لايخفى على أحد تراجع بعض خدمات المشافي العامة في سورية عامة وفي حمص خاصة بعد الحرب القاسية التي تعرضنا لها , والتي طالت جميع القطاعات ومن ضمنها قطاع الصحة بشكل كبير ما سمح لبعض المستثمرين والقائمين على المشافي

الخاصة اقتناص الفرصة التي لا تعوض والتحكم بأجور العمليات وغيرها من الخدمات الصحية المقدمة ما شكل عبئا ً كبيرا ً على المرضى من ذوي الدخل المحدود ، ناهيك عن تفاوت وتباين أسعار الخدمات الطبية بين مشفى خاص وآخر في نفس

المدينة ونفس الحي أيضا ً .

لذلك لم تعد المشكلة محصورة بنوعية الأجهزة الطبية الموجودة في هذه المشافي أو بالخدمات المقدمة فيها , إنما باتت تكمن بأخلاقيات بعض الكوادر الطبية التي نسيت أو تناست واجبها الإنساني المتمثل بمساعدة الناس أيا كانت الحاجة واهتمامهم

بجمع المال بالدرجة الأولى فقط وحياة المريض تأتي بعد ذلك .
وأول سؤال من الممكن أن يطرح نفسه هنا: ماهي النظم الضابطة لتحديد الأسعار والفواتير في المشافي الخاصة من قبل وزارة الصحة بما يتناسب مع الواقع والحالة المادية للمواطنين؟ وما تتحمله هذه المشافي من تكاليف مختلفة سواء بتوفر

الأجهزة والكادر الطبي الجيد إضافة الى المواد اللازمة للعمليات أو للحالات الأسعافية أيضا ...
عند استطلاع جريدة العروبة آراء بعض المرضى الذين ارتادوا مشافي خاصة في حمص وسؤالهم عن الخدمات الموجودة فيها , كان لسان حالهم يقول : إن الأسعار مرتفعة ومتفاوتة جدا ً ولا تتناسب مع دخلهم وإمكانياتهم ولا يمكن أن تكون مناسبة

وخاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة والدخول المنخفضة , بالإضافة لافتقار بعض المشافي للأجهزة الحديثة والمخابر وعدم توفر الكثير من الشروط الصحية اللازم توافرها فيها وخاصة فيما يخص غرف العمليات وتجهيزاتها , من تعقيم

وأدوات وحتى التدفئة أحيانا ...
ادفع ثم اعترض
من المتعارف عليه منذ وجود أول مشفى خاص أنه يتوجب على المريض مهما كانت الحالة الصحية التي يعاني منها ، دفع سلفة مالية فور دخوله أي مشفى خاص بغض النظر عن حالته إن كانت إسعافية أو غيرها ,مع العلم أن الكثير من المرضى

يتم إسعافهم إلى أقرب مشفى خاص من منازلهم عند تدهور حالتهم الصحية وهنا تكون الصدمة الكارثية التي يتلقاها أهل المريض عند إبلاغهم بالمبالغ الواجب تسديدها لقاء تقديم حتى الخدمات الإسعافية وتقرير حالة المريض الصحية , ثم إحالته إلى

الطبيب المختص .
سامر « سائق تكسي » قال: اضطررت لإسعاف والدي في حالة احتشاء دماغي لمشفى خاص موجود في حينا وتفاجأت بفاتورة المشفى البالغة 120 ألف ليرة بعد مرور أقل من 24 ساعة على دخوله المشفى « رغم أن كل ما قدم له في المشفى كان

عبارة عن مصل سيروم و4 حقن » .
الدواء من خارج المشفى
كوثر « موظفة » قالت : أسعفنا طفلتي البالغة من العمر 5 سنوات لمشفى الحي الخاص لمدة 24 ساعة بسبب تعرضها لاختلاج حراري فصعقنا بالفاتورة البالغة 22 ألفا ً بالرغم من قيامنا بشراء جميع الأدوية من خارج المشفى.
أسعار خيالية
محمد « عامل » شرح أنه عند إسعافه ليلاً إلى المشفى نتيجة تعرضه لارتفاع ضغط الدم الشرياني بشكل كبير طلب من ذويه مجموعة من الأدوية الإسعافية لكن أغلبها لم يكن متوفراً في صيدلية المشفى مما اضطرهم لشرائها من خارج المشفى بعد

جهد كبير لإيجاد صيدلية مناوبة
سلوى « ربة منزل » قالت : عند دخولي المشفى نتيجة لحالة إجهاض للقيام بعملية «تنظيف وتجريف» اضطررت لدفع 50 ألف ليرة .
غزل “ربة منزل” قالت : أجريت لي عملية استئصال رحم في إحدى المشافي الخاصة وكانت أجور العملية باهظة فقد اضطررت لدفع 250 ألف ليرة مع إقامة لليلة واحدة فقط , فكيف يستطيع المواطن تدبير أموره , ألا يكفي الظروف المعيشية القاسية

التي يعيشها حتى تأتيه كارثة تأمين أسعار العلاج المرتفعة ؟!

نجحت العملية وتوفى المريض
يلجأ أهالي الكثير من المرضى الى المشافي الخاصة في حالات المرض الصعبة والتي تتطلب وجود الكادر الطبي المختص وتوفر الأجهزة الطبية , إضافة إلى جهوزية غرفة العمليات والتعقيم و التخدير وغيرها من الأدوات , إضافة إلى الاستعداد

لأي طارئ قد يحدث أثناء العمل الجراحي .. لكن الحظ لم يحالف المريض عبد الله «رحمه الله » رغم نجاح العملية الصعبة التي أجراها نتيجة وجود ورم حميد في الدماغ «كما قال الطبيب الجراح» والتي كلفت ذويه « 5 » ملايين ليرة وكانت

أجرة الطبيب الجراح حوالي 2 ملايين ليرة, والذين اضطروا لبيع منزلهم ليتمكنوا من دفع أجور العملية أملا في شفاء المريض حتى ولو تكبدوا عناء تأمين تلك التكاليف المرهقة ..
وبعد اجراء العمل الجراحي للمريض “عبد الله” حدثت مضاعفات أدت لوجوب بقائه في المشفى , «اختلاج دماغي» أدى لإصابته بالسحايا , وعدم القدرة على السيطرة على الحالة ...ورغم ذلك سمح الكادر الطبي المسؤول عن الحالة بمغادرة

المريض مع تساؤل ذويه عن الأسباب كونها من العمليات الدقيقة التي يحتاج المريض بعد إجرائها لفترة نقاهة تحت إشراف الطبيب في المشفى , وللأسف حدث ما لا يحمد عقباه .. توفي المريض
والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة من الجميع ..في مثل هذه الحالات المرضية «الخطرة» التي تكلف المريض مبالغ مالية طائلة ويعلم الطبيب مسبقا بنسب نجاحها .. أين الجانب الإنساني في مراعاة ظروف المرضى المادية وتخفيض أجور العمليات

خاصة في حالات الوفاة ؟!
المخلفات الطبية
أغلب القاطنين بجانب المشافي الخاصة ذكروا أن عناصر المشفى المسؤولين عن النظافة يقومون برمي المخلفات الطبية الناتجة عن العمليات الجراحية في حاويات القمامة الموجودة في الحي ما يشكل خطراً صحياً كبيراً على الجميع وخصوصاً

الأطفال الذين يعبثون في هذه الحاويات والتي من الممكن أن تسبب لهم الكثير من الأمراض، إضافة إلى الأضرار البيئية والصحية بشكل عام.
دور رقابي
شرح الدكتور بشار مصطفى نقيب أطباء حمص أن دور النقابة هو دور رقابي على كل ما يهم ويمس العمل الطبي وحسن استقبال المريض والنظافة وذلك من خلال القيام بجولات مستمرة ، وفي حال وجود أي خلل يتم توجيه وتنبيه المدير الفني في

المشفى أو الأطباء وعند رصد خلل ما يتم رفع كتاب إلى مديرية الصحة لاتخاذ الإجراء المناسب..
وعند سؤالنا عن عدم التزام بعض المشافي الخاصة والأطباء بمعالجة مرضاهم المستفيدين من بطاقة التأمين الصحي أجاب : بأن تسعيرة التأمين لا تتناسب مع الأسعار الرائجة.
الحالات الإسعافية
أشار الدكتور محمد الرئيس رئيس دائرة المشافي في مديرية صحة حمص إلى وجود تعميم يلزم المشافي الخاصة باستقبال الحالات الاسعافية المهددة للحياة أو الناجمة عن الحوادث إن كانت إرهابية أو غيرها بتقديم الخدمات الطبية لها مجاناً لأول

24 ساعة ثم يخير المريض بالبقاء في المشفى أو الانتقال إلى غيره .
تنبيه وإنذار
كما أكد الدكتور الرئيس إلى قيام اللجنة المختصة في الدائرة بجولات دورية على المشافي الخاصة كل ستة أشهر تقريباً, بالإضافة إلى جولات مفاجئة حسب الحاجة وعند وجود شكوى مكتوبة أو مسجلة هاتفياً وذلك وفق القوانين الناظمة في وزارة

الصحة لمراقبة عمل والتزام هذه المشافي بالتعقيم والنظافة وحالة الأجهزة وقسم العمليات وسجلات المشفى والعناية المشددة وجاهزية المشفى بشكل عام وترسل نتائج هذه الجولات لوزارة الصحة ليتم تقييم العمل على أساسها وتنبيه أو إنذار كل من

خالف القوانين .
مسحات جرثومية
كما أضاف : تقوم هذه اللجان أيضاً بإجراء مسحات جرثومية لأكثر الأماكن خطورة وامكانية تعرضها للعدوى ، من حيث التعقيم «غرف العمليات – الحواضن – المخابر – الإسعاف – العناية المشددة- الطعام » وفي حال وجود أي خلل يتم تنبيه

المشفى وإغلاق المكان الملوث ليعقم ثم تقوم هذه اللجنة بفحصه مرة أخرى وفي حال عدم الالتزام بقواعد النظافة والتعقيم يغلق المشفى فوراً لمدة معينة ، مؤكداً أنه لم تسجل أي حالة لإغلاق مشفى خاص في حمص حتى الآن ، وذلك بسبب التزام

المشافي بالقوانين بعد توجيه التنبيه أو الإنذار لأحدها .
أسعار متباينة
ولفت إلى أنه تم تحديد أسعار أجور المشافي الخاصة والأطباء بموجب القرار التنظيمي رقم 79/ت الصادر عام 2004 وتعديلاته الخاص بالتعرفة الطبية, وفي حال وجود أي شكوى من أحد المواطنين حول التلاعب بالأسعار تقوم اللجنة المذكورة

بالتوجه للمشفى المشتكى عليه لاستقصاء الأمر وعند التأكد من مخالفة المشفى يسترد المواطن مستحقاته المالية ، مؤكداً قيامهم باسترجاع أغلب حقوق المواطنين الذين تقدموا بمثل هذه الشكاوى.
ونوه إلى أنه وفقاً للقرار التنظيمي نفسه يتم تسعير العمليات الجراحية من قبل وزارة الصحة وفق نظام “الوحدات “أي أن لكل عملية جراحية عدد من الوحدات الخاصة بها ,تساوي الوحدة في الحد الأدنى 375 ل.س وفي الحد الأعلى 750 ليرة ,

وبالنسبة للأشعة تساوي الوحدة في الحد الأدنى 450 ليرة وفي الحد الأعلى 900 ليرة .
فمثلاً عملية استئصال اللوزتين تعادل 11 وحدة وعملية استئصال اللوزتين مع ناميات 12 وحدة يضاف لها أجور غرف العمليات والتخدير والإقامة والأدوية والتحاليل والمواد الطبية المستعملة وأجور التمريض والأطباء الاختصاصيين ..
الأسعار غير موحدة
بالنسبة لتفاوت أسعار الإقامة في المشافي أوضح نقيب الأطباء أن الأسعار تتفاوت حسب اختلاف درجة الفندقة لكل مشفى ولكل غرفة ضمن المشفى الواحد (غرفة سرير واحد ، غرفة سريرين ، جناح ..) الخ , لأن كل فاتورة لها خصوصيتها من حيث

الخدمات المقدمة وعدد ليالي المبيت في المشفى وسعر الدواء الذي تحدد أسعاره نقابة الصيادلة..
أجهزة أساسية
الدكتور (ف . ع) أشار الى أن هناك أجهزة أساسية يجب أن تكون متوفرة وموجودة في جميع المشافي الخاصة المرخصة أهمها : الصدمة – منفسة للكبار مونيتورات – ماص مفرزات – لأنها تتعلق بالعناية المشددة وأجهزة الإنعاش القلبي وهذه

الأجهزة يتطلب وجودها كحد أدنى..
أما الأجهزة الأخرى فتتعلق بنوعية الاختصاص المرخص له فمثلاً اختصاص الجراحة العامة يتطلب وجود ( الإيكو ) وهو متوافر في كل المشافي إضافة إلى جهاز الأشعة البسيط والنقالة وكذلك اختصاص الجراحة العظمية يتطلب وجود الجهاز

القوسي ,أما اختصاص الجراحة العصبية فيتطلب وجود جهازي التنظير الشعاعي والطبقي المحوري وهي موجودة في تلك المشافي وفي بعض الأحيان يحدث تقصير بحجة الصيانة ومن الضروري تأمين بديل عنها كما أن وجود براد الجثث إلزامي

وإذا لم يؤمنه المشفى تصل عقوبة هذه المخالفة حد الإغلاق حسب القانون .
بقي أن نقول :
نأمل من الجهات المعنية في المشافي الخاصة إعادة النظر بجميع الخدمات الطبية المقدمة للمواطن “المريض” المنهك سلفاً من الغلاء دون مرض , وكل ما يتعلق بالفواتير التي باتت تشكل رعبا حقيقيا للمريض وذويه , وأن تكون حياة المريض

وصحته هي الهدف في النهاية .
شذا الغانم

العروبة

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات