“لقد اختارتني الماندالا، ولست أنا من اختارها… كنت حينها نائمة”… هكذا تصف لمى زكريا قرار دخولها إلى عالم الماندالا الذي يصنف كأحد أكثر الفنون تفرداً وروعة في منطقة التيبت.

الطالبة في جامعة البعث في مدينة حمص وسط سوريا، انتقلت إلى مرحلة جديدة من علاقتها بهذا الفن بعدما حققت الرقم القياسي الأول في موسوعة غينيس تحت عنوان أكبر عرض للماندالا (largest display of mandalas).

 

في مرسمها الصغير في مدينة دير عطية شمال العاصمة السورية دمشق، استطاعت الطالبة الجامعية لمى زكريا أن تصل إلى العالمية بعد جهد استمر لعامين، وتمكنت من إنجاز لوحة ماندالا بأبعاد 488×488 سم، تحتوي على 4096 دائرة ماندالا بمختلف الأقطار والألوان والزخارف المتنوعة، تحتوي على دائرة مركزية قطرها (2 متر) وتعدُّ أكبر الدوائر، أما أصغر دائرة في اللوحة فقطرها (2 سم)، وذلك باستخدام أدوات التنقيط الخاصة وألوان الإكريليك على لوح خشبي (MDF) بسماكة 6 ملم، وهي عبارة عن /8/ ألواح متلاصقة، تم إنجاز كل لوح منها على حدة، والدوائر في اللوحة منفردة وغير مكررة ومختلفة عن بعضها البعض.

والماندالا في اللغة “السنسكريتية” هي الدائرة أو القرص، ويتم تصميم لوحاتها عبر نمط ونقوش متوازنة بصرياً، وقد استعمل الهندوس والبوذيين هذا الفن للتعبير عن صورة الكون الميتافيزيقي، ومع مرور الوقت أصبحت “ماندالا” مصطلحا عاما لأي نمط هندسي يقدم الكون عن طريق “الميتافيزيقيا” أو “الرموز”.
صدفة

وحول هذا الإنجاز أوضحت طالبة هندسة العمارة، في حديث خاص لـ سبوتنيك أن أولى بداياتها بفن الماندالا كان عام 2018 وقالت: “كنت طالبة في الصف الثالث الثانوي، ومررت حينها بمرحلة من التوتر كما كل الطلاب فالشهادة الثانوية هي مرحلة مصيرية، وبحثت عن طرق عديدة للتخلص من حالة القلق والتوتر الامتحاني كي أكمل دراستي.


وتضيف لمى: جربت لذلك العزف على الآلات الموسيقية وكذلك تعلم فن الطبخ لكن لم ينفع كل ذلك ولم أستمتع بتلك الأوقات حينها، ثم تركتُ الأمور على سجيتها، وأتذكر أني كنت أدرس في كتاب العلوم، وأثناء ذلك شرد ذهني، وعندما صحوت من غفوتي انتبهت إلى أنني قد رسمت شيئاً من الزخرفة على طرف الكتاب دون سابق تفكير، ووقتها كانت يدي تتحرك وترسم دون وعي مني، بل كان عقلي الباطن هو الذي يعمل في تلك اللحظات، وكانت رسمتي جميلة جداً واستمتعت بها كثيراً آنذاك، ثم بدأت أتقصد الرسم شيئاً فشيئاً، وبينما كنت يوماً أتصفح الإنترنت وجدتُ رسما يشبه ما رسمته على الكتاب، لأكتشف أني كنت أرسم “ماندالا” دون أن أعرف شيئاً عن هذا الفن، كان الأمر محض صدفة، وهي أجمل صدفة بحياتي، وأعتقد أن الماندالا اختارتني قبل أن أختارها، وأنا أؤمن أن كثيراً من الأمور تأتينا لوحدها، وأحمد الله على تلك اللحظة”.
حبر.. ورق.. Dot mandala

