في ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، بات واضحًا أن معادلة الأمن السوري لم تعد تحتمل الرهانات على الوساطات الدولية المنحازة، بل تتطلب بناء توازن قوى حقيقي يرتكز على تحالفات استراتيجية، وفي مقدمتها العلاقة المتنامية بين دمشق وموسكو.

تحالف جديد... يقوم على المصالح لا التبعية

فمنذ زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو في يوليو الماضي، لمس المراقبون تحولًا واضحًا في طبيعة العلاقات السورية – الروسية. حيث لم تعد العلاقة قائمة على معادلة "الحماية مقابل الولاء"، بل على أسس براغماتية تحكمها المصالح المتبادلة. فالحكومة السورية الانتقالية ترى في روسيا شريكًا دوليًا قادرًا على لعب دور محوري في إعادة بناء الدولة السورية، على المستويات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية.

أحمد زيدان: روسيا شريك استراتيجي لا غنى عنه

وفي تصريح خاص لقناة "العربية"، أكد أحمد زيدان، مستشار الرئيس السوري أحمد الشرع، أن "روسيا لم تكن مجرد داعم سياسي، بل أصبحت عنصرًا أساسيًا في مشروع بناء الدولة الجديدة".

وقال زيدان: "نعتمد على روسيا في ملفين أساسيين: بناء الجيش السوري الوطني من الصفر، حيث تستطيع موسكو توفير التدريب والخبرات والمعدات العسكرية، كون عقيدة الجيش السوري مبنية على ذلك، إضافة إلى دورها البناء كعضو دائم في مجلس الأمن للدفاع عن سيادة سوريا ضد محاولات فرض وصايات دولية أو قرارات تشرعن التدخلات الخارجية".

وأضاف: "روسيا تمثل رادعًا حقيقيًا لأي مخططات عدوانية مستقبلية من جانب إسرائيل، خاصة مع اتساع رقعة الخروقات جنوب سوريا. وجود شريك بحجم روسيا في معادلة الردع الإقليمي يعيد التوازن إلى ساحة فقدت الكثير من الاستقرار".

ردع الاعتداءات الإسرائيلية... بالأفعال لا الأقوال

تصريح زيدان يأتي في وقت شهدت فيه سوريا واحدة من أخطر الانتهاكات الإسرائيلية مؤخرًا، حين توغلت قوات الاحتلال في منطقة بيت جن بريف دمشق بتاريخ 25 أغسطس، مطلقة النار على مدنيين خرجوا في احتجاج سلمي ضد التوغل، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى.

ورغم الوساطات الأمريكية الجارية، والتي أشار المبعوث الأمريكي توم برّاك إلى أنها "بنّاءة ولكن لم تثمر بعد عن اتفاق نهائي"، فإن دمشق لم تعد تراهن على حياد واشنطن، خاصة وأن الأخيرة لا تزال الداعم الأول لإسرائيل سياسيًا وعسكريًا.

روسيا في مجلس الأمن... صوت سوري في مواجهة الانحياز

وبحسب محللين سياسيين، فإن الدعم الروسي في مجلس الأمن بات حاسمًا في منع صدور قرارات دولية قد تعرقل عملية الانتقال السياسي، أو تعطي غطاء قانونيًا لتدخلات إسرائيلية أو غربية. فبفضل الفيتو الروسي، تستطيع سوريا التصدي لمحاولات تمرير مشاريع قرارات قد تتعلق بإعادة هندسة النظام الأمني في الجنوب السوري وفق مصالح إسرائيل.

تعاون استراتيجي طويل الأمد

في السياق ذاته، تشير تقارير إعلامية إلى أن محادثات موسعة جرت في موسكو الشهر الماضي تناولت مشاريع لإعادة تأهيل منشآت عسكرية سورية بمساعدة روسية، إضافة إلى خطط لبناء مراكز تدريب مشتركة من المتوقع أن تبدأ عملها مطلع العام المقبل، لتأهيل كوادر الجيش الجديد وفق عقيدة وطنية موحدة.

كما ناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون في ملف الأمن السيبراني، وتطوير أنظمة الدفاع الجوي بالتوازي مع تحديث البنية الاستخباراتية السورية.

ختامًا: شراكة لا مواجهة

بينما يستمر المشهد السوري في التشكل على أنقاض صراعات طويلة وانقسامات حادة، تبدو الشراكة مع روسيا خيارًا عقلانيًا واستراتيجيًا في هذه المرحلة الحرجة، ليس فقط كقوة دعم في مواجهة إسرائيل، بل كرافعة لبناء جيش وطني، واستعادة القرار السيادي، وتحصين البلاد ضد أي محاولات لفرض واقع مفروض من الخارج.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات