في تطوّر جديد يُضاف إلى سلسلة التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، أعربت كلٌّ من روسيا وتركيا عن قلق بالغ إزاء الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت عسكرية في العاصمة دمشق ومحافظة السويداء. وبينما عبّرت موسكو عن رفضها القاطع لهذه "الاعتداءات السافرة"، تبنّت أنقرة موقفًا أكثر انخراطًا دبلوماسيًا، مع التركيز على سبل التهدئة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
وزارة الخارجية الروسية لم تتردد في وصف الغارات بأنها انتهاك فاضح للقانون الدولي ولسيادة سوريا، مؤكدة أن هذه العمليات تُهدّد جهود الاستقرار وتزيد من تعقيد المشهد الأمني الإقليمي. وأعادت موسكو التأكيد على موقفها الداعم لوحدة الأراضي السورية، مشددة أن الحل لا يكون إلا عبر مسار سياسي شامل يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
في المقابل، جاء موقف أنقرة أكثر ديناميكية. فبعد مكالمة هاتفية بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، صدر بيان تركي يعكس قلقًا من تصاعد العنف جنوب سوريا. أكد أردوغان ضرورة تفادي مزيد من التصعيد، مشيرًا إلى استعداد تركيا للعب دور فعّال في تهدئة الأوضاع، سواء عبر التنسيق الثنائي مع موسكو أو عبر المنصات الدولية.
كما أبرز البيان دعم تركيا للجهود الدبلوماسية، لا سيما عبر مسار أستانا واللجنة الدستورية، مشددًا على أهمية التمثيل العادل لجميع المكوّنات السورية في أي حلّ مستقبلي.
الاختلاف في اللهجة بين الموقفين لا يعني تناقضًا في الأهداف. فكلا البلدين يعارض التصعيد الإسرائيلي، لكنهما يسلكان مسارات مختلفة:
تركيا تحاول ترسيخ دورها كوسيط فاعل في المنطقة، خصوصًا مع تجديد استعدادها لاستضافة جولة جديدة من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، ما يبرز طموحها للعب دور محوري في الملفات الإقليمية والدولية.
أحداث سوريا تبقى في قلب معادلات الشرق الأوسط، وكل تطوّر عسكري فيها ينعكس مباشرة على التوازنات الدولية. وبينما تتباين المواقف بين الحزم الروسي والدبلوماسية التركية، يبقى الحوار السياسي هو السبيل الوحيد لتجنب الانزلاق نحو مزيد من العنف.
وفي سياق متصل تقول الدكتورة سماهر الخطيب، الخبيرة في العلاقات الدولية، إن التنسيق الروسي–التركي في الملف السوري لم يعد مجرد تنسيق عسكري محدود، بل بات ضرورة جيوسياسية ملحة في ظل انسحاب تدريجي للفاعلين الغربيين من المشهد السوري.
وتوضح أن توقيت الاتصال بين أردوغان وبوتين لم يكن عابرًا، بل جاء في أعقاب هجوم إسرائيلي واسع استهدف منشآت عسكرية سورية، ووسط تصعيد واضح في الجنوب السوري، وهو ما ينبئ بمرحلة جديدة من التوتر الإقليمي قد تعيد خلط الأوراق.
وترى الخطيب أن بيان الخارجية الروسية تميز بلهجة صارمة، في مقابل صمت شبه كامل من القوى الغربية، ما يعكس خللًا في موازين الردع، كان يتم احتواؤه في السابق بوجود كثيف للجيش الروسي على الأرض.
وتضيف: "اللافت في هذا المشهد هو محاولة تل أبيب تسويق الضربات على أنها لحماية الأقليات، وهو خطاب استخدمته قوى دولية سابقاً لتبرير تدخلها العسكري، مما يعزز فرضية وجود نية مبيّتة لإعادة تدوير مشروع التقسيم أو استنزاف دمشق في حروب جانبية".
أما بشأن تركيا، فتؤكد الخطيب أن أنقرة تحاول التوفيق بين مصالحها الأمنية من جهة، ودورها الوسيط في الملفات الإقليمية من جهة أخرى، لكنها في النهاية تعي أن التصعيد في سوريا قد ينعكس مباشرة على أمنها الحدودي وعلى ملف اللاجئين.
وفي الختام، تحذر الخبيرة الاستراتيجية من تجاهل البعد الطائفي الذي بدأت تظهر ملامحه مجددًا، مشيرة إلى أن الحل لا يمكن أن يكون إلا عبر منظومة حوار وطني شامل برعاية دولية تضمن وحدة البلاد وتوزيعًا عادلًا للسلطة والموارد.
سيريا ديلي نيوز
2025-07-20 16:08:55