لا تختلف ظروف التحضيرات لعيد الفطر في سوريا هذا العام عنها في السنوات التسع السابقة، ففي دمشق سطعت الأضواء فوق العادة، معبّرة عن إرادة حياة أهلها، وإن أظهرت قسوة النزوح عن الديار وتباعد المسافات التي فرضتها الحرب بين أبناء الشعب الواحد.

فالعمليات الإرهابية التي شهدتها سوريا، دمرت الكثير من أحيائها ومعالمها الأثرية منذ بداية الحرب الشرسة  قبل تسع سنوات، فاضطر مئات الآلاف للنزوح.

قلب مقهور

"آه على العيد بحلب بين الأهل والأخوة" ــ بهذا الوجع استحضر مصطفى الأتاسي  (55 عاما) ذكرياته عن الاحتفالات بالأعياد في مدينته العريقة.

وأضاف الأتاسي لموقع "سيريا ديلي نيوز"  كنا نزور جميع جوامع حلب ليلة العيد…وقبل العيد بشهر.

كانت المتاجر تفتح أبوابها ليلا نهارا…لم يكن ينقصنا شيء وكانت البيوت ترقص رقصا بضجيج العائلة الذي أفتقده.

قبل نحو تسع سنوات فقط كان عزوز  صاحب مصنع حلويات  في حي مخفر الميدان في حلب، ويسكن مع عائلته في منزل "يرمح فيه الخيال"، على حد وصفه، مع زوجته وأبنائه الأربعة محمد وخالد وأميرة وسميرة الذين كانوا يتابعون دراستهم في الجامعات والمدارس.

 لكنهم اليوم يسكنون منزلا متواضعاً في العاصمة السورية دمشق  وتعمل ابنته الكبرى في متجر لبيع الملابس لمساعدة والدها بدفع الإيجار.

"خسرنا كل شيء وأصبح من الذكريات" ــ قالها الأتاسي بعينين شردتا بعيداً إلى منزل وحي تحولا ركاما "لم نُخرِج من البيت لا خيطا ولا إبرة  ونجونا بمعجزة إلهية."

واستعاد العم  أيام الاحتفال بالعيد  بالقول "كنا نقضي أول أيام العيد في منزل والديّ الله يرحمهما، توفيا أثناء الحرب- وكانت الموائد تمتد وعليها كل أنواع الطبخ الحلبي والحلويات والمكسرات على أنواعها وكان كل بيت يحضر صدر كنافة يطعم أهل الحي بالكامل.

ختم كلامه، قائلا "شو بدنا نعمل… هذه هي حال الحروب…تشرد وفقر وجوع وتخلف…لا علم ولا دراسة ولا أي شيء. يحتار كل واحد كيف سيعيل عائلته.

تغيرت أولويات الناس

ورغم أن المحلات على اختلافها، أعلنت عن تخفيضات وعروض لجذب الناس إلى الشراء، ورغم الرسائل القصيرة التي تلقاها السوريون على هواتفهم الخلوية والتي تعد بحسومات هائلة، لكن ذلك لم يفلح في جذب السوريين الذين توجهوا بكثرة إلى الأسواق الشعبية ذات الأسعار الرخيصة.

يقول أحد أصحاب المحال التجارية في حي الميدان بدمشق، تغيرت أولويات الناس خلال السنوات الخمس، لافتاً بأن "المواطن بات يفكر كثيراً قبل الإقدام على شراء أي شيء، حتى أن العادات والسلوكيات قد تغيرت. فالأسر السورية اعتادت على تحضير الأكلات والحلويات، ولكن هذه التقاليد انحسرت قليلا، إلا أن ذلك لم يستطع أن يلغي مظاهر البهجة التي سادت خلال العيد شوارع وأحياء دمشق مثل الميدان والبزورية وسوق الحميدية وغيرها.

حالة من المحبة والألفة..

تقول أم رشيد، وهي ربة منزل "إن صناعة الكعك تشكل حالة من المحبة والألفة بين الأقارب والجيران حيث تجتمع النسوة ويتقاسمن العمل.

تكمل الأم والتي حرمتها الحرب من ابنها رشيد وموسى اللذين استشهدا في معارك الدفاع عن البلد ضد الإرهاب برغم الجراح والآلام والدموع. هناك متسع للفرح الغافي في حضن الأمل وهم أحفادي أولاد الشهيدين… لذلك فالأمل دائما باقِ نستمده من الله لنظهر البهجة والفرح، ونتبادل السلام والمودة ونعزز فيها قيم  الأخوة والحب.

ويقول بلال العزوز، وهو طبيب إن "الحرب في البلاد لم تترك مكانا للبسمة، فالكثير من العائلات فقدت أحد أفرادها، فهو إما شهيد أو مخطوف أو مفقود أو مهاجر، فهموم السوريين أكبر من أي فرح.

ضعف القدرة الشرائية

 وفي أسواق دمشق، هناك نشاط حيث يتوافد عدد من الناس على الأسواق، إلا أن مستويات الشراء في أدنى حالاتها، فأصحاب المحال يشكون دخول الكثير من الزبائن  في اليوم، غير أن من يشتري لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة كما يقولون.

وارتفعت الأسعار في سوريا عدة أضعاف لنقص في المواد وعدم توفرها أو ارتفاع التكلفة الأساسية لها، فضلا عن صعوبة نقلها بسبب الظروف الأمنية المتدهورة، إضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، الذي يعتبر "شماعة" يعلق عليها التجار كل أسباب رفع أسعار بضائعهم.   

وأوضح أمين سر "جمعية حماية المستهلك" في دمشق وريفها، جمال السطل في تصريح لموقع "سيريا ديلي نيوز"، أن حركة أسواق العيد بدمشق في حدودها الدنيا، مرجعاً السبب في ذلك، إلى ضعف القدرة الشرائية لمعظم المواطنين الناتج عن ارتفاع الأسعار.

وأشار السطل ،إلى أن "دخل المستهلك تآكل بنسبة 80 %، حيث لم يعد الترشيد ينفع معه كون دخله لم يعد يكفي لسد احتياجاته الأساسية".

ونوه السطل، إلى أن ضعف الحركة والإقبال على مستلزمات العيد، ناتج عن الضغوط المادية الكبيرة لدى معظم المستهلكين، لافتاً إلى أن معظم المستهلكين ابتعدوا عن شراء الحلويات، مؤكداً على الجهات الرقابية ضرورة تشديد الرقابة على بائعي الحلويات، كون أسعارها أصبحت خارجة عن المعقول.

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات