تحصد البلاد اليوم سياسة اللامبالاة التي اتبعتها حكومات الأزمات حيال إعادة بناء ثقافة الاستهلاك للمواطن السوري بما يتفق مع تحديات الحرب والحصار الاقتصادي، والمقصود ببناء ثقافة الاستهلاك لا يعني بأي حال من الأحوال شد الأحزمة والتقشف كما دعا العام الماضي وزير المالية السابق.
إن بناء ثقافة الاستهلاك تقوم على توجيه المواطن وتشجيعه على الانخراط في أمرين أساسيين، يمكن للبلاد أن توفر من خلالهما مئات الملايين الدولارات التي تدفع لاستيراد السلع والمواد بمختلف أشكالها وأنواعها، الأمر الأول يتعلق باستهلاك السلع والمواد لجهة النوعية والحجم، فالمفترض كان أن تتعاون الحكومة والمجتمع إلى تشجيع المواطنين وتحفيزهم على شراء واستهلاك السلع والمواد ذات المنتج الوطني وبكميات تناسب احتياجات كل عائلة بعيداً عن الهدر والإسراف، وهذا من شأنه توفير مليارات الدولارات دفعت خلال سنوات الحرب على استيراد سلع غذائية يمكن أن تستبدل بمنتج وطني، أو على الأقل تقلل حجم الكميات المستوردة، كما أن لسياسة الاستهلاك المبنية على احتياجات كل عائلة توفير حجم هائل من الكميات تذهب هدراً.
الأمر الثاني يتعلق بالمطبخ السوري العريق، المتنوع، والذي يتيح إمكانية تغير قائمة الطعام بما يتناسب والظروف التي تعيشها البلاد، وذلك من خلال الاعتماد على المنتجات والسلع الغذائية الوطنية، والفكرة هنا أن يزيد حضور الوجبات الغذائية المعدة من منتجات وطنية على مائدة السويين وتقل الوجبات المعتمدة على السلع والمنتجات المستوردة.
ربما لو كانت الحكومات السابقة عملت تدريجياً على نشر ثقافة جديدة للاستهلاك لكان بإمكان البلاد اليوم أن تتحرك بحرية وفق الموارد المالية المتاحة بحيث توجهها أكثر نحو زيادة الخدمات المقدمة للمواطنين والاهتمام بجودتها ووفرتها، ودعم ومساعدة الطبقات الفقيرة على مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد... لكن حدث ما حدث، الأمر الذي يعني أنه على الحكومة الحالية أن تبادر إلى وضع استراتيجية وطنية لتغيير ثقافة الاستهلاك وتشجيع المواطنين على تغيير عاداتهم الغذائية بما يلبي احتياجاتهم الغذائية واحتياجات شرائح اجتماعية كثيرة باتت عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الغذاء، وإذا كان البعض لا يرى ذلك ضرورة فعلى الأقل ليعتبره نوعاً من التضامن المجتمعي.
سيريا ديلي نيوز
2017-02-19 19:14:52