اعتاد السوريون في الآونة الأخيرة ابتكار أساليب جديدة تساعدهم على التأقلم مع الظروف الطارئة التي فرضتها الحرب، وأثرت بشكل مباشر على الوضع المعيشي، لكن ظروف التأقلم هذه فاقت طاقة التحمل عند المواطنين، وباتت الغالبية العظمى عاجزة عن تحقيق أدنى مقومات العيش بكرامة، وكثيرون أيضاً لا يعلمون حتى اللحظة ماهية صمودهم، ولماذا هم يصمدون، وكيف سيصمدون لاحقاً؟

في استطلاع أجرته “الأيام” عن كيفية تأقلم المواطن السوري رصدنا العديد من الآراء المتباينة. منهم من سخر منا بطريقة وصلت حد العدائية، وقال كيف تجرؤون على سؤالنا كيف نعيش؟ وهل نحن حقاً على قيد الحياة؟ وانقلبت الأدوار وأصبحنا عاجزين أمامه عن تساؤلاته.

التأقلم على مبدأ “مُجبرٌ أخاك”

تقول أم أحمد “مستخدمة في مدرسة حكومية”: “منذ العام الثالث للحرب، استغنينا عن مدفأة المازوت، بسبب سعر المازوت الذي كان يرتفع تدريجياً هذا إن وجد، اتجهنا إلى التدفئة عن طريق الكهرباء طبعاً في ساعات عدم التقنين، والتي هي لا تتجاوز 8 ساعات من أصل 24 ساعة، وفي أغلب الأحيان تكون وسيلة التدفئة هي الأغطية حصراً، اعتدنا هذا الأمر، يجب أن نتأقلم مع واقعنا وفقرنا وبؤسنا.”

لعل أم أحمد لم تر في سؤالنا ما يثير الضحك مثل سامية مدرسة الابتدائي، أو لأن سؤالنا اختلف فمن غير المنطقي أن نسأل أم أحمد بوضعها وفقرها إذا كانت تتناول اللحوم، الأمر الذي أضحك سامية مؤكدة أنها منذ سنتين لم تشتر أوقية لحمة، وتحايلت على الظرف واستبدلتها بـ “فول الصويا”، واستطاعت أن تقنع أبناءها الأربعة بأنها تستطيع أن تحضر لهم وجبتين من اللحوم أسبوعياً على حد قولها.

وأضافت سامية: “أجبرتنا الظروف على ممارسة فنون الكذب والغش وهما بأي حال كبديل أسهل للإقناع”.

ابتكارات متتالية

 ابتكارات متعددة توالت في سنوات الحرب لأزمات الغاز، وكان آخرها منذ قرابة الشهر، ما جعل المواطن السوري يبتكر الكثير من الطرق، للتعايش مع أزمة الغاز ليتدبر أموره الحياتية، تقول رهف شأننا شأن الكثير من السوريين، نحضر طعامنا عن طريق محضر الطعام، ونستخدم الأدوات الكهربائية الخاصة بتسخين المياه لتحضير الشاي والقهوة وباقي المشروبات، طبعاً حددنا مواعيد الوجبات الثلاث بما يتناسب ووضع الكهرباء.

أما أم دانيال، فتقول إنها مستعدة أن تشتري جرة الغاز بـ 10000 ليرة سورية، وأن لا تنقطع من الغاز فهي غير مستعدة لابتكار اختراعات جديدة لتحضير الطعام والشراب.

في حين يرى ثابت “موظف قطاع خاص” يقطن في منزل مشترك مع صديق له، نحن كشباب لا نتأثر بانقطاع الغاز، فحلنا سهل وسريع وهو الطعام الجاهز والمشروبات الجاهزة، نقضي وقت طويل خارج المنزل ونحاول تناول طعامنا في عملنا عندما لا يكون لدينا غاز، فهذا الحل أسهل من الانتظار في طوابير طويلة للحصول على أسطوانة الغاز.

شادية ربة منزل وأم لأطفال صغار تقول: “بسبب انقطاع الغاز اضطررت للاعتماد على الطعام الذي لا يحتاج لطهي، والنواشف، والسلطات، لكن مشكلتي الحقيقة كانت في تحضير وجبات الحليب لأطفالي، والطعام المغذي، لأنه حتى الكهرباء، تقنينها كثير وغير منظم”.

لا للرفاهية

 رنا من سكان المزة تضحك قائلة: “كمل النقر بزعرور، لا غاز لا مازوت لا كهرباء، والآن منذ عدة أيام بدأ تقنين جديد يخص المياه، في سنوات الهاون والمسلحين لم نكن نعاني ما نعانيه الآن من أزمات معيشية، هل يريدوننا بعد كل هذا الصبر في سنوات الحرب السابقة، أن نهجر البلد، لأفهمهم إن تركنا هذا البلد بسبب الضغوطات المعيشية والتي سببها الأساسي فشل الحكومة الذريع في إدارة الأزمة، هم على من سيمارسون سلطاتهم”.

نهى كان لها وجهة نظر مختلفة عن رنا حيث ترى أن البلد تمر بظروف صعبة وأنها ما زالت قادرة أن تصمد وتقدم لشعبها الكثير من الخدمات والفرص وعلينا أن نراعي هذه الظروف، تتابع نهى: “لا أنكر أن هناك أخطاء وفسادا ومحسوبيات وأن رواتبنا في هذه الأيام  قروش، لكن علينا أن نتحايل على هذه الظروف، فهذا الموجود حالياً وليس بإمكاننا أن نفعل شيء، فأنا على سبيل المثال منذ أن بدأت أسعار الملابس تتضاعف، توجهت لأسواق البالة، تخليت عن الكثير من المواد الغذائية التي تعدّ رفاهية، أشتري القليل من اللحم الأحمر وأوزعه على أكثر من طبخة، الفواكه والخضروات أشتريها بالقطعة وكميات قليلة. ما يسمى بسيارة الأجرة لا أستقلها مهما كانت الأسباب، أعتمد المواصلات العامة والمشي، وهذا كله وأنا أعمل عملين لأؤمن قوت يومي ويوم طفلي الذي تيتم منذ بداية الحرب”.

أكثر من عمل “دون جدوى”

لاحياة لمن تنادي… استطاعت الحرب على سورية أن تلغي الطبقة الوسطى التي كانت أكبر الطبقات في المجتمع السوري، لينقسم المجتمع إلى طبقتين فقط، طبقة غنية، وأكثرها الوجوه الجديدة، وطبقة فقيرة تعاني الفقر والجوع والمرض. فالمعاشات التي يتقاضاها المواطنون السوريون سواء قطاع عام أو خاص، لا تكفي في ظل غلاء الأسعار لأكثر من ثلاثة أيام.

سمير محمد “مهندس في قطاع حكومي” نهاراً براتب لا يتجاوز 40 ألف ل.س، وفي شركة خاصة ليلاً براتب 60 ألف، وهو يبحث حالياً على عمل ثالث من المنزل أي من خلال النت، ووسائل عملها المتاحة، لعله يستطيع أن يوفر القليل من المال ليستطيع أن يؤسس عائلة، فلقد دخل في السنة الرابعة في خطبته، وهو عاجز عن تأمين بعض المال لتكاليف الزواج.

 الكثير من الدراسات لخبراء اقتصاديين أكدت أن دخل المواطن السوري لا يتناسب نهائياُ مع متطلبات غلاء الأسعار الجنونية سواء في المسكن والغذائيات أو وسائل التدفئة الخ… لكن الحكومة تعيش في واد والمواطن السوري يعيش في فقره وبؤسه وانشغاله الدائم في تأمين لقمة عيشه.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات