يتجه كثيرون مؤخرًا لإغلاق حساباتهم على «فيسبوك»، خاصةً بعد فضائحه المتتالية في تسريب البيانات. وفي هذا الصدد، يشارك دان تينان تجربته الشخصية في التوقف عن استخدام الشبكة الاجتماعية، والدروس التي تعلمها من ذلك. تينان هو صحافي وكاتب ومحرر متخصص في التقنية، يعيش في سان فرانسيسكو، وشغل منصب رئيس تحرير موقع «ياهو تيك».

يوضح تينان أنَّه مضى عام تقريبًا منذ ظهور قصة تعاون «فيسبوك» الخطير مع شركة «كامبريدج أناليتيكا». ومضى عام أيضًا منذ قرر تينان التوقف عن استخدام «فيسبوك» إلى الأبد. ومنذ ذلك الحين لم يحدث أي شيءٍ يجعله نادمًا على قراره. ففي الحقيقة كانت السنة الماضية صعبةً بالنسبة لمارك زوكربيرج، مؤسس موقع «فيسبوك».

ففي يوليو (تموز) صارع زوكربيرج لتفسير السبب الذي جعله يرفض حذف منكري الهولوكوست من منصته، وفي النهاية استسلم وحظر موقع «إنفو وارز». وفي سبتمبر (أيلول) اكتشف «فيسبوك» ثغرةً شاركت ملايين الصور الشخصية مع تطبيقاتٍ أخرى، وأحيانًا حتى قبل أن ينشرها المستخدمين. وفي نوفمبر (تشرين الأول) كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أنَّ «فيسبوك» عين شركة أبحاث لتشويه سمعة نقاد الموقع، وربط النقد بالملياردير جورج سوروس، «البعبع» الليبرالي للمحافظين.

وفي الشهر نفسه دخل مخترقون إلى الشبكة وسرقوا بيانات شخصية خاصة بـ30 مليون مستخدم تقريبًا. وبعدها بأسابيع كشفت جريدة «نيويورك تايمز» أنَّ «فيسبوك» شارك بيانات مستخدميه مع «مايكروسوفت» و«نتفلكس» و«سبوتيفاي»، دون إخبار أي شخص.

وفي الآونة الأخيرة ظهرت أزمةٌ جديدة، وهي أنَّ «فيسبوك»، الذي يطلب من المستخدمين تقديم أرقام هواتفهم لحماية حساباتهم من أي دخولٍ غير مسموح به، يسمح أيضًا للناس بالبحث عنك باستخدام هذا الرقم، وهذا انتهاكٌ للخصوصية.

يشير تينان إلى أنَّ هذه الفضائح كلها جاءت بعد فضيحة «كامبريدج أناليتيكا»، التي سمح «فيسبوك» فيها لشركة التحليلات السلوكية سيئة السمعة بالوصول إلى البيانات الشخصية لأكثر من 80 مليون شخص من مستخدميها، ثم استخدام البيانات لإرسال إعلاناتٍ سياسية لمؤيدي ترامب.

بالنسبة لتينان، فضيحة كامبريدج أناليتيكا كانت القشة التي قسمت ظهر البعير. إذ حذف بعدها حسابه على «فيسبوك» بعد 11 عامًا تقريبًا، و8 آلاف وخمسة منشورات، و725 صورة، و25 نكزة. ويوضح أنَّه لا يمكنه الآن وصف شعوره حيال هذا القرار؛ إذ إنَّ الأمر يحيط به الكثير من التعقيد.
خطةٌ غير ناجحة

يكشف تينان أنَّ مسألة «إغلاق فيسبوك للأبد» غير دقيقة. فبصفته صحافيًا تقنيًا لا يمكنه تجاهل الشبكة الاجتماعية التي يزيد مستخدموها عن سكان أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية مجتمعين. لذا رتب خطةً ليتمكن من أداء وظيفته في عالم ما بعد «فيسبوك».


خطته كانت إنشاء حسابٍ مزيف، واستخدامه للتواصل مع مجموعةٍ محدودة من الأصدقاء والأقارب، والتلصص على حساباتهم. واستخدم خدماتٍ أخرى «لينكدإن، وتويتر، وجوجل شات، وآي ماسج» للتواصل. لا زال «فيسبوك» يجذب انتباهه من وقتٍ لآخر، لكنَّه لم يعد يملك أيًا من بياناته الشخصية بحسب التقرير.

كانت هذه هي فكرته. لكنَّ الخطة لم تنجح كما كان يُخطِّط لها.

إذ رفض معظم الأشخاص الذين تواصل معهم طلب الصداقة من حسابه المزيف. واتضح أيضًا أنَّ بعض الناس، بما فيهم أحد المحررين الذين يعمل معهم على موقع «فاست كومباني»، يحبون استخدام تطبيق «ماسنجر» ولا يرغبون في استخدام أي بدائل. وذهبت محاولاته لإقناعه هو وآخرين بالتواصل عبر «جي شات»، أو «آي ماسيج»، أو البريد الإلكتروني أدراج الرياح.

وكشف أيضًا أنَّه لم ينجح أبدًا في التوقف عن استخدام «إنستجرام». ليس لأنَّه يحب التطبيق، إذ يرى أنَّه يجمع أسوأ ما في «فيسبوك، وسناب شات، وتويتر». لكن لأنَّه أصبح مهمًا بشدة، خاصةً فيما يتعلق بقوة «مشاهير السوشيال ميديا» أو «إنفلونسر» المحيرة التي لا يمكن إنكارها. فهو يريد تجاهلهم، لكنَّه عاجز عن ذلك.

