بدا مضمار السباق المقتطع من مدينة المعارض القديمة في العاصمة دمشق خلال الأيام الثلاثة الماضية كمسرح أُقحم عنوةً وتطفل بشكل مقرف وقادم من عالم غريب عن عالمنا، وكأنه حديقة معلقة بحبال مثبتة بالنجوم أنزلت من السماء إلى العالم السفلي، هذا العالم الذي يسوده الفقر والبؤس والعوز والمعاناة!

فضمن مدينة تسودها كل أشكال المعاناة،  ، ويكاد يُسمع نبض الفقر في كل حارة من حاراتها، تبرق أضواء السباقات الاستعراضية لسيارات الرالي وكأنها بقعة بيضاء في لوحة شديدة السواد، وتصدح أصوات السيارات في حلباتها كأنها تنبض بالحياة في مكان تحاصره هموم الناس المتعبة والمرهقة، التي تقاتل وتصارع في سبيل البقاء على قيد الحياة!
فالسيارات الفارهة المشاركة بالسباقات والاستعراضات تعكس أنماطاً للحياة تفتقر إليها قلوب المهمشين وعقولهم وحدود إمكانياتهم!
تناقض فج بين أهازيج الفرح والتشجيع لقلة قليلة تُدهش وتحتفل بجنون السرعة، وتتحمس بشكل غريب على مشاهدات لا تمت للحماس الحقيقي بصلة، تشبه في ذلك حماس الجماهير المُغيبة أيام الإمبراطورية الرومانية لمشاهدات قتل العبيد وانتشار دمائهم، ولكن بشكل معاصر!
فالبديل هنا حماس ونشوة على تعطيب السيارات وتكسيرها، وأصوات «تشفيط» عجلاتها والدخان الكثيف الذي يغطي ساحة العرض!
ومن المؤكد أن المشاركين بالسباق والعرض لا يعنيهم ما تعرضت له سياراتهم من عطب وتكسير وتشويه، فهؤلاء بكل سهولة قادرون على إعادة صيانتها وتحمل تكاليف ذلك، إن لم يستبدلوها، ولمَ لا؟ فالنخبة الثرية باتت لا تعرف أين تهدر أموالها!
تلك السيارات التي تألّقت على حلبة السباق، ليست الشيء الذي يكافح من أجله الناس في مكان يشبه مكاننا وزمان يشبه زماننا، إنما هي رمز للرفاهية والترف والبذخ الذي يذكّر أصحاب الدخل المحدود بفقرهم وعوزهم ومحدودية إمكانياتهم مع كل دورة لعجلاتها التي تقترب من الاشتعال!
فعلى الجهة المقابلة خارج هذا المسرح وبالقرب منه تتوزع الناس بين غاضب ومقهور ومشرد ومفقر، هؤلاء الذين يعيشون واقعاً يفتقر إلى ضروريات الحياة الأساسية، يناضلون ويلهثون خلف لقمة عيشهم، لا يوجد بينهم من يملك ترف الوقت ولا ترف «تكاليف الدخولية» ليشاهد ويحضر مثل هذه النشاطات الباذخة التي تغترب عن عالمهم بشكل لا مثيل له، فالدخول لمشاهدة السباق والعرض يتطلب مبلغاً مالياً كبيراً لا يتناسب مع مستويات دخولهم، ولا مع أولوياتهم المعيشية الصعبة بالنسبة إليهم!
أخيراً هل تعلم عزيزي القارئ أن مدينة المعارض القديمة في العاصمة دمشق أصبحت على أيدي المحافظة، وبذريعة الاستثمار والبحث عن الإيرادات، مكاناً محتكراً لممارسة الأنشطة والفعاليات المخصصة لذوي المال والثروة، كي يمارسوا طقوس ترفهم وبذخهم، وكل مرة بمسمى ونشاط مختلف؟!
وهل تعلم أن رسم الدخول بفئة الـ في أي بي  لمشاهدة السباق المحموم والاستعراضات البهلوانية فيه هي 300 ألف ليرة؟!

سيريا ديلي نيوز


التعليقات