سيريا ديلي نيوز - الدكتور المهندس محمد غسان طيارة

إن إعطاء صورة موحدة ومتكاملة حول هذه القضية ومراحلها وطرائق سيرها صعب جداً بسبب التعقيدات المتنوعة والكبيرة, بالإضافة إلى احتوائها أسراراً يمكن تخمينها من دون التأكيد عليها ولهذا سأكتفي بسرد ببعض عناوينها: ـــ شرَّعت الدول الأوربية وكندا وأستراليا قوانين تشجع على الهجرة الشرعية لأُسر كاملة, وكانت الشروط الواردة فيها متشابهة فيما بينها, وهي تسْتند إلى فتح حساب أصولي معْتمد في بلد الهجرة بمبلغ من المال, حددته تلك التشريعات, أو تقديم وثائق تُثْبت بأن المهاجر لديه حساب بالمبلغ المحدد لدى مصرف معتمد خارج دولة المهجر ولكن مْعْتمد منها. ـــ لقد تمَّ تعديل هذه القوانين, وخاصة في أوروبا, بحيث يمكن الاستعاضة عن الحساب المالي إلى حساب يؤمن شراء عقار بقيمة محددة تختلف من دولة إلى أخرى, ويُمنح المُهاجر على أساسه إقامة دائماً عند شراء العقار. وهذا شجَّع على قيام شركات استثمارية عقارية يشارك فيها ممولون من دول عربية (من سورية ولبنان والعراق ومصر...) تضم معْظم هذه الشركات موظفين يتكلمون اللغة العربية بطلاقة. وهي مستمرة في عملها حتى هذه الأيام. ـــ عمدت حكومات تلك الدول إلى مضاعفة المبالغ التي يجب أن يوظفه المهاجر لشراء العقار. ـــ مع ازدياد أعداد طالبي اللجوء انتقلت تلك الشركات للعمل في مجال المساعدة على اللجوء. وتتعامل هذه الشركات مع محامين متخصصين في الشؤون العقارية. ويسْتغل هؤلاء المحامون القوانين الحكومية ورغبة المهاجر. ـــ أن مغادرة الأراضي السورية باتجاه أوروبا بدأت مع بدايات الأزمة ومن أصحاب الثروات ومتوسطي الدخل مستفيدين من الشركات العقارية المتواجدة في جميع أنحاء الدول الأوروبية, أي كانت وسائل اللجوء آمنة وميسرة بمساعدة شركات الاستثمار العقاري المتواجدة في جميع الدول الأوروبية. ـــ مع تزايد تعْقيدات الأزمة في الوطن العربي بدأت تتصاعد رائحة تشكيل مافيات متخصصة في تهريب المهاجرين الهاربين لأسباب متنوعة. ـــ تتمركز مافيات الهروب إلى أوروبا في تركيا ولها أعوان في بلدان اليونان ومقدونيا وصربيا والمجر وإيطاليا. ـــ يدخل ضمن التسهيلات التي تُقدِّمها مافيات الهجرة تأمين جوازات سفر أوروبية أو سورية للسوريين ولغير السوريين ووثائق تثْبت أن الأسرة المهاجرة من الديانة المسيحية مزورة بحسب رغبات دول الهجرة. (بعض المهاجرين من ليبيا أو الصومال يحصلون على وثائق تثبت أنهم من سورية مزوَّرة لأن التوجه الأوربي نحو زيادة أعداد المهاجرين من سورية لأغراض سياسية), مما يعني بأن أرقام المهاجرين السورين التي تصدرها المنظمات الدولية مبالغ فيها. ـــ تُعْتبر تركيا المقصد الأكثر شيوعاً لتوافد المُهاجرين وخاصة مدينة أزمير, وأول ما يحصل عليه المهاجر عند وصوله إلى أزمير هو بطاقة خليوي (سم) دولي وأرقام هواتف خفر السواحل في تركيا واليونان وإيطاليا وذلك إذا كان العبور إلى أوروبا سيتم عبر إيطاليا وكذلك هواتف الأدلاء المتعاملين مع شبكات المافيا. ـــ أهم طريقان للهروب إلى أوروبا هما من لبنان وتركيا ولكل منهما سماسرته وأساليبه. ـــ يستخدم المهاجرون المتواجدون في شمال وشرق سورية والأردن الدخول إلى تركيا من خلال مافيات مرتبطة بالدرك التركي وبعض عناصر التكفيريين للوصول إلى أزمير, بينما يستخدم باقي المهاجرين لبنان للهروب إلى تركيا عن طريق البحر أو الجو وبشكل نظامي ملغوم مع المتعاونين في سورية. ـــ مهمة المتعاونين في سورية تأمين بيع ممتلكات المهاجر وتحويل قيمتها إلى دولارات أو يورو مع بنوك أو مكاتب موثوقة, وتأمين السفر من سورية إلى مركز الانتقال إلى أوروبا عبر تركيا وخاصة من مدينة أزمير. ـــ مع بداية الأزمة ومع إطلاق أول رصاصة غادر عددٌ لا بأس به من الأثرياء وبعض متوسطي الدخل إلى دول عربية أو أوروبية مع أمولهم بشْكل سري أو علني واستثمروا ثرواتهم في مشاريع استثمارية في الدول التي لجئوا إليها, ولا يحتاج هؤلاء المقيمون مع استثماراتهم في دول الجوار إلى مغامرات بحرية ورحلات عذاب عند رغبتهم الهجرة إلى أوروبا حيث يستفيدون من القوانين العقارية التي تحدثت عنها سابقاً. ـــ إن الحصول على بطاقة سفر في البر أو البحر من لبنان لا يحتاج إلى مكتب سياحي مُرخَّص ففي هذه الأيام أصبح قطع بطاقات السفر يتم إليكترونيا, وكل ما يحتاجه بائع بطاقات السفر إلى حاسوب وكود شركات السفر العالمية. ـــ إن السفر إلى لبنان عادي وبسيط يتم بسيارة خاصة أو بباص مًسجَّل على الخط وخاصة أن المتعاونون في سوريا يؤمنون للمهاجر دعوة نظامية أو حجز فندقي أو بطاقة سفر, وحالات السفر من لبنان إلى تركيا نظامية سواء أكان عن طريق البحر بباخرة مؤمنة أو عن طريق الجو بطائرة تركية رحلتها مسجلة ومبرمجة أصولاً. ـــ يصل المهاجرون سواءً عن طريق البر أو طريق البحر أو الجو إلى أزمير بشكل نظامي أو تهريباً, ومنها تبدأ المعاناة, وقد أوضحت بعض وسائل الإعلام هذه المعاناة. ـــ يمكن للمهاجر ان يستخدم يخت سريع للوصول إلى شواطئ اليونان يضمن فيها حياته مع أسرته, ولكنه لا يستطيع أن يضمن منع خفر السواحل اليونانية له من النزول إلى الشاطئ اليوناني والعودة من حيث أتى فيما إذا كشفته, لأن واسطة النقل قادرة على إعادته, فقد لا يتمكن قائد اليخت من إنزاله في نقطة على الساحل اليوناني بعيدة عن عيون خفر السواحل, ولهذا يُفضِّل المهاجرون بمعْظمه استخدام القوارب المطاطية لأن فور دخولها المياه الإقليمية اليونانية يصبح الركاب تحت وصايتهم ولن تدفعهم للعودة إلى تركيا ومخاطرة الركوب ثانية في القوارب المطاطية إذا بقيت سليمة. ـــ تتوزع المافيات استغلال المهاجر, وباعتبار أن البداية هي من سورية, فكل شخص من سورية يعمل مع مجموعة من الأشخاص في لبنان وفي تركيا ويعْرف عناوين بعض الأشخاص الذين يعْملون كأدلاء للتنَّقُل من تركيا حتى هنغاريا. ـــ لم أتمكن من تحديد فيما إذا كانت شبكات المافيا المتنوعة متعارفة أو متعاونة فيما بينها, مما يعني إن إلقاء القبض على شبكة ليس بالضرورة تفكيك كل شبكات المافيات المنغمسة في هذه الأعمال القذرة. ـــ تتراوح تكلفة الفرد المهاجر ما بين 4000دولار و7000دولار بحسب طريقة الهروب ووسائل النقل التي يستخدمها وقدرته على المساومة مع مافيا التهريب وأدلاء المسير في الغابات وصعود الجبال والهبوط إلى الوديان. ـــ ليس هناك اتفاق واضح على الصفة التي يجب إطلاقها على المُهاجر, ولكن عندما تجد أسرة متكاملة هاربة وتلاقي الصعوبات فسوف تسميها أسرة مُهجَّرة (شو أجبرك عا المر الأمّر), ولكن عندما تحْسب تكلفة السفر لنفس الأسرة فمن الأفضل تسميتها مهاجرة. ـــ لا يوجد تعريف واضح لهذه الأسر المهاجرة فهل هي مغامرة أو هل هي مرغمة على الهروب وهل هي وطنية أم خائنة للوطن؟! فعندما نلاحظ العقبات التي على الأسرة مجابهتها وأن حالتها المادية في بلدها كانت مسْتقرة ولديها إمكانية الانتقال إلى مكان آمن داخل سورية, فمن المنْصف وصفها بأنها أسرة انهزامية مما يقربها من مفهوم الخيانة, وقد تكون الظروف المحيطة بها أضطرها إلى الهروب فتصْبح أسرة مرغمة وبعيدة عن مفهوم الانهزام. وهنا استذكر قول بوتين بأن المهاجرون يفرون من داعش وليس من بشار الأسد. ـــ إن قانون التملُّك الأوروبي الذي يسْمح بالحصول على تأشيرة دخول أصولية ما زال ساري المفعول وما زال هناك بعض أثرياء سورية ومتوسطي الدخل يستفيدون منه. ـــ يتلاعب بعض سماسرة العقارات في بلاد الهجرة بقيم العقارات المعروضة للبيع, فعلى سبيل المثال: تطلب اليونان تحويل مبلغ (س) باليورو حتى تمنح تأشيرة الدخول, وعندما تشْتري العقار فقد تدفع نصف المبلغ الذي حولته ولكنه مُسجَّل لدى الدوائر العقارية في اليونان بالمبلغ الذي حولته فتستفيد من الرصيد للعيش لفترة زمنية حتى تحصل على إقامة دائمة في اليونان. ـــ تشجيعاً لهجرة الأُسر السورية التي يمكن أن تستفيد منهم دولة اللجوء أظْهر الإعلام المُفْرض الصور الجيدة في نهاية اللجوء, وتعامى عن إظْهار العذابات والمعاناة خلال رحلة الهجرة. وبعد استفحال أزمة الهجرة تجرأت بعض وسائل الإعلام بإظهار حالات القهر والمعاناة لهذه الأسر بالصوت والصورة, كما تجرأت وعرضت الحرائق المُفْتعلة في مُعسْكرات اللجوء في ألمانيا وضرب المهاجرين بالهراوات ووحشية طريقة توزيع الطعام عليهم.... ـــ الدعايات الغربية "المشجِّعة" على الهجرة إلى "الفردوس" الأوروبي تؤثر سلباً على معنويات بعض الأسر وتدفعها نحو المغامرة بأموالها وحياة أفرادها في مهمة صعبة جداً قد تصل إلى حالة من الاستحالة!. ومن حقنا تسمية هذه الدعايات "المشجِّعة" على ما يحدث بأنه شكل جديد من أشكال التآمر على سورية لتفريغها من مثقفيها وكوادرها الفنية. ومن هذه الدعايات التصريحات التي تصْدر عن القيادات السياسية للدول الأوروبية التي تعلن عن استعدادها لاستقبال أعداد متفائلة من المهاجرين خلال ما تبقى من هذا العام والعام القادم, وتمُر ضمن هذه التصريحات عبارة: "بعد التأكد من الوثائق التي تُثْبت أحقية اللجوء السياسي", ومفهوم اللجوء السياسي يعني الهروب من سورية بسبب "تصرُّفات" القيادة السياسية السورية. ـــ تدَّعي وسائل الإعلام المُغْرضة بأن المهاجرون أتوا من لبنان والأردن وتركيا ولكنها لم تُحدد أين تواجد هؤلاء اللاجئين في تلك الدول قبل مغامرة هجرتهم, فهؤلاء غير موجودين في خيم اللجوء في تلك الدول بل هم متواجدون خارجها, لصعوبة مغادرة هذه الخيم ولعدم امتلاكهم مثل هؤلاء للأموال اللازمة لدفع تكاليف الهجرة. ـــ من المحزن أن قادة بعض الدول العربية تتدعي بأنها تستقبل مهاجرين كما لو أننا في حفل حدوة الأحصنة فحتى الخنافس تمد أقدماها لتركيب حدوة لها, مما يساعد على إبعاد الشبهات بأن هناك خطط مرسوم أو روبياً صهيونياُ أميركياً تتلخص بتفريغ الوطن من كوادره الفنية الشابة. ـــ إن التفكير في منع هذه الهجرة باستخدام إجراءات قاسية غير مفيد وتضر بقيادة هذا الوطن, ولن يردعها أو التخفيف من حدتها إلا تنمية الشعور الوطني وهذا يعْتمد على قدرة الحكومة على الوقوف مع المواطن. ـــ إن النقد اللاذع الذي تتعرَّض له حكومتنا الحالية لا يُبشِّر بالخير. ولهذا نتساءل هل الحكومة قادرة على تنمية الشعور الوطني في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة لتخفيف من حدة هجرة الثروة الوطنية البشرية والمالية من الوطن وخاصة إن المهاجرين هم من ميسوري الحال ومعْظمهم من خيرة الكوادر الفنية.

سيريا ديلي نيوز - د . م . محمد غسان طيارة


التعليقات