للمرة الرابعة خلال شهر، تجدد وزارة النفط وعودها بانفراجات قريبة تحل أزمة المحروقات التي يكاد فقدانها يصيب مختلف المؤسسات بالشلل، وذلك بعد أن تعطل الإنتاج في المعامل والمصانع، وتراجعت الحركة التجارية، وتحولت وسائل النقل العام إلى مغامرة "لمن يجرؤ فقط"، فضلاً عن ارتفاع الأسعار العام الذي رافق اضطرار الصناعيين والتجار للاعتماد على السوق السوداء في تأمين احتياجاتهم من المحروقات.
فكما العادة، ومع كل أزمة جديدة بالمحروقات نجد أن المادة متوفرة وبأية كمية في السوق السوداء، في وقت اضطرت فيه مؤسسات حكومية لتقليص أيام دوام بعض موظفيها، أو التخلي عن مسؤوليتها في نقلهم من وإلى مكان العمل بحجة نفاذ المازوت والبنزين من جعبتها، فهل يعتبر تعطيل مؤسسات ومعامل أسهل من كبح "السوداء" التي تكاد تتحول لبئر نفط لمن يرغب.!
ما بتوفّي
الحال نفسه ينطبق على الأسواق، التي يلحظ من يجول بها اليوم الهدوء الكبير مقارنة بصوت المولدات التي كانت تهدر طيلة اليوم، أما الآن يعود معظم التجار للاعتماد على الليدات، ومنهم من بات يغلق محله باكراً، لأن شراء البنزين والمازوت "ماعد يوفّي" على حد تعبيرهم، فنقل المنتجات إلى محالهم وحده كفيل برفع أسعارها.
نخاف من الوعود.!
أما المصانع فقد أصبح تشغيلها عبئاً على أصحابها، إذ يوضح رئيس منطقة العرقوب الصناعية تيسير دركلت أن معظم المصانع والمعامل متوقفة، ولا يعمل سوى من لديه عقود مضطر لتنفيذها، فيحصل هؤلاء على المازوت من السوق السوداء بسعر 6500-7000 ليرة، أما من تبقى فلا يجرؤ أحد منهم على توقيع أي عقد جديد في الوقت الحالي، موضحاً أن الوعود الحكومية بالانفراجات في كل مرة أصبحت مخيفة أكثر منها مطمئنة، فالواقع الحالي سيء وغير مبشر على الإطلاق.
10 - 30 % زيادة أسعار
ويؤكد دركلت أن الصناعيين لم يستلموا ليتراً واحداً من المازوت منذ أكثر من شهر، علماً أن بعضهم سجل ودفع ثمن المازوت ولم يستلمه، ولدى سؤال الشركة الموردة يكون الجواب "لا نعلم"، علماً أن بعض الصناعات لا يقتصر احتياجها للمحروقات كبديل عن الكهرباء وحسب، بل يدخل بمكونات عملها كمعالجة المعادن وبعض الصناعات النسيجية ومحامص البن والأفران، مما يضطرهم للشراء من السوق السوداء.
ويبيّن دركلت أن الصناعيين الملتزمين بعقود سابقة خاسرين قولاً واحداً أمام تكلفة تأمين المحروقات، متسائلاً: من أين تتغذى السوق السوداء بهذه الكمية من المحروقات والبلد كلها بأزمة، فالأسعار التي يدفعها الصناعي للمحروقات تنعكس بدورها على سعر المنتج النهائي بنسبة تتراوح بين 10-30 % حسب نوع الصناعة، وأكثرها تأثراً المصابغ ومعامل الخيط والمعامل الغذائية.
التركي يترقب
انخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار أثر بدوره على التصدير الذي يواجه صعوبات كبيرة في تحويل الأموال والشحن وارتفاع التكاليف بالمعابر وفقاً لدركلت، حيث ألغى ارتفاع تكاليف الإنتاج الميزة التنافسية الوحيدة للمنتج السوري في الأسواق المجاورة، في وقت يترقب فيه البديل "التركي" تراجع المنتج السوري ليحل محله، موضحاً أن المنتج التركي كان قد أخذ مكان السوري في الأسواق العراقية حتى عام 2016، حيث استردت المنتجات السورية بعدها مكانتها ونشط التصدير لفترة، إلا أنها اليوم عادت للتراجع بشكل كبير.
عدالة بتوزيع الظلم
وعن آلية تأمين المحروقات، طالب دركلت أن تكون الدولة هي المسؤولة فقط عبر مؤسساتها لاستيراد المادة، فالحديث عن السماح للصناعيين والتجار بالاستيراد يعني تحديده بأشخاص معينين، فلا يمكن لأي صناعي أو تاجر أن يستورد محروقات، إذ يحتاجون ملاءة مالية وسهولة بتأمينها، مما يعيدنا لمشكلة الاحتكار والسوق السوداء، مؤكداً أن العقوبات التي تتعرض لها سورية وصعوبة تأمين المادة ليست خافية على أحد، إلا أن توفرها بهذه الكمية بالسوق السوداء هو ما يجب حله فعلاً، على الأقل حتى يكون توزيع الظلم على الجميع عادلاً!.
تشجيع ولكن!
أما بالنسبة للكهرباء، أوضح دركلت أنها جيدة قياساً للأزمة، حيث يتم تزويد المناطق الصناعية من السادسة صباحاً حتى السادسة مساءً خمسة أيام في الأسبوع، أما في المدن الصناعية يتم الوصل من يوم الأحد الثامنة صباحاً حتى الخميس السادسة مساءً، ومع ذلك جاء القرار الأخير برفع سعر الكهرباء 3 أضعاف للخطوط المعفاة جزئياً وكلياً بما يشمل المدن والمناطق الصناعية، فأصبحت الصناعة التي "تشجعها الدولة" هي أعلى شريحة بعد الفنادق!.
الحل بشركات مساهمة
وفي وقت يتم التعويل به على الطاقات المتجددة كحل لمشكلة الطاقة في الصناعة، رأى دركلت أنها لن تنجح إلا بتأسيس شركات مساهمة تستثمر أراض غير زراعية لإقامة مزارع شمسية للمناطق والمدن الصناعية، فليس كل صناعي قادر على تركيب منظومة طاقة، إذ تحتاج بعض المعامل خمسين ضعف مساحتها لتأمين احتياجها من الطاقة، بينما يمكن لصناعات بسيطة احتياجها أقل من 10 ك.و أن تركب طاقة شمسية بمفردها.
سيريا ديلي نيوز
2022-06-29 20:58:11