فاجعة جديدة تهز السوريين الساعين رغم كل الأزمات العاصفة إلى التأقلم والعيش بأمان، لكن للأسف “النكد” الحكومي والقدر القاسي عبر الموت المفاجئ لهم بالمرصاد، وهذه المرة ليس جلطة أو قهراً من الواقع المعيشي المتأزم، وإنما بسبب الأدوية المهربة والمزورة، التي حتماً لم تهبط من السماء أو ركبت جوانح للوصول إلى الأسواق المحلية، وإنما بفعل فاعل يمتلك أيدي واصلة قادرة على إدخال أي منتج طالما هناك معلوم يدفع، إذ لا يخفى على أحد أن شبكة المهربين تحقق ثروات طائلة من التهريب على حساب صحة المواطن وجيوبه ومال الخزينة، التي يتفنن الفاسدون في سرقته على “عينك يا حكومة”.

ضحية تمرير الأدوية المهربة شابان بعمر الورود، يشكل فقدهما خسارة لأهلهم والبلاد المحتاجة لأبنائها الشباب لإعادة إعمارها، بالتالي القطبة المخفية يفترض معرفتها وعدم الركون إلى ضياع الحقيقة بوفاتهما، إذ يتوجب فتح تحقيق مطول لمعرفة المتورطين ومحاسبتهم أمام الرأي العام حماية لمن تبقى من شبابنا ومنعاً لوقوعهم ضحية شبكة المهربين والمتعاملين معها والحد من تكرار هذه الأخطاء القاتلة.

قضية وفاة الشابين الشقيقين تعد الأخطر والأكثر مرارة من جميع الحوادث المتعلقة بقضايا التهريب، لكن السؤال المشروع هل هذه المرة هي الأولى التي تسببت الأدوية المهربة أو حتى الأغذية مجهولة المصدر في مثل هذه الفجائع، فخلال سنوات الحرب القاسية دخلت وتدخل أشكال وألوان من السلع المهربة من دون مراقبة أو فحص للتأكد من مطابقتها للمواصفات السورية وصلاحيتها للاستهلاك البشري، ما يجعلها تحمل صفة الخطر بالمطلق، لكنها للأسف تلقى رغم ذلك رواجاً وقبولاً بسبب عقدة الأجنبي وقدرة الإقناع لدى مروجيها إنها ذات مفعول عال خلافاً للمنتج الوطني، وخاصة فيما يتعلق بالأدوية، علماً بأن الدواء السوري قبل الحرب كان يعد من أفضل وأجود الأدوية عالمياً وكان يصدر إلى دول عديدة، لكن اليوم يُركن إلى حجة عدم توافره محلياً، فيستغل المهربون هذه النقطة ويوفرون البدائل بأسعار خيالية، بالتالي لا بد من سحب هذه الذرائع عبر الإنتاج المحلي وخاصة بعد رفع أسعار الدواء المحلي بنسب كبيرة.

وحدث ولاحرج عن السلع الأخرى من الألبسة ومستحضرات التجميل، التي تجدها مرتبة على رفوف المحال التجارية وحتى الصيدليات ويتفاخر أصحابها بعرضها وزيادة أسعارها، وهو ما شهدته بعيني، حيث وجدت عند انتقالي إلى مدينة حلب، التي تعد سوقاً نشطة للتهريب، أحد منتجات الشعر التركية التي يمنع الاستيراد منها قطعياً مصفوفة في مكان بارز في أحد الصيدليات، ما يعني دخولها تهريباً، وهو مالم ينكره الصيدلي، الذي أكد بأنه طالما لا يوجد بديل محلي سوف تهرب بكل بساطة، وفعلاً هنا يكمن الخلل، الذي يزداد في الحروب، حيث يصعب ضبط المنافذ الحدودية أمام آفة التهريب بدليل إخفاق حملات مكافحة التهريب الرنانة في تحقيق أهدافها المعلنة إلا إذا نظرنا إلى مباهاة الجمركيين بتحصيل أموال طائلة للخزينة لا نرى أياً من ثمارها على الاقتصاد المحلي وجيوب المواطنين باستثناء “الأخوة” المسؤولين العاملين في القطاع الجمركي والمالي.

وحتى لا نتهم بأننا نرى بعين واحدة، نتساءل هل فعلاً الجمارك قادرة على ضبط كبار المهربين وخاصة إذا كان التهريب “محمياً” بحيث يصعب اختراقه أو مجرد الاقتراب منه، وخاصة إذا تداخلت مصالح المهربين مع النافذين الفاسدين، فحتماً حجم الغنائم الدسمة لن تكترث بصحة المواطن ولا حتى موتهم، فإذا استطاعت تسجيل خروقات بهذا الميدان سنرفع لها القبعة، أما تخويف قطاع الأعمال وخاصة الصناعيين بإجراء كبسات مفاجئة على مستودعاتهم ومعاملهم وضبط سيارات في داخل المدن بدل الحدود لن يزيد واقع الأسواق إلا فوضى وسوءاً وخاصة إذا سار أهل الصناعة على درب زملائهم وهاجروا إلى دول أخرى مع أنهم يحاولون بكل السبل البقاء والإنتاج.

تقصير الجمارك في ضبط المهربات لا يبرزه فقط وفاة الشابين بسبب الأدوية المهربة، وإنما قضايا فساد كبيرة سجلت مؤخراً في مرفأ اللاذقية، وأيضاً تعميمها العجيب لمدرائها في المحافظات عقب هذه الحوادث، بالطلب منهم رصد وضبط البضائع المهربة أينما وجدت والتنسيق مع رؤساء الضابطة الجمركية والجهات الأخرى ذات الصلة، فهل هذا يعني أنها لم تكن تقوم بمسؤولياتها، أما أنه مجرد تعميم لإعطاء دفع أقوى للجمركيين، وهل تعني عبارة “أينما وجدت” حرف مسار عملها من الحدود إلى داخل الأسواق والمدن عموماً، ما يفتح باباً آخر للفساد والجباية ويزيد الواقع الاقتصادي والمعيشي تأزيماً، ولاسيما أن الوضع واقف على شعرة ولم يعد يسمح بمزيد من التجاوزات غير المقبولة أساساً، فهل تفلح هذه المرة بضبط شبكات المهربين أو تحد من تجارتهم النشطة، أم إن هذا التعميم سيكون كغيره من التعاميم والحملات، ضجيجاً بلا حصاد لرؤوس التهريب الكبيرة والاكتفاء كالعادة بصغاره فقط.

سيريا ديلي نيوز- رحاب إبراهيم


التعليقات