يعود الحديث عن الشروع بمفاوضات انضمام سورية إلى منظمة التجارة العالمية –إن حصلت- من بوابة تدني مستوى الدعم الزراعي، وبحسب مانشر موقع صاحبة الجلالة فقد بينت دراسة حديثة صادرة عن المركز الوطني للسياسات الزراعية في وزارة الزراعة والتي استندت بيانات وأرقام الدعم فيها على العام 2015، أن إجمالي الدعم الزراعي المقدم في القطر خلال ذلك العام بلغ حوالي 53 مليار ليرة سورية، أي أن قيمة الدعم الزراعي الإجمالي حوالي 2.7% من قيمة الناتج الإجمالي الزراعي أو ما يزيد عن 0.73% من الناتج الإجمالي المحلي الكلي، وبحسب الدراسة فإن هذه الأرقام متواضعة للغاية ومن المستبعد أن تشكل عقبة جدية لدى الشروع فعلا بمفاوضات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

وقامت الدراسة التي حملت عنوان “الوضع الراهن للدعم الزراعي في سورية ورسم خطوط ومسارات إستراتيجية لإصلاحه” بحساب مقياس الـSMA للدعم الزراعي السوري وهو المقياس المطبق في منظمة التجارة العالمية لقياس كمية الدعم الزراعي في الدول الراغبة بالانضمام إلى المنظمة، وقد بلغت قيمة المقياس أقل من 46 مليار ليرة أي حوالي 193 مليون دولار، وهو رقم صغير للغاية قياساً بالدول الأخرى، علماً أنه يمثل 2.33% فقط من قيمة الإنتاج الزراعي في القطر.

وأشارت الدراسة إلى أن الدعم الزراعي بحد ذاته لم يقدم مساهمة حاسمة في تطوير القطاع الزراعي وتحسين كفاءة أداءه ولاسيما في فترة الأزمة، بشكل أحدث فارقاً نوعياً، ولكنه بالمقابل ساهم ما يزال في المحافظة على القاعدة الأساس من استمرارية العملية الإنتاجية الزراعية وبقاء المزارعين والمنتجين على أرضهم وقيامهم بأعمالهم، وبالتالي فإن المسألة الأهم هي أن الدعم بشكله الحالي يحتاج إلى رؤية تنموية مستقبلية يعمل في ظلها، بينما هو لا يزال يعمل بآلية ذات أهداف قصيرة المدى ولا يمتلك رؤية إستراتيجية مستدامة، وهو -أي الدعم- بوضعه الحالي يطال في النهاية جميع المنتجين بغض النظر عن اعتبارات تنموية ضرورية، فهو مثلا لا يميز المنتجين الفعالين عن غيرهم، ولا يقدم لهم حوافز تشجيعية لزيادة الإنتاجية، كما لا يلعب دوراً في مجال تشجيع اتباع الأساليب الحديثة في الزراعة.

وخلصت الدراسة إلى أن الدعم يشوه آلية السوق وانسيابية التجارة، ولكن الأثر التشويهي لسياسات الدعم يأتي حسب الحوافز الاقتصادية التي تخلفها إجراءات وكمية الدعم المقدم، فإذا كانت هذه الحوافز تصب في خدمة التنمية الزراعية والريفية وتعزيز وتطوير القطاع على المدى الطويل فهذا الدعم إيجابي ويجب متابعته وإذا كانت هذه الحوافز تشجع على الاتكال على الدولة في العملية الإنتاجية ولاسيما تأمين المدخلات وتصريف المنتجات فهذا الدعم لا أفق له وهو بحاجة إلى تعديل وتطوير.

كما خلصت الدراسة ونتيجة البحث في آليات وتوزيع الدعم الزراعي في سورية إلى أن هذا الدعم بحاجة إصلاح كبير ولاسيما في ظل عدم وجود رؤية طويلة الأمد وذات أفق تنموي محدد يعمل في إطارها الدعم المدروس، كما أن هذا الدعم يتم إنفاقه أحياناً بشكل غير اقتصادي وغير منتج، وإن كان ذلك يجري مراعاة لاعتبارات أخرى اجتماعية وغيرها.

ونوهت الدراسة إلى أنه وفي إطار المقترحات والنتائج يبقى المقترح الأهم هو توحيد إدارة الدعم ولاسيما بعد أن تعددت الجهات الداعمة وباتت بحاجة ملحة إلى تنسيق عملها وكذلك تأسيس مؤسسة خاصة بالتأمين الزراعي وتشكيل فريق متابعة يستفيد من نتائج هذه الدراسة لوضع خطة إستراتيجية مستقبلية للدعم الزراعي في سورية، ويتم وضع سياسات وبرامج وإجراءات على أثرها لتنفيذ الخطة والوصول إلