الإجتماع الذي ترأسه رئيس الحكومة قبل فترة وحضره مجموعة من المحافظين والوزراء المعنيين بعملية إعمار المناطق والمدن المدمرة .. يضع فاصلا زمنيا واضحا ستتغير بعده بكل تأكيد أولويات عمل الحكومة باتجاه الانتقال من " الإسعافي " الذي أتقنته في كل المناطق التي حررها الجيش . عبر إظهار قدرة الدولة على استيعاب احتياجات الناس من خدمات ومتطلبات أساسية بالتوازي مع القدرة على استيعاب الحالة الاقتصادية ومقاربتها ومن ثم تحويلها إلى أولوية .

تم إسعاف االمناطق الصناعية والحرفية بغية تأمين انتقالها السريع قدر الإمكان الى مرحلة العمل والانتاج . فدخلت المؤسسة الحكومية بالتعاون مع الاتحادات المعنية وعبر التواصل المباشر مع الصناعيين والمنتجين في صلب المشاكل البنيوية واللوجستية والتنظيمية للصناعة السورية ولكامل بنية الانتاج في البلاد .. ماساعد مع الانفاق الحكومي الذي لم يكن قليلاً في إحداث حركة لابأس به على مستوى النشاط الاقتصادي والتنموي ومعه الخدمي ..

ليس سهلا ما ينتظر الحكومة التي استطاعت تأمين مئات المليارات لتصرفها وفق خطط زمنية في مختلف المناطق المحررة وأيضا الآمنة .. على إعادة الخدمات وتواجد الدولة في المناطق المحررة . أعادت الهاتف والكهرباء والمياه والمدرسة والطرقات ومخفر الشرطة والبلدية ووو ..

 لتبدأ لاحقا بإتاحة فسحة جيدة لاتخلو من مغامرة وشجاعة مع " محدودية الامكانيات " للمشاريع التنموية بما يساعد لاحقا على دعم الخدمات وجودتها واستمراريتها ..

بالمقابل وفي المناطق الآمنة .. نستطيع الحديث عن مشاريع زراعية وسدات وإكمال سدود وفتح طرق بعضها يربط محافظات .. نستطيع السماع عن مشاريع كبرى لمشافي ومصانع ومباقر وغيرها الكثير الذي لم يتوقف عند دعم المزارعين باشكال مختلفة ..

لنصل الى الإعمار الذي تقوده الحكومة بطريق تحفظ السيادة وتمنع الانجرار دون وعي وراء المال الخارجي حين يأتي .. وسيأتي ؟

رغم كل محاولات تشويه القانون عشرة فقد تم الدفاع عنه بشكل احترافي وبالأمس فقط قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم ..

" القانون عشرة ضروري بعد تحرير الغوطة من الإرهاب لأن المجموعات الإرهابية سيطرت على مناطق الغوطة الشرقية طيلة سبع سنوات وأحرقت السجلات العقارية وتلاعبت بالملكيات الخاصة وبالعقارات وبالتالي كان لا بد من تنظيم الملكيات لإعادة الحقوق لأصحابها.

وتابع المعلم إن تنظيم المناطق يعني لكل مالك أن يتصور بأن متر الأرض التي يملكها سيرتفع 100 ضعف كما حصل في مشروع خلف الرازي.. من هنا أقول مهما فعلنا فالمؤامرة مستمرة وأي شيء يصدر فستجد حملة عالمية بشأنه " .

القانون عشرة وكل القرارات التي صدرت فيما يخص مناطق التطوير العمراني و تنظيم المناطق العشوائية إنما يهدف الى الخروج بوجه جديد لسورية بلا سرطانات العشوائيات مع ضمان حقوق الناس وصونها وذلك خلافا لما تم الترويج له من القانون عشرة .

تدرك حكومة المهندس عماد خميس أنّه لابدّ من التعامل بثقة وذكاء مع المرحلة القادمة الصعبة والتي ستقرر مستقبل البلاد العمراني والاقتصادي والتنموي ..

ولانعتقد أنّ المهندس عماد خميس الحريص "جداً " على ترك بصمة حقيقية خلال فترة إدارته للسلطة التنفيذية سيتخلى عن فرصة تغيير ما غيرته الحرب بل وتغيير ما كان قبل الحرب ..

المراقب لاجتماعات وتحركات الحكومة يلاحظ أنّ صياغة الشكل العمراني للمناطق المحررة و للآمنة ينصب على فكرة جوهرية ويبدو أنّها صارت نهجا للعمل " ومدعوما من القيادة " وهي اصلاح ما فعلته عقود من انتشار للسكن العشوائي في محتلف المحافظات ابتداءً من العاصمة دمشق , و بناء ما هدمته الحرب و"تسبب بها " ربما وفق أسس عمرانية منظمة ومتطورة تراعي الملكيات الخاصة في المناطق التي حرق فيها الارهاب السجلات العقارية بل وكان شكلها العشوائي سبباً في احتضان الارهاب ونموه في تلك المناطق دون أن نستبعد دور ضعف تخديم تلك المناطق قبل الحرب خاصة لجهة التعليم الأمر الذي تسبب في زيادة أهليتها على استيعاب الفكر المتطرف واحتضان الإرهاب وحتى إنتاجه .. ؟ .

على كل يخطئ من يعتقد أنّ الدولة و الحكومة ليس لديها رؤيا ومنهج واضح لما ستكون عليه سورية تنظيمياً , وثمة عصف فكري ما زال جارياً وسشكل بمجمله حين يخرج الى النور الإطار التشريعي والقانوني الذي سيخرج سورية من الحرب الى الاعمار والازدهار .

والحكومة إن كانت تحسن حاليا صياغة الأطر القانونية و التخطيط السليم للمناطق المدمرة والعشوائية .. بل وتتعدى الأمر الى امتلاك ناصية البدء بالاعمار ولو على نطاق محدود ولكن مهم للغاية .. في جعل الخطوات التالية أكثر اتزاناً وتوجيها نحو تحويل ما يجري كتابته والتخطيط له وقيادة الحوارات بشأنه الى واقع قد لا نستطيع تحديده زمنيا كون الأمر مرتبط بانتهاء الحرب بشكل كامل وإزالة العقوبات تالياً , و بدء التسويات الدولية بشأن سورية والتي ستتضمن مؤتمرات مانحين فالدول التي دمرت ستدفع تعويضات .. ومؤتمرات إعادة اعمار فالدول التي شاركت في تدمير سورية ستحرص على أن يكون لها حصة في إعادة الاعمار وكلنا لاحظ الاعلان الالماني الواضح في هذا السياق وحيث تقود جهات حكومية وخاصة ألمانية حراكاً قوياً وجدياً من أجل المساهمة في إعادة الإعمار وهو ما طرحته ميركل بوضوح وبشكل مباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في قمة جمعتهما سويةً قبل فترة وجيزة .

بعد قليل ستكون سورية وجهة وقبلة العالم أجمع من أجل المساهمة في إعادة الاعمار والبناء " فيها فالحرب التي طحنتنا ودمرت مدننا وقتلت الكثير من جنودنا وهجرت و أفقرت وو " تبدو استثماراً مذهلا لدول وشركات دولية و إقليمية . بل سورية باتا فعلاً فرصة ثمينة للاستثمار والأرباح ليس من السهل التخلي عن حصة فيها .

كل ذلك يقودنا الى التشديد على أهمية ماتقوم به الحكومة لجهة تعبيد الطريق الى المرحلة القادمة بما يحمي سيادة البلاد ويؤمن مصالح شعبها ..

وهذا يقودنا الى تفصيل آخر مهم ويحسب للحكومة ويتجلى في تحريك الاقتصاد الانتاجي بكافة تفاصيله بدءا من الاقتصاد الريفي وصولا الى المشاريع الكبرى حديد وصلب واسمنت وزجاج وتجميع سيارات ما شابهها .. وهذا كله سيخلق المال .. المال الذي سيتم توجيهه بشكل طبيعي وتلقائي نحو القطاع العقاري وإعادة الإعمار .

أي أنّ الحكومة عرفت حتى الآن قيادة الأولويات بشكل صحيح . فإنتاج المال عبر الصناعة والزراعة و الحرف وو وتشغيل اليد العاملة و تأمين السلع لسوق المحلية و التصدير كلها أمور ستشكل بمجملها مصفوفة صحيحة رغم بعض مواضع الضعف التي لاتزال تعاني منها البلاد وخاصة " التهريب و التدريب والفساد " ..

 مصفوفة كلما تمت تقويتها أكثر وكلما رُفع صوت الآلة فيها و اخضرت الحقول بسببها وأبدعت الأيادي وانتشرت الورش فيها سيكون هناك مال وأرباح وسيكون هناك نتائج مباشرة على قطاع البناء والاعمار . وستكون خيوط إعادة الإعمار أكثر اتزانا وتحقيقاً لمكوناتها واتجاهاتها بحيث تلتقي مكونات العملية المحلية و الخارجية على نقطة واحدة هي سيادة ومصلحة البلاد وضمان مستقبل أجيالها .

بمعنى أن إعادة الإعمار واستيعاب الدمار الهائل الذي لحق بمناطق ومدن كثيرة في البلاد لن يتحقق إلا بإدارة حكيمة ورشيدة تقضي بإنعاش هذه المناطق اقتصاديا بما يحسن معيشة الناس ويخلق حركة أموال يمكن توجيهها نحو إعادة الاعمار وعلى المستوى الفردي و الاجتماعي ولكن ضمن الرؤية التنظيمية التي تضعها الحكومة .

لاعودة لزمن العشوائيات .. وكل مادمرته الحرب ستتم اعادة صياغته ضمن تخطيط كلي ورؤيا شاملة لاوجود للعشوائيات فيها .. والقانون عشرة وغيره يشكل سند قانوني لقوة الدولة وسيطرتها على شكل المدن والمناطق وتنظيمها وتطويرها عمرانيا واقتصاديا وتنمويا

سيريا ديلي نيوز


التعليقات