خرج الرئيـــس الروســـي فلاديمـــير بوتــين منتصـــرا من قمة الدول الثماني التي اختتمت اعمالها في ايرلندا يوم امس، فالبيان الختامي تضمن ثلاث نقاط اساسية تؤكد هذه الفرضية:
الاولى: عدم وجود اي اشارة واضحة وصريحة تشير الى تنحي حليفه بشار الاسد كشرط لأي حلّ سياسي للأزمة السورية.
الثانية: التمسك بانعقاد مؤتمر جنيف الثاني بمشاركة النظام السوري ممثلا بوزير خارجيته السيد وليد المعلم، مما يعني اعترافا بشرعية هذا النظام.
الثالثة: اتفاق الدول المشاركة في هذه القمة على محاربة الجماعات الاسلامية المتشددة التي تعتنق ايديولوجية القاعدة او الاسلام الجهادي وسحقها.
وهكذا بعد عامين وشهرين من عمر الانتفاضة، ومقتل اكثر من مئة الف انسان سوري معظمهم من الابرياء، تسلم الدول الثماني العظمى بمقولة الرئيس بشار الاسد بأنه يقاتل جماعات ارهابية مسلحة، وهذا سيشكل صدمة للمعارضة السورية المسلحة وانصارها والداعمين لها، خاصة في دول الخليج العربي.
‘ ‘ ‘
ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا وهو اكثر الاصوات الغربية مطالبة بدعم المعارضة السورية بالاسلحة الحديثة، اكد على هذه الحقيقة عندما قال بالحرف الواحد ‘نريد تطهير المتطرفين من صفوف المتمردين، واقامة حكومة فاعلة بعد ذهاب الرئيس الاسد عن السلطة، لكي لا تعمّ الفوضى في سورية بعد تغيير النظام، وجلب اطراف النزاع الى طاولة الحوار، والتعلم من خبرة العراق، والحفاظ على مؤسسات الدولة خلال المرحلة الانتقالية، وعدم ترك فراغ سياسي’.
المستر كاميرون استخدم عبارتين على درجة كبيرة من الخطورة، الاولى ‘تطهير’ في اشارة الى كيفية التعاطي مع الجماعات الاسلامية، والثانية ‘عدم ترك فراغ سياسي’.
السؤال هو كيف ستتم عمليات ‘التطهير’ هذه، ومن سيقوم بها؟ الاجابة واضحة، اي الجيش السوري الحر بقيادة اللواء سليم ادريس رجل امريكا والغرب في صفوف المعارضة السورية المسلحة، فالرجل ابدى استعداده للقيام بهذه المهمة اذا توفر له السلاح والمال، والدول الخليجية مستعدة لتوفير الأمرين له، وهناك انباء عن قيام احداها (يعتقد انها قطر) بتزويد بعض الجماعات المسلحة بصواريخ حديثة مضادة للدبابات، كما اعلنت تقارير اخرى عن عزم المملكة العربية السعودية تزويد جماعات اخرى بصواريخ حديثة مضادة للطائرات.
ما يقوله كاميرون حول عمليات التطهير هذه سهل نظريا وعلى الورق، ولكنه صعب، بل مستحيل على الارض في المستقبل المنظور على الاقل. فالجماعات الجهادية متغلغلة في النسيج السوري المعارض، وهي التي استطاعت ان تلحق هزائم ملموسة ضد النظام، لانها لا تريد حكم سورية وفق المعايير الديمقراطية التي رفعتها او ترفعها ثورات ما يسمى بالربيع العربي، وانما لإقامة دولة اسلامية تكون جزءا من دولة الخلافة.
الاسلحة الحديثة والمتطورة التي تقدم دول عربية وغربية على ارسالها الى فصائل المعارضة ‘المعتدلة’ ستصل حتما الى الفصائل الاسلامية الجهادية، سواء من خلال عمليات البيع والشراء، او من خلال انشقاق اصحابها عن فصائلهم المعتدلة والانضمام اليها.
نحن الآن امام معضلة غير مسبوقة ستكون عنوان المرحلة المقبلة على صعيد النزاع في سورية، تتلخص في ان المعارضة السورية ‘المعتدلة’ بقيادة اللواء ادريس ستقف الى جانب النظام السوري، او بالاحرى في خندقه، في شن ‘حرب تطهيرية’ ضد الجماعات الاسلامية ‘التكفيرية’، بتنسيق او بعدمه، ثم يبدأ الطــــرفان الحوار لمــــنع حدوث ‘فراغ امني’ وعدم تكرار اخطاء تجربتي العراق وليبيا، والحوار سيكون قطعا مع النظام الحالي، ورموزه نفسها،هذا اذا انتهت الحرب بسقوطه.
الرئيس بشار الاسد قال يوم امس في حديث لصحيفة المانية انه يعتبر التنحي عن السلطة في زمن الأزمات ‘خيانة وطنية’، وهذا يعني انه باق في منصبه حتى تنتهي الأزمة وتتعافى البلاد منها. واضاف متسائلا ‘كيف تعرف ان الشعب يريدك ان تترك منصبك؟.. إما بالانتخابات او الاستفتاء’.
‘ ‘ ‘
اجراء انتخابات او استفتاءات تؤكد رغبة الشعب السوري، او ما تبقى منه داخل سورية، في بقاء الرئيس امر سهل وهيّن، وهناك تاريخ سوري حافل في هذا المضمار، ولهذا لا يبدو الرئيس الاسد قلقا من هذه المسألة.
عندما يكون الرئيس الاسد مدعوما من رئيس روسي مثل بوتين يؤكد انه لن يسمح بإقامة منطقة حظر جوي، وسيواصل دعم نظامه، اي الاسد، بالاسلحة الثقيلة الحديثة، وعندما تكون المعارضة السورية المسلحة مدعومة برئيس امريكي تصطك ركبتاه خوفا، وملدوغ مرتين من هزيمتين في العراق وافغانستان، ونصف او ربع انتصار في ليبيا، فإن من حق الاسد ان يمد رجليه ويطمئن كل الاطمئنان.
للمرة الالف نقول ان الشعب السوري ضحية خديعة كبرى من اصدقائه العرب والغربيين، وهو الذي يدفع الثمن غاليا من دمه ودم ابنائه واطفاله، فثورته العادلة والمشروعة من اجل الاصلاح والتغيير الديمقراطي تحولت الى حرب اقليمية طائفية يؤججها شيوخ الفتنة في المعسكرين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

التعليقات


ملهم الدرويش
الأستاذ عبد الباري عطوان ... مرحلة التخبط التي وصلت لها في مقالاتك تؤكد أنك وبكل أسف غير منطقي وتناقض نفسك بين مقال وآخر أما عندما تتكلم عن معارضة معتدلة في سوريا فأنت مخطأ ... هي معارضة تحارب منذ البداية تحت راية تنظيم القاعدة ... فإن كنت تقصد أن مايسمى ((الجيش الحر هو المعارضة المعتدلة)) فأبو صقار آكل القلوب والذي اكل قلب الجندي السوري يتبع لكتائب الفاروق أحد فصائل المعارضة المسلحة ... ناهيك عن المجازر التي ارتكبتها هذه الفصائل منذ بداية الأزمة ... أما عن حق الشعب السوري في التغير والاصلاح فهذا حق مشروع تكفله صناديق الاقتراع وليس التسليح الأرعن الذي اعترف به الدكتور هيثم مناع منذ الأيام الأولى للأزمة السورية عندما صرح على قناة الجزيرة بمحاولة كثير من الدول بدعمه بالسلاح لكنه لم يرضى فرجاء ... كفوا عن الاختباء وراء أكاذيب نحن نعيش حقيقتها يوميا ... الحرب في سوريا حرب اقليمية ضد المنهج المقاوم والممانع لاسرائيل تحت مسمى طائفية ومذهبية أعلنها علانية مؤتمر الدجالين المسلمين الذي انعقد في القاهرة يكفينا فخراً أننا نحن من دعمنا وسندعم كل حركات المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني الذي تعتبره عدوك وربما نسيت لأني لم أقرأ لك مقالاً عن هذا العدو منذ سنين يبدو أنك ضللت الطريق .. ونسيت جنسيتك الفلسطينية