خاص سيريا ديلي نيوز - موسى حاج عبدو

تصورنا للشيء قد يكون مختلفا، عن الشيء على أرض الواقع، فكثيرا ماتخلق في ذواتنا تصورات مشوهة عن حقائق مجتمعية، تؤدي إلى تشويه الصورة، وتشويهها في أذهاننا، هذا حال العنوسة، وتصورنا الخاطئ لها واختزالها في المرأة أكثر من الرجل، فالواقع يشير أن كلمة العانس التي تؤلم الفتاة وتنعكس على كينونتها سلبا، تطلق على الرجال أيضا.

تعرف كلمة عانس لغويا من كبر من الرجال أو النساء ولم يتزوج، فاللغة أوضحت في المعاجم أن كلمة عانس تطلق على الجنسين.

أما التعريف الاجتماعي (الاصطلاحي) لكلمة عانس، فهور شعور ذاتي لدى الفتاة، وإشعار مجتمعي للفتاة، أنها تعدت سن الزواج المتعارف عليه عند كل مجتمع.

إذا إن أردت دراسة مسألة العنوسة، يجب القيام ببحث واستكشاف واقع الفتيات باختلاف مجتمعاتهن، والغوص في أسباب تأخرها عن الزواج، أو كيف فاتها قطار الزواج.

في الحقيقة يختلف سن العنوسة من مجتمع لآخر أو من بيئة لأخرى، وفق جملة من العوامل والمؤثرات والظروف التي تحيط بها، وفي المحصلة تحصر الفتاة في ”خانة اليك”، وتنعت بعد سن معين أنها عانس، لاتستغرب إن شاهدت لدى فئة مجتمعية ما إن تجاوزت الفتاة سن (18) يعتبرونها عانس، وقد تلحظ لدى فئة أخرى لا يعتبرون الفتاة عانسا ولو تجاوزت سن (30).

إذا ألقى مهتم نظرة لمحيط مجتمعاتنا، يمكن أن يجد زمر متعددة من الفتيات وهن عذباوات تتراوح أعمارهن مابين (42-26) سنة، قد يجد (الثرية، الفقيرة، موظفة، جليسة المنزل...)، فنستلخص أن عدم الزواج لايرتبط اطلاقا بانتماء الفتاة لوسط اجتماعي وطبقي معين، لكن الشيء المثير للحفيظة والمؤلم، هو أن تتعرض الفتاة للإهانة والابتزاز، فالمجتمع دوامة تدور فيها الحكايا والأقاويل والترهات الساخرة، ولن تجد مكانا للصمت، وأول مايتم السؤال عنه، لماذا لم تتزوج في سن مبكر، ناهيك عن وضعهم ألف إشارة استفهام وتعجب وأباطيل يمكن أن تطال كرامة الفتاة!!؟.

لاشك فيه أن هناك عشرات أو ربما مئات المقالات أعدت ونشرت عن أسباب العنوسة، لكن في هذا المقال سأحاول جاهدا تلخيص أبرز الأسباب التي تؤدي إلى عدم زواج الفتاة في مجتمعنا السوري عامة.

أولا: تضحية بعض الفتيات بأنفسهن في سبيل عائلتهن، كرعاية أم مريضة أو عاجزة، ورعاية أخوتها الصغار، وكما يمكن أن تقع ضحية جشع والدها يمنعها من الزواج وطمعا في راتبها الشهري إن كانت موظفة.

ثانيا: تلعب الصفات العامة للفتاة دورا بارزا لعدم زواجها، كأن لاتتمتع بصفات الجمال أو الرشاقة أو الأنوثة، ففي هذه الحالة يمكن ملاحظة شيء مثير للدهشة، وهو أن النسوة اللاتي تزرن الفتيات ذوات تلك الصفات بمنزلهن، وتدعون لهن أدعية الزواج كقولهن ”الله يستر عليكي ويبعتلك ابن الحلال”، دون التفكير بهن كزوجات لأبناءهن، فهن تبحثن عن المظهر عوضا عن التماس حقيقة تلك الفتيات الإنسانية وثقافتها المكتسبة وتطلعاتها في الحياة.

ثالثا: تدفع الفتاة ضريبة بحثها عن شخصيتها وذاتها في تحررها، مثلا كتواجدها بمكان العمل، وفي صخب وضوضاء المجتمع الذي تعيش فيه، في الحقيقة هذه الفتاة تكون شخصيتها مستقلة عن أسرتها، ولها خصوصية في ذاتها، وبالتالي قد تستبعد من قبل الرجال كزوجة، فهم غالبا يفكرون فيها مثل (زميلة - صديقة...).

رابعا: للفكر والانتماء الطائفي وتعدد الطوائف والمذاهب تأثير في عدم ارتباط الفتاة وزواجها.

خامسا: تدخل الأهل في حياة ابنتهم الخاصة، وفرض آرائهم عليها لاسيما في اختيار عريسها، ووضعهم شروطا على مواصفات عريس ابنتهم يمكن وصفها بالخيالي!!.

سادسا: لاشك أن للسنوات العجاف التي شهدها وطننا سورية والمؤامرة التي حيكت ضدها، أثرت على تراجع نسب الزواج، نتيجة تراجع الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن جراء الأزمة، وحالت دون تمكن الشباب من الزواج بسبب وارتفاع تكاليف الزواج الناتجة عن العادات والتقاليد الشعبية،  

ومن تأثير الأزمة وانعاكساتها على الزواج، هو سفر وهجرة الشباب.

سابعا: تعرض الفتاة لصدمة عاطفية أو نفسية نتيجة فقدها لخطيبها أو حبيبها، ففي هذه الحالة يمكن أن تتمسك الفتاة بعهدها وتأبى الزواج من آخرين، ويضاف أيضا أن تفقد الفتاة الثقة بالرجال إن كانت تعرضت للخيانة وعدم الوفاء من أحدهم.

أود الإشارة إلى أن هناك فئة من الفتيات في مجتمعنا السوري، لاتفكر بالزواج بالمنظور القريب، فهي الفتاة الجامعية الطموحة والمثقفة، هي بشخصيتها تهاجم المجتمع وتنتقده على تدخله بحياتها، وتتسآل لما ينعتون الشبان بمصطلح ”عانس”، وربما يقلن أنحن كفتيات نكرة في قواميسهم؟.

إن كلمة ”عانس” ليست مجرد كلمة عادية لدى بعض الفتيات، فلها تأثير سلبي عليهن، فأول شيء قد تفكر فيه، أن مسألة ارتباطها برجل أعزب بصفات مثالية لتطلعاتها بات مستحيلا، فسترضى في نهاية المطاف بالزواج من رجل مطلق، أرمل، كبير بالسن، ويمكن أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة...

فالعنوسة تضع الفتاة في حالة ترثى لها، وتعرضها لحالة من القلق والكبت والغيرة والعدائية...، وتعاني من اضطرابات نفسية، ناهيك فقدانها لاستقلاليتها، أو تصبح ضحية أحد الرجال المتربصين بها كالذئاب.

أحيانا تنقل بعض وسائل الإعلام عن احصائيات تحاكي معدل ونسب العنوسة، هل بالفعل الأرقام التي يتم تداولها في تلك الوسائل دقيقة وواقعية؟، قرأت مؤخرا تقريرا على أحد المواقع أن إذاعة ”هولندية” أجرت إحصاء قبل عامين تقريبا بعدد العانسات في سورية، حيث أدعت الإذاعة أن نسبة العانسات في سورية قد وصل إلى 70%، فبكل بساطة هذا الإحصاء يثير السخرية وليس له صلة بالواقع، كيف أجرت هذه الإذاعة احصائها وعلى ماذا اعتمدت وماهي الآلية التي اتبعتها أثناء إجراء احصائها، فالهدف واضح هو تمرير خبر للفت الانتباه لا أكثر أو لغاية مشينة تدور في فلكهم.

فالعنوسة بكل بساطة لايمكن وضع احصاء دقيق أو غير دقيق لها، لأن العنوسة شيء شعوري موجود في ذات الإنسان، فهو ليس مصطلح قانوني ولاعلمي، لكي يحصى ”بنسبة”، بل هو مصطلح اجتماعي له أبعاد مختلفة مثل (الجهل - الإساءة - عادات وتقاليد كل مجتمع)، لكن الفتاة ذات الإرادة القوية والمحققة لطموحاتها حتى لو كانت قد تجاوزت (30) سنة، لا ترى في نفسها أنها عانس، وبالتأكيد تدرك أن هدف أولئك المجحفين بحقها هو تقليل من شأنها وأدوارها البارزة في المجتمع وفي كافة مناحي الحياة، متسلحة بعلمها وتفكيرها وبذاتها ”هي”.

 

التعليقات