من الممكن أن يكون الباراسيتامول دواءً لكل داء، من مسكن لآلام الصداع وآلام العظام إلى مسكن للآلام النفسية كالاكتئاب والقلق، التي بالرغم من أن لها أدوية علاج خاصة، إلا أنه من الممكن أن يقوم الباراسيتامول بالتأثير في إنزيمات معينة قد تلعب دوراً في التأثير في الحالة النفسية والتخفيف من ألم الرفض الاجتماعي في ظروف معينة.
قصة ابتكاره بدأت بخطأ صيدلي، فعندما ندرت أشجار الكينا في ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأ البحث عن بدائل. وبينما كان الأستاذ أدولف كوسمال يدرس تأثير مادة النفتالين المضادة للطفيليات في جامعة ستراسبورغ، أرسل مساعده لشراء النفتالين، ولكن الصيدلي أخطأ وناوله مادة الأسيتانيليد. وعندما قام كوسمال بدراسته اكتشف مفعوله الخافض للحرارة. بعد ذلك توالت الدراسات حول الأسيتانيليد حتى طُرح في الأسواق في نهاية سنة 1880م لمنافسة مخفضات الحرارة التقليدية التي كانت موجودة حينها مثل حمض الساليسيليك.
وفي سنة 1956م، طرح فريدريك ستيرنز وشركاه أقراص الباراسيتامول في الأسواق البريطانية تحت الاسم التجاري «بانادول» لتسكين الألم وعوارض الحمى، وكان حاله كباقي الأدوية العلاجية لا تُصرف إلا بوصفة طبية. وكانت شهرته الدعائية في أنه لطيف على المعدة في وقت كانت جميع المسكنات الأخرى تحتوي على مادة الأسبرين وهو مهيج معوي. في سنة 1963م تمت إضافة الباراسيتامول إلى دستور الأدوية البريطاني، بعد أن اكتسب شعبية واسعة كمسكن قليل التفاعل مع الأدوية الأخرى وقليل الأعراض الجانبية. واليوم يتم إنتاج الباراسيتامول في جميع أنحاء العالم بعد أن انتهت صلاحية براءة اختراعه في المملكة المتحدة وتحت أسماء تجارية متعددة.
الباراسيتامول ينتمي إلى فئة الأدوية المسكنة غير المخدرة، وتكمن آلية عمله في التأثير في جملة الأعصاب المركزية التي تُعد مسؤولة عن عمليات رفع الحرارة وإحداث الشعور بالألم، وذلك بتثبيط الأنزيمات التي أطلقتها الأعصاب وهذا ما يُفسر خصائص هذا الدواء في خفض الحرارة وتسكين الألم. يتم استقلاب الباراسيتامول بصورة أساسية في الكبد ولا يؤثر في غلق القنوات الشريانية الجنينية كما تفعل مضادات الالتهاب، لذلك فهو آمن للأطفال ولا يسبب تغييراً في المزاج، كما يناسب المصابين بالقرحة المعدية والذين يُعانون تخثر الدم.
وفي دراسة قامت بها مجلة الجمعية الطبية الأمريكية رأت أن الباراسيتامول هو أحد أكثر الأدوية الموجودة أماناً، إلا أن الجرعات الزائدة تُؤثر سلباً في أنزيمات الكبد. كما يسبب الاستخدام المفرط منه 40 % من الجرعات الزائدة كلها، والتي تؤدي تقريباً إلى مئة حالة وفاة تقريباً في السنة. وعلى عكس الولايات المتحدة الأمريكية، يُعدُّ الباراسيتامول منتجاً دوائياً في اليابان، وعليه فهو غير صالح للصرف للمعالجة الذاتية. كما أنه لا يُصرف من دون وصفة طبية من طبيب أو أحد العاملين بالرعاية الصحية، وذلك مع اشتراط توضيح مدة العلاج والكمية.
أما أطرف أخبار الباراسيتامول فهي فرض العقوبات على المطاعم التي تستخدمه في وجبات اللحوم. إذ يلجأ أصحاب المطاعم الشعبية إلى شراء الأغنام الكبيرة في السن نظراً لأسعارها المتدنية، ومن ثم تُضاف حبتا بنادول لكل ذبيحة في الطبخ، وذلك لتذويب اللحوم وجعلها لينة حتى يكاد يشعر الزبون بأنها ذبائح صغيرة في السن.
وبغض النظر عن اسمه التجاري، يُعد الباراسيتامول أو الأسيتامينوفين مسكناً واسع الاستخدام، وليس له العديد من الأعراض الجانبية، كما أنه لا يحتاج إلى وصفة طبية لكي يصرف في الدول العربية مثل الملينات المعوية ومضادات الحرقة في المعدة وغيرها. وهو يُستخدم عموماً لعلاج الصداع والآلام الخفيفة. ويدخل الباراسيتامول مكوناً أساسياً في العديد من وصفات البرد والإنفلونزا. ولكونه مُستخلصاً من مادة القطران، فإن الجرعات المفرطة منه تزيد من احتمالات التسمم الكبدي.
سيريا ديلي نيوز
2017-09-16 10:24:50