يتفق الكثيرون، ونحن من بينهم، على ان استعادة القوات السورية المدعومة بعناصر من حزب الله لمدينة القصير الاستراتيجية القريبة من الحدود اللبنانية تشكل نقطة تحول رئيسية، وعلامة فارقة، في الازمة السورية، لكن ما يمكن الخلاف عليه هو محاولة استشراف ملامح الايام والاشهر المقبلة في سورية والجوارين اللبناني والفلسطيني المحتل.
النظام السوري الذي حظي بنشوة معنوية انعكست من خلال تغطيات صحفه ومحطاته التلفزيونية، سيواصل حتما مساعيه لاستعادة مناطق اخرى، وفتح جبهات جديدة، وهذا ما يفسر سيطرته على مدينة الضبعة شمال القصير، واستعادة معبر القنيطرة بوابة هضبة الجولان بعد استيلاء قوات المعارضة عليه لعدة ساعات، وهناك انباء عن حشود عسكرية باتجاه مدينة حلب في الشمال ودرعا في الجنوب.
المعارضة السورية المسلحة التي اصيبت بنكسة قاسية بسبب خسارتها لمدينة القصير رغم دفاعها المستميت ستحاول امتصاص هذه النكسة المعنوية بكل الوسائل حسب ما تقوله بياناتها. ولكن من الواضح ان الاسلحة الحديثة التي انتظرت وصولها من الدول الغربية واوروبا وامريكا على وجه الخصوص لن تصل في المنظور القريب، لان هذه الدول تنتظر انعقاد مؤتمر جنيف الثاني في منتصف الشهر المقبل، ولا تريد حدوث اي تغيير في موازين القوى على الارض، وبما يؤدي الى افشال هذا المؤتمر، ولذلك على المعارضة ان تنتظر، اذا رغبت، حتى نهاية الشهر المقبل.
نكسة القصير لم تكن هزيمة للمعارضة السورية المسلحة بكل اطيافها بقدر ما هي هزيمة للدول العربية والغربية الداعمة لها، فقد صرح اكثر من مسؤول في المعارضة بان خذلان هؤلاء هو الذي ادى الى نقص الذخائر وبالتالي الهزيمة.
ولا بد من الاعتراف بان دخول عناصر تابعة لحزب الله اللبناني الى جبهة القصير، والقتال الى جانب الجيش السوري النظامي لعبا دورا رئيسيا في استعادة المدينة، واخراج مقاتلي المعارضة منها، فالجيش السوري الرسمي، لم يستطع وحده، نظرا لافتقاره للخبرة في حرب الشوارع، تحقيق انتصار كهذا، وبهذه السرعة في جبهات اخرى خسر فيها مواقعه مثل الرقة وادلب ومعرة النعمان والقائمة تطول.
استيلاء كتائب المعارضة على معبر القنيطرة ربما كان ردا سريعا ومباشرا على خسارة القصير، ومحاولة فتح جبهة مع الاحتلال الاسرائيلي، ولكن هذه المحاولة التي استعدت لها السلطات الاسرائيلية بحشد دباباتها تحسبا لاقتحام المعبر لم تعمر الا لساعات معدودة بسبب استنفار قوات النظام ونجاحها في استعادة المعبر.
من المرجح ان تحاول المعارضة فتح جبهات اخرى في لبنان خاصة للانتقام من حزب الله واصطفافه الى جانب القوات النظامية، فالسيد جورج صبره زعيم الائتلاف السوري بالنيابة هدد بنقل المعركة الى جنوب لبنان، والضاحية الجنوبية، وكرر الشيء نفسه اللواء سليم ادريس رئيس المجلس العسكري للمعارضة.
هناك سؤالان لا بد من محاولة البحث عن اجابة لهما اذا اردنا رسم خريطة للازمة السورية في مرحلة ‘ما بعد القصير’ الاول هو عما اذا كانت قوات حزب الله ستشارك في معارك اخرى الى جانب الجيش السوري، مثل حلب شمالا، ودير الزور والرقة شرقا، ودرعا جنوبا، ام انها ستكتفي بمشاركتها في القصير القريبة من الحدود اللبنانية؟
اما السؤال الآخر فهو يتعلق بموقف الدول العربية الداعمة للمعارضة، وقطر والمملكة العربية السعودية بالذات، ولا ننسى تركيا في هذه العجالة، من هزيمة المعارضة في القصير، وردود فعلها عليها؟
من الصعب اعطاء اجابات قاطعة عن هذين السؤالين، ولكن يمكن التكهن بان حزب الله قد يتشجع بدوره الحاسم في القصير للمشاركة في جبهات اخرى، وهذا قد يؤدي الى استنزافه وزيادة اعداد الخسائر البشرية في صفوفه مما قد يؤدي الى تزايد الانتقادات لدوره في اوساط انصاره في الجنوب اللبناني. ولا بد ان اتخاذ اي قرار بتوسيع دائرة مشاركة الحزب في الحرب السورية سيحتاج الى الكثير من البحث في مؤسساته قبل صدوره.
الاجابة عن السؤال الثاني لا يمكن التعاطي معها بمعزل عن قراءة الموقف الامريكي، فالدول الخليجية الداعمة للمعارضة ماليا وعسكريا، لا يمكن ان تقدم على اي خطوة دون التشاور مع الولايات المتحدة وقيادتها والتنسيق المباشر معها.
الرئيس باراك اوباما لا يريد التورط في اي حرب في سورية، ولذلك فشلت الجهود الفرنسية التي ارادت تغيير موقفه هذا بتقديم ادلة قالت فرنسا انها مؤكدة عن استخدام النظام السوري غاز السيرين ضد المعارضة، واصر المتحدث باسمه على ان هذه الادلة ليست كافية للتأكد من ان النظام السوري تجاوز الخط الاحمر الامر الذي اغضب القيادة الفرنسية.
ومن سوء حظ المعارضة السورية ان الداعم الاقليمي الاكبر لها، اي السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا يواجه انتفاضة صاخبة مستمرة منذ اسبوع تحت ذريعة عزمه بناء مجمع تجاري في ميدان تقسيم السياحي في قلب اسطنبول مما يخالف مبادئ الحفاظ على البيئة.
لا نستبعد انتقال المواجهة الى لبنان، والضاحية الجنوبية تحديدا في محاولة للانتقام، مثلما لا نستبعد محاولة النظام في دمشق استعادة ما خسره في حلب واماكن اخرى لتعزيز موقفه التفاوضي في مؤتمر جنيف المقبل بعد ان اكد سيرغي لافروف ان السيد وليد المعلم سيمثله في هذا المؤتمر.
الازمة السورية ستستمر في احتلال العناوين الرئيسية في الايام المقبلة، ولا نمانع في تكرار الجملة التي تقول ان جميع الاحتمالات بل والمفاجآت واردة.

التعليقات