في خطوة تحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية عميقة، شهدت العاصمة الروسية موسكو زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، على رأس وفد رفيع ضم كل من وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة، والسكرتير العام للرئاسة ماهر الشرع، للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بهدف إعادة تعريف العلاقة ضمن أسس جديدة.
وناقش الجانبان، وفقاً للمصادر، العديد من الملفات الهامة التي تخص العلاقات الثنائية، بما في ذلك التعاون العسكري والأمني، ومساهمة روسيا في إعادة إعمار البنية التحتية السورية، لم تقتصر زيارة الشرع إلى موسكو على العلاقات الثنائية، بل حملت رسالة واضحة عن استقلالية القرار السوري، والسعي لإقامة علاقات متوازنة مع كافة الأطراف، بما فيها روسيا، دون المساس بأي طرف آخر.
أكد الرئيس السوري أحمد الشرع خلال اللقاء، على العلاقات والروابط التاريخية بين سوريا وروسيا، وشدد الشرع على احترام سوريا لجميع الاتفاقيات بين البلدين، مشيرا إلى أن الأهم هو الاستقرار في البلاد والمنطقة. ومن جهته طمأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرئيس السوري إلى أن موسكو ستدعم الحكومة السورية لرفع العقوبات الغربية، كما أشار إلى أن روسيا ستدعم الحكومة في بسط سلطتها على كافة الأراضي السورية والحفاظ على وحدتها، وشدد على مساهمته الشركات الروسية في إعادة إعمار البنى التحتية في سوريا.
وتأتي هذه الزيارة تتويجاً لسلسلة من اللقاءات والاجتماعات المكثفة بين البلدين، حيث شهد شهر فبراير الماضي اتصالاً هاتفياً جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس السوري أحمد الشرع، مثّله نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من الحوار البناء. تلاها زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو في يوليو، ثم زيارة لوفد روسي رفيع إلى دمشق برئاسة نائب رئيس الوزراء تم فيها مناقشة ملفات اقتصادية وأمنية وعسكرية شاملة. كما شهد مطلع الشهر الجاري زيارة وفد عسكري سوري رفيع إلى موسكو هدفت الى تطوير آليات التنسيق العسكري والأمني بين وزارتي الدفاع في البلدين.
وتم خلال اللقاء، الاتفاق على تجديد احتفاظ روسيا بالقاعدتين الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس على الساحل السوري، حيث سيكون لهما دور في "توزيع المساعدات الروسية إلى الدول الإفريقية"، كما سيتم توقيع عقود لتسليح الجيش السوري مع تركيز خاص على تعزيز قدراته في مجال الدفاع الجوي. بالإضافة إلى طرح فكرة إعادة نشر الشرطة العسكرية الروسية في الجنوب السوري، بهدف منع أي خروق جديدة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وبحسب الخبير في العلاقات السورية - الإسرائيلية، أحمد القاسم، فإن فكرة نشر الشرطة الروسية في الجنوب السوري ليست جديدة، إذ طُرحت خلال الأشهر الماضية، في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، أكثر من مرة، خصوصاً مع تصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية وتوغلاتها المتكررة التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق.
وأكد الخبير، إلى أن الضامن الروسي يشكل بديلاً يخلق نوعاً من استراتيجية التوازن التي تحاول دمشق اعتمادها، خاصة مع بروز التنافس الجديد بين إسرائيل وتركيا على النفوذ في المنطقة، وتذرّع الإسرائيليين بتنامي الدور التركي على جبهتهم الشمالية، وإضافة أحمد القاسم، أن روسيا لعبت سابقاً دور الضامن في منطقة الجنوب، في ظل التنافس الإيراني – الإسرائيلي، ولا سيما في عامي 2017 و2018 بعد اتفاقيات خفض التصعيد في حقبة النظام المخلوع.
ويرى أحمد، أن إعادة إحياء هذه الفكرة قد تكون خطوة جيدة تحقق توازناً استراتيجياً يعزز قدرة دمشق على نسج علاقاتها الإقليمية، وكبح الاعتداءات الإسرائيلية التي تتذرع بتنامي النفوذ التركي.
وفي هذا السياق يُجمع المحللون على أن زيارة الوفد السوري إلى موسكو تأتي في إطار السعي للحصول على دعم من روسيا كخيار استراتيجي وذلك لعدة أسباب جوهرية، أبرزها مواجهة التهديدات الإسرائيلية، ولاسيما في ظل العجز الغربي والأمريكي في التعامل مع تل أبيب بالشكل المطلوب. بالإضافة إلى قدرة موسكو المميزة في إدارة الملف السوري، نظراً لعلاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف ذات التأثير على الأرض، مما يمكنها من لعب دور فاعل في تعزيز الاستقرار في البلاد.
كما نوّه الخبراء على أن القيادة السورية الحالية تُدرك أن التعاون مع موسكو بات ركيزة أساسية لا يمكن تجاوزها في ظل الأوضاع الراهنة، التي تتسم بتشابك الأزمات المحلية وتعقيدات المحيط الإقليمي. وهذا التعاون يحتم على قيادة دمشق تبني منهج دقيق يوائم بين استثمار دعم هذا الحليف المحوري، وبين الحفاظ على هوامش المناورة التي تضمن عدم التضحية بمصالح الشعب السوري.
وفي السياق ذاته قال السفير، حمدي صالح، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق في حوار مع قناة العربية أنه على الرغم من الحديث عن وجود ملفات معينة كالملف الاقتصادي وغيره فإن القضايا الجوهرية لا تكمن في تلك الملفات. إنما القضايا الأساسية الحقيقية تتمثل في الوضع الداخلي في سوريا وكيف يمكن لزيارة الرئيس الشرع إلى موسكو أن تساهم في تهدئة الأوضاع في الداخل السوري خاصة في ظل أزمة السويداء، ووجود الطوائف المختلفة كالدروز والأكراد والعلويين ومقدرة الروس على مساعدة الحكومة السورية لإحتواء الجميع.
على الجانب الأخر قال صالح أن الاعتداءات الإسرائيلية تثير قلق الجميع ويمكن للحكومة السورية أن تتعاون مع موسكو للعمل على تحييدها أو منعها. الموقف في مجلس الأمن وإمكانية صدور قرار بإلغاء العقوبات المفروضة على الرئيس السوري شخصياً، ووزير الدفاع، وغيرها من العقوبات المختلفة. هذه هي القضايا المحورية حقاً. أما الملفات الأخرى فهي ذات طبيعة تقنية كان من الممكن تكليف الوزراء بدراستها. لكن زيارة الرئيس شخصياً تعني أن المحادثات تبحث عن الإطار الاستراتيجي الأوسع والأهم.
صحافي و كاتب سياسي_ د. مناف سعد
2025-10-17 08:46:16