أدرك تينان أيضًا أنَّه لا يريد العودة للتواصل شخصيًا مع معظم أصدقائه وزملائه الذين فقد التواصل معهم لسنوات، وأنَّه لا يريد أن يتحدث معهم على الهاتف، أو يتبادل الخطابات أو حتى الرسائل الإلكترونية، إذ كان الأمر غريبًا بالنسبة له. ورغب فقط في اختلاس النظر على حيواتهم بين الفينة والأخرى من خلال حساباتهم على الشبكات الاجتماعية.

وافتقد الصحافي مع الوقت رؤية صور المزحات من رفاق ثانويته، الذين أصابهم الصلع وانتفخت كروشهم، ورؤية فتيات الثانوية المثيرات اللاتي تزوجن ولا زلن يبدون رائعاتٍ حتى بعد 30 عامًا. كان يفتقد لهذا المزيج من الأسى والشماتة والحسد.


وفوَّت مناسباتٍ كثيرة لأصدقاءٍ يقيمون بعيدًا عنه، مثل مولد طفل أو حفيد، والتخرج في الجامعات، والتحولات الكبيرة في المسيرات المهنية، ووفاة الآباء. إذ يُحتفل بها كلها تقريبًا على «فيسبوك» الآن.

وحين ضربت حرائق الغابات كاليفورنيا الشمالية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ودمرت أكثر من 150 ألف فدان، أراد أن يعلم إن كان قريبه الذي يعيش في هذه المنطقة قد استخدم «فيسبوك» ليعلن نجاته من الحادث. ولم يستطع فعل ذلك لأنَّه أغلق حسابه.

وفي الخريف الماضي، قضى أيامًا يُحاول معرفة مكان رفيقة قديمة في الجامعة، وفشل في ذلك. ولو كان لديه حساب فيسبوك حقيقي، لربما استطاع تتبعها من خلال حسابات الأصدقاء المشتركة.

أما الشيء الذي لا يفتقده فهو النقاشات السياسية التي لا تنتهي، وهذ يجدها على «تويتر» حسبما أوضح.
«فيسبوك» غير حياته

خلال العام الماضي، فكَّر تينان مراتٍ عديدة إذا كانت حياته والعالم سيختلفان لو لم نسمع قط بـ«فيسبوك». ودُهِش عندما أدرك أنَّ الإجابة هي نعم. هذا لأنَّ «فيسبوك» كان جزئيًا مسئولًا عن إعادة توصيله بوالده بعد غياب 28 عامًا.

فمنذ ست سنوات، صادف منشورًا على فيسبوك جذب انتباهه. أفاد المنشور بأنَّ زوجة أبيه، التي في الثمانينات من عمرها، ولم تكن تنشر شيئًا من قبل طلب صداقتها منذ عام، قد انتقلت من فلوريدا إلى جنوب كاليفورنيا، أي على بعد ساعاتٍ من مسكنه آنذاك.

كان يعلم أنَّ لديها أحفادًا في منطقة تشارلوت. والاستنتاج المنطقي الوحيد الذي توصل له هو أنَّ والده قد توفي، وأنَّها قررت الانتقال للإقامة مع أحد أولادها.


جعله هذا الاستنتاج يدخل عملية بحثٍ محموم، لأنَّه لم يكن يريد معرفة الأمر مباشرةً ليتجنب أي صراعاتٍ كعادة عائلت. فسأل كل شخصٍ من أقاربه إذا كان أحدهم يعرف أي شيءٍ عن أبيه. وساعدته أخته المقيمة في نيويورك والماهرة في الحصول على المعلومات.

كان منشور «فيسبوك» مخطئًا. فزوجة أبيه لم تنتقل، بل في كانت زيارة. ووالده كان حيًا يرزق يعيش في فلوريدا، وكانت لا تزال معه، رغم الجهد الذي بذلته خوارزميات الشبكة الاجتماعية لتقنعه بالعكس.

أعطته أخته رقم هاتفه، وبعد شهرين استجمع شجاعته للاتصال به وتهنئته بعيد ميلاده التسعين. ويقول إنَّهما حظنا بمحادثةٍ جيدة. ومنذ ذلك الحين، حافظا على التواصل بينهما على فتراتٍ متقطعة. وزاره تينان عدة مرات، وكان معه قبل أسابيع من وفاته الخريف الماضي، عن عمرٍ يناهز 95 عامًا.

ويرى تينان أنَّ هذا كله لم يكن ليحدث لولا «فيسبوك».

لكنَّه في الوقت نفسه لا يعتقد أنَّ هذا يبرئ الشبكة الاجتماعية من خطاياها العديدة. إذ وعد «فيسبوك» المستخدمين مرارًا وتكرارًا بشيءٍ واحد: التحكم في البيانات التي يشاركونها معه بسخاء، والتي ساعدته في جمع إيراداتٍ سنوية بقيمة 40 مليار دولار، وجعل قيمته السوقية تصل إلى 500 مليار دولار تقريبًا.

وفشل «فيسبوك» مرارًا وتكرارًا في الوفاء بوعده.

وختم تينان حديثه بأنَّه ليس نادمًا على التوقف عن استخدام «فيسبوك». لكن يتمنى لو كان هناك بديل له أقل سعيًا للمال وأكثر أخلاقية. نعم توجد شبكات اجتماعية بديلة، لكنَّ المشكلة في رأيه هي دفع كل شخصٍ تعرفه لاستخدامها. ونحن نحتاج إلى طريقةٍ أفضل للتواصل بلا قيود مع الأشخاص الذين شكلوا حياتنا؛ لأنَّه يسهل الشعور بالانعزال في عالمٍ كل شيءٍ فيه متصل ببعضه.

 


كاتب: Dan Tynan
مصدر: I’ve spent a year living without Facebook, and here’s what I learned

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات