تواجه أمهات هذه الأيام حملة انتقادية مزعجة من جهة الأقارب والأباعد حول ضرورة دخول طفلها للروضة، وهذه الحملة الجادة تبدأ بمجرد وقوف الطفل على قدميه ونطقه لكلماته الأولى وحتى لو كان لا يزال رضيعا، ويصبح هذا الحديث الوحيد لا بد أن يدور بينها وبين كل من تقابله، بجدل غير مجدي ولوم وإزعاج وأسئلة استنكار واستهجان ومقارنة بين طفلها وبين أقرانه من الجيران والمعارف، و لو كان للمشهد تتمة، سيحاولون انتزاع هذا الطفل من بين يديها كأم مقصرة بحقه ومن ثم يرمون به في إحدى الروضات دون مشورتها.

واقع مفروض:

سواء كانت الأم عاملة أم غير عاملة فإن العرف أصبح على الحالة التي ذكرناها، تحت شعارومبرر كاذب "الولد بدو ولاد" . و للأسف تحت وضع الظروف المعيشية التي نعيشها منذ عقد أصبحت الأم مشاركة أساسية في دخل المنزل، ويقع عليها عبئ مادي ليس بإمكانها التهرب منه، ويجب عليها أن توازن بين عملها في الخارج وأمومتها المأجلة صباحا برمي طفلها في إحدى الروضات منذ الأشهر الأولى، وبفضل هذا الواقع المفروض، تغير النظام التعليمي ، حيث بدلا من أن كانت الروضة مرحلة اختيارية سابقة للمدرسة، وتمهيدية بالنسبة للطفل سواء بفصله عن والدته ودخوله المجتمع، وتعليمه إمساك القلم ونوع بسيط من النظام والمشاركة الاجتماعية، وبعض المبادئ الأخلاقية والحياتية، كنوع من التربية. أصبحت هذه المرحلة معتمدة بشكل رسمي كثلاث سنوات وتقسم الأطفال حسب فئاتهم العمرية إلى ثلاث فئات، أي أن الطفل أصبح لا بد أن يزج في الروضة ويصنف كفئة أولى على الأقل بعمر الثلاث سنوات.

عموما مع تغيير المناهج الدراسية منذ سنوات وتناغما مع ما يفترض أن الطفل قد تلقاه في مرحلة الروضة جاء التعديل ليجعل الصف الأول الابتدائي والذي يدخله الطالب بعمر ست سنوات صعب جدا، ويبدو أنه تم إعداده لطفل بدء بتلقي التعليم منذ ثلاث أو أربع سنوات، وأصبح من غير المعقول أو المقبول أبدا أن يدخل الطفل للمدرسة كما كان جيلنا في السابق دون مروره بمرحلة تحضيرية، وسيفاجئ الطفل الذي تم إهمال تعليمه قبل المدرسة بمستوى أقرانه، وبالتأكيد لن يمهله المدرس أو يتفهم وضعه، ولن يلقى الحماس والتشجيع المناسب وهذا حكما سيحوله إلى طالب منبوذ وكسول.

"الصورة المرفقة هي أول وظيفة لصف الأول المستمع"!

 ومع الغلاء الذي غمر كل شيء وصل قسط الروضة كحد أدنى ودون وسيلة نقل من 200 ألف إلى 500 ألف، الأمر الذي يشكل كارثة اقتصادية لأي عائلة لاسيما إن كانت تضم عدة أطفال، لذلك اتخذت وزارة التربية إجراء سريع هذا العام بفتح سنة تحضيرية مجانية في كل مدرسة ابتدائية تحت عنوان  "صف الأول المستمع" ، طبعا هذا يحل مشكلة كبيرة للطالب وللأهل على السواء، لكن للأسف حتى مستوى هذه السنة التحضيرية ما يزال صعب على الطالب.

الوضع الطبيعي:

يبدو أننا بمواجهة مشكلة حقيقية سيكون لها أثر اجتماعي سيء حاضرا ولاحقا ، فبعيدا عما يجري حاليا على أرض الواقع، يخبرنا علم النفس بأن الطفل في عمر أربع سنوات يصبح مهيئ ليدخل للمجتمع، بل يصبح ذلك ضمن أولوياته وحاجاته الرئيسية، أما قبل ذلك فيكون بحاجة للاستقرار والحنان والأمان المنزلي، فالسعادة والأمان  النابعان من اللعب والحرية وتواجد الطفل بقرب الأم صباحا في المنزل خبرات من لم يكتسبها في الصغر لن يعرفها لاحقا لأنه لم يتعلمها، لا سيما أن المرحلة التعليمية التالية ستكون طويلة بما يتجاوز العشرين عام، ومهما وجد الطفل من العناية خارج المنزل لا تعوض عن أمان وحنان الأم، لذلك مهما ساءت الظروف المادية والمعيشة من حولنا يجب أن يبقى الطفل أولى أوليات الأم وليس آخرها، ولا يجب أن نضحي بأمان وطفولة أبنائنا لأجل شيء، لا يجب أن يصبح الشذوذ هو القاعدة، هذا الطفل الصغير الذي لا يعرف أن يقضي حاجته وحده ، ولا أن يعبر عما يريد، ولا أن يرفض، أو يقول للأم ماللذي حدث معه، والذي بدلا من أن ينام في بيته صباحا مطمئنا دافئا آمنا أصبح العرف أن نرمي به خارج المنزل ونوظفه ليصبح مواطن صالح من وجهة نظرنا بين الأطفال المشابهين،  إن الطفل الذي سيفتح عينيه على مجتمع منضبط خارج المنزل، ويتلقى تعليمات صارمة باكرا ، ويعيش واقع مفروض عليه، وهو من وجهة نظره لايعرف لماذا يحدث كل ذلك، سيكتسب دون أدنى شك مجموعة من السمات والطباع، أولها أنه سيعتمد على نفسه بقية حياته، ولن يعتمد على والديه ولن يسمع لهما نصيحة، لانه واجه ماهو قاسي في سن صغيرة، وسيصبح شخص قاسي القلب وغير سعيد. هناك أمور في الحياة غير قابلة للجدل أو النقاش، وللأسف هذا واقعنا فيجب على الام أن تتعامل معه، ودعونا نلاحظ وجوه أطفالنا التي تشي بأنهم غير سعداء.

عزيزتي الأم لا تتقبلي الواقع كما هو، وإنما احتالي عليه، أعطي طفلك الوقت اللازم وحقه الطبيعي، ولا تقبلي بأن تكون أمومتك جزئية، ولا ترمي بطفلك خارج منزلك لأي سبب من الأسباب قبل سن الرابعة، كي تكوني على علم ودراية بما سمع وما رأى، كونه تعلم الكلام والتعبير عن نفسه، ولكي لا يكبت مشاعره، و لا يعتاد على أن ينكشف أمام غيره لقضاء حاجته ويظن أن ذلك أمر طبيعي، وحضري نفسك لتكوني معلمته في المنزل واطلعي على المناهج المتبعة في الفئة الأولى والثانية التحضيرية، كي لا يكون هناك فرق تعليمي بينه وبين أقرانه في الصف الدراسي عندما تقررين إدخاله للروضة أو المدرسة، ولكي لا يتم تجاهله فيعتاد ذلك أو يعتاد تصنيف نفسه بمستوى أقل!

سيريا ديلي نيوز-حلا أحمد خيربك


التعليقات