يواجه النظام الحالي للأجور في سوريا أزمة غير مسبوقة، حيث يُعد الأسوأ إقليميًا وأحد أسوأ النظم عالميًا. فقد تراجعت القدرة الشرائية للأجور عبر السنوات، وسط ارتفاع كبير في أسعار السلع غير الخاضعة لأي رقابة فعلية، مما يجعل الموظف السوري يتحمل تكاليف أعلى بكثير مقارنة بالدول المجاورة والمعدلات العالمية.
مع تصاعد هذه الأزمة، يربط بعض المسؤولين التدهور الاقتصادي بـ العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، حتى بعد التغيرات السياسية الأخيرة. لكن هناك تساؤلات مهمة تطرح نفسها: هل تعود مشكلة الأجور إلى العقوبات وحدها؟ أم أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا رئيسيًا، مثل مصالح كبار المستثمرين الذين يفضلون الإبقاء على الاقتصاد السوري قائمًا على الاستيراد؟
الحد الأدنى للأجور في سوريا: الأقل إقليميًا وعالميًا
يعتبر الحد الأدنى للأجور في سوريا اليوم الأضعف على مستوى المنطقة بفارق شاسع، حيث يبلغ 278,910 ليرة سورية، أي أقل من 27 دولارًا شهريًا. بينما في الأردن يبلغ 366 دولارًا، وفي العراق 382 دولارًا، وفي تركيا 530 دولارًا، وحتى في لبنان، الذي يعاني أزمة مالية خانقة، يبلغ 400 دولار شهريًا.
بالمقارنة مع متوسط الحد الأدنى للأجور في المنطقة، والذي يصل إلى 386 دولارًا، يتبين أن الأجور السورية لا تشكل سوى 6.9% من هذا المتوسط، مما يعكس الهوة الهائلة في القوة الشرائية للسوريين مقارنة بجيرانهم.
معيار الذهب: تأكيد إضافي على ضعف الأجور
إذا نظرنا إلى الحد الأدنى للأجور وفق المعيار الذهبي، نجد أن الأجور السورية لا تتحسن؛ ففي الأردن يمكن شراء 5.5 غرام من الذهب، وفي العراق 5.7 غرام، وفي تركيا 8 غرامات، أما في سوريا، فلا يستطيع الحد الأدنى للأجور شراء سوى 0.3 غرام من الذهب.
بالمقارنة مع متوسط ما يستطيع الحد الأدنى للأجور في المنطقة شراؤه (5.8 غرامات)، فإن الأجر السوري لا يشكل سوى 5.1% من هذا المتوسط، مما يعكس ضعف القوة الشرائية بشكل واضح.
هل ارتفاع الأجور الاسمي يحل المشكلة؟
ورغم الزيادات الشكلية التي شهدتها الأجور في سوريا خلال السنوات الماضية، فإن هذه الارتفاعات لم تؤدِّ إلى تحسن حقيقي في القدرة الشرائية، بل زادت من المشكلة بسبب غياب مصادر تمويل غير تضخمية لهذه الزيادات.
يرى خبراء اقتصاديون أن الحل يكمن في:
-
ربط الحد الأدنى للأجور بتكاليف المعيشة بشكل دوري، بما يضمن عدم تآكل قيمة الرواتب مع الزمن.
-
تمويل زيادات الأجور من مصادر إنتاجية حقيقية وليس عبر تضخم نقدي، لتجنب إعادة توزيع الثروة لصالح كبار المستثمرين على حساب أصحاب الأجور.
في ظل هذه الصورة القاتمة، يبقى السؤال المطروح: هل تتخذ سوريا خطوات جدية لتحسين النظام الاقتصادي وضمان حد أدنى للأجور يتناسب مع تكاليف المعيشة؟ أم أن المشكلة ستظل قائمة دون حلول واقعية؟
سيريا ديلي نيوز
2025-04-12 15:37:54