وأشارت لمى إلى مراحل دخولها هذا المجال بقولها: “بعد ذلك بدأت أتعلم فن الماندالا بالتدريج، ولم أجد صعوبة في الرسم باستخدام الحبر والورق، وبعد أن طورت مهاراتي في هذا المجال انتقلت إلى فن جديد يسمى (Dot mandala) وهو أحد فروع فن الماندالا، الاثنان يشتركان بأساسيات الرّسم والتّقسيم (الدّوائر)، لكن الاختلاف بينهما يكمن في الأدوات وفي آلية العمل أو الرسم”، حيث أحببت أن أتجه إلى شيء مختلف عن الكثيرين فبدأت باستخدام خشب (mdf)، وحينها كانت هناك بعض الصعوبات واستطعتُ تجاوزها خلال سنتين من الخبرة، ومن خلال الإنترنت طورت خبراتي عبر الاستفادة من التغذية البصرية التي تعلمناها في الجامعة، وهي مهمة حتى نتمكن من تخزين أكبر قدر ممكن من الوحدات الزخرفية المتنوعة، وكذلك انسجام الألوان مع بعضها البعض، لقد كانت شبكة الإنترنت مرجعي الأساسي في ذلك، وقد وقفت أسرتي وكذلك أصدقائي معي وقدموا لي الدعم، وقد شجعني إعجابهم بلوحاتي للمضي قدماً في هذا المجال، وخلال بدء مشواري لدخول لوحتي سجل غينيس للأرقام القياسية حاولت التوفيق بين أوقات الدراسة والرسم، لكني خصصت جل وقتي لإنجاز اللوحة على حساب وقت الدراسة وحينها رسبت في تلك السنة، لكن المقابل كان نجاحي بالدخول إلى موسوعة غينيس”.


وأضافت: “بدأت بنشر صور رسوماتي ولوحاتي على وسائل السوشيال ميديا، وشاركت في عدة معارض منها معرض (كهرمان 1) و(كهرمان2) اللذين نظمتها منظمة jci Homs العالمية في مدينة حمص في العامين 2020 و2021 على التوالي، لكن حتى الآن لم أضع ثقلي في مجال إقامة المعارض أو المشاركة فيها بشكل كامل”.
4096 دائرة يقابلها 4096 معلومة

وعن فكرة دخولها إلى سجل غينيس للأرقام القياسية قالت: “بدأت فكرة دخولي موسوعة غينيس عام 2020، وكان لدي طموح كبير وطاقة كبيرة لتحقيق هذا الإنجاز، أكن في البداية لم أحدد الفكرة وبحثت عن أمور عديدة إلى أن قرأت منشوراً على موقع “فيسبوك” عن دخول الشاب السوري أنس عباس موسوعة غينيس، وزادت ثقتي بإمكانية تحقيق هذا الحلم وباشرت العمل لإنجاز لوحة تعبر عن فن الماندالا”.

 

وتابعت: “تواصلت مع لجنة من الموسوعة عبر الإنترنت بسبب انتشار جائحة كورونا حيث تعذر للجنة أن تذهب إلى أي بلد، وكان هناك شروط يجب علي تحقيقها وللأسف تأخر صدور نتيجتي بسبب عدم تحقق بعض الشروط بالطريقة المطلوبة، مما اضطرني لإرسال أدلة جديدة إلى اللجنة، منها فيديو يوضح عدد الدوائر كاملة، ومعلومة عن كل دائرة على حدة، أي أن هناك 4096 دائرة يقابلها 4096 صورة و4096 معلومة، وكانت آلية جمع الأدلة صعبة جداً واستغرقت جهداً كبيراًَ، فاللجنة اشترطت وجود شاهدان وهما الدكتور أحمد إلياس والفنان التشكيلي الدكتور نزار صابور وهما ناقدين مخضرمين، والحمد لله توجت كل تلك الجهود بنجاح الأمر حيث وردني إيميل يبلغني النتيجة، والتي تظهر على موقع موسوعة غينيس وتمثلت بحصولي على رقم في الموسوعة.


لمى زكريا من مواليد مدينة حمص عام 2000 تعيش حالياً في مدينة النبك بريف دمشق الشمالي، وهي طالبة في السنة الثالثة في كلية هندسة العمارة بجامعة البعث في حمص (وسط سوريا).

سبوتنيك

سيريا ديلي نيوز


التعليقات