها ، ويعرفون جيدا أيضا حجم الكلفة التي يرتبها اختبار قوة سورية بعدما ظهر في نتائج الاستفتاء وفي حصيلة المعارك الميدانية من فشل وتخبط المخطط الاستعماري. ثالثا: تستمر صيحات التهديد الأميركية والغربية والخليجية ضد سورية ، وبعضها يدعو إلى الشفقة مثل كلام حمد بن جاسم عن وضعه لكل الخيارات على الطاولة في الملف السوري وكأن بيد دويلة العديدية والجزيرة ما لم تقم به بعد في تورطها المكشوف بتنفيذ الخطة الإسرائيلية لتدمير القوة السورية ، في حين يجتر آلان جوبيه وزير خارجية شيراك الساركوزي كلامه الأجوف عن الممرات الإنسانية بينما داود أوغلو يحلم كسيده المعتل في مشفاه المنزلي بإمكانية خوض مغامرة ضد سورية ثم ينتبه فجأة إلى صعوبة ذلك وعجز حكومة الوهم العثماني عن خوض المغامرة. الجلبة الدولية والإقليمية والتهديدات والجلسات وخطب باراك أوباما التي تدور حول الوضع السوري لا تستطيع أن تخفي حقيقة الهزيمة النكراء التي تلوح في الأفق لجميع أطراف الحلف الاستعماري وعملائه في المنطقة تتقدمهم المملكة السعودية المنشغلة أكثر فأكثر باضطراباتها الداخلية والآتي أعظم. الحد الأقصى لقدرات الحلف المعادي هو إهدار مزيد من السلاح على العصابات المتناحرة و محافل العملاء المتذابحين على المغانم و لكن المعضلة التي ستواجه العواصم المتآمرة على سورية ستكون هي العجز عن إدخال المال أو السلاح إلى سورية و يقينا ليس بعيدا الوقت الذي تتحول فيه مرسلاتهم و طرودهم إلى غنائم تكسبها الدولة الوطنية . رابعا: التحديات التي تواجه الدولة الوطنية السورية في المرحلة الجديدة تتطلب تركيزا شديدا على سبل مداواة واحتواء جراح المحنة وتقديم النموذج الحضاري القادر على ترجمة الوحدة الوطنية التي أظهر الشعب السوري تمسكه بها ، منذ اندلاع الأحداث ، والقيام بكل ما يلزم إعلاميا وخدماتيا في المناطق المحررة من سيطرة التأهل لإعلان الانتصار الناجز. التحديات السياسية والتشريعية التي يطرحها انطلاق العمل بالدستور الجديد لا تقل أهمية ولكن سيبقى الموضوع الأبرز هو تطوير أدوات المقاومة الشعبية والوطنية على مستوى الدولة والمجتمع في الموضوع الاقتصادي بالذات. الرهان الغربي بعد اندحار العصابات المسلحة سيبقى مركزا على الموضوع الاقتصادي والمالي وهذا يتطلب من السوريين مقاومة شاملة عنوانها الاعتماد على القدرات الذاتية والوطنية وعلى الشراكات الجديدة والمتقدمة في العالم وفي المنطقة مع محور مناهضة الهيمنة الأميركية بجميع مكوناته وداخل منظومة المقاومة. سورية الغنية بثرواتها وبإمكاناتها، سورية القوية بتحالفاتها وبشراكاتها مع روسيا والصين وأميركا اللاتينية ومجموعة البريكس ومع إيران والعراق، قادرة على اجتياز العوائق التي تفرضها الدول الاستعمارية في وجه نموها من خلال خيارات جذرية وجديدة تعالج المشاكل والأعراض التي كانت في خلفية الأزمة الأخيرة وبصورة تحقق قفزة كبرى إلى الأمام في البناء الاقتصادي وفي التضامن الاجتماعي بالمضمون الذي عبر عنه الدستور الجديد وأكده الرئيس الأسد قبل سن الدستور في تناوله لهذا الموضوع. خامسا: إن الفرز السياسي والفكري الذي أحدثته مقاومة سورية للحرب الاستعمارية على الصعيد العربي يحمل سورية قيادة وشعبا مسؤولية قومية كبرى فقد ظهرت خلال الأشهر الماضية حقيقة الكثير من الأحزاب والقوى والحركات والكتل في جميع البلاد العربية و برزت إلى الواجهة قوى و تيارات عربية وطنية و ثورية انحازت إلى جانب سورية و دورها التحرري القومي . إن عيون جميع المناضلين العرب من أجل التحرر والتقدم الاجتماعي ومن أجل تثبيت خيار المقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين سوف تتابع كل خطوة تتقدم فيها سورية في تجربتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأن سورية الملهمة في خيار المقاومة والاستقلال مؤهلة لأن تكون ملهمة في طريق التغيير والإصلاح والتقدم الاجتماعي والحضاري. سوف يكتب التاريخ في الزمن الآتي أن قائدا عربيا مقاوما تحدى حلفا عالميا شرسا وتصدى لغدر عملاء الغرب داخل الأسرة العربية وبكل إباء معتمدا على قوة شعبه تمكن من إذلال المستعمرين وأذنابهم البائسة وشق طريقا جديدا في التاريخ لقضية التحرر والتقدم في البلاد العربية. غالب قنديل  

التعليقات