- الرئيسة /
- صحافة وإعلام /
- التمثيل بالجثث ..بقلم :عبد الباري عطوان
تصف وكالة رويترز المشهد السوري الراهن اوصافا بشعة يندى لها الجبين بسبب ممارسات النظام والمعارضة معا، وطرق الانتقام الوحشية من الخصوم، سواء كانوا مدنيين او عسكريين. قبل ان يشحذ البعض سكاكينه، أيا كان موقفه، في خندق النظام او المعارضة، نؤكد اننا لا نقارن هنا بين الجانبين، ولا نبرئ طرفا وندين آخر، ونؤكد مرة اخرى ان النظام يتحمل المسؤولية الاكبر، ولكن لا بدّ من توجيه اللوم في الوقت نفسه الى المعارضة لأنها من المفترض ان تقدم نموذجا افضل في التسامح وضبط النفس، وعدم الاقدام على ممارسات انتفضت بسببها، حتى لا تخسر تعاطف الكثيرين مع قضيتها العادلة، سواء داخل سورية او خارجها. تفاصيل المشهد السوري التي تنقلها الوكالات الاجنبية الى العالم بأسره تقدمنا ،كعرب ومسلمين، جزارين قساة القلوب، لا نعرف الرحمة، ولا نمتّ الى الانسانية بصلة، وكل همنا هو الذبح وسفك الدماء و. جنود سوريون يطعنون رجلا ببطء في ظهره عشرات الطعنات حتى يلفظ انفاسه الاخيرة، ويقدم زعيم معارض على قتل جندي، وتقطيع جثته، وانتزاع قلبه ويقضمه امام الكاميرا، ويقدم فتى لا يتجاوز العاشرة من عمره على جزّ رأس سجين، بينما يقوم جندي بقطع العضو التناسلي لجثة رجل مذبوح. اصحاب هذه الممارسات التي لا تمتّ للاسلام والعروبة والقيم الانسانية، يتباهون بوحشيتهم هذه، ويوثقونها بالصوت والصورة، ويعرضونها على موقع ‘اليوتيوب’ لكي يراها العالم بأسره لنشر الرعب والخوف والكراهية. ‘ ‘ ‘ لم نقرأ مطلقا ان جيشا اسلاميا مثّل بجثة، بل قرأنا عن اروع صور التسامح مع الأسرى والجرحى، وما زالت جميع كتب تاريخ الحرب الصليبية المؤلفة من قبل غربيين تشيد بممارسات صلاح الدين الايوبي محرر القدس، واخلاقياته الرفيعة في التعاطي مع الاسرى والخصوم. لا نعرف من اين اتت هذه الكراهية وثقافة ، وذبح الضحايا امام الكاميرات، ولكن ما نعرفه انها ليست قطعا ثقافة اسلامية، فقيم الاسلام قيم تسامح، وقيم عفو ورأفة، قيم تمنع قطع شجرة ناهيك عن تقطيع جثة، او قطع عضو جنسي لقتيل. مجازر النظام ومهما بلغت وحشيتها وقتلها للاطفال والنساء وتدمير بيوت فوق رؤوس اصحابها لا يمكن، بل ولا يجب، ان تبرر تمثيل الطرف الآخر بجثث الضحايا وسط صيحات الفرح والتكبير. شخصيا لم اشاهد الشريط الذي سجل هذه الجريمة البشعة بالصوت والصورة، وتأكدت من دقته ومصداقيته مجلة ‘التايم’ الامريكية قبل بثه، لأنني لا اريد ان اصدق ان هناك من يقدم على هذه الممارسات، مثلما امتنعت عن رؤية كل الاشرطة التي تصوّر بشاعة ممارسات النظام ايضا. هذه ليست سورية التي نعرفها وكانت واحة امان وتعايش واحتضان المظلومين والفارين بأرواحهم واعراضهم على مرّ العصور، ولا يمكن ان نتصور ان الانسان السوري الذي يحمل في دمائه جينات آلاف السنين من الحضارات يمكن ان يقدم على مثل هذه الافعال، ايا كان خندقه في هذه المأساة الدموية. ‘ ‘ ‘ لا يمكن ان نتصور حدوث مصالحة وتعايش بين ابناء هذا البلد المنكوب لعقود، ان لم يكن لقرون قادمة، مهما كانت ذاكرة الشعوب قصيرة مثلما يرددون دائما. ندرك جيدا ان بعض اعمال القتل و هي اعمال فردية مبعثها الحقد الشخصي او الطائفي، ومن قبل اشخاص اطفأت الاحقاد كل مشاعر الرحمة في قلوبهم، ولكنها اعمال اجرامية تسيء الى قضايا اصحابها مهما كانت عادلة، مثلما تسيء الى امة وعقيدة سمحة انتشرت في كل بقاع الارض بسبب عدالتها وقيمها الانسانية العالية. المؤلم، وفي ظل جرائم الحرب هذه وحالة الاستقطاب الشرسة، سياسيا وطائفيا، التي تنهش استقرار المنطقة بأسرها، وتتجسد بأبشع صورها على الارض السورية، اننا لا نرى ضوءا في نهاية هذا النفق الدموي المظلم، بل المزيد من الضحايا وسفك الدماء في الحاضرالأليم والمستقبل المنظور الذي ربما يكون اكثر دموية.
2013-05-16 01:01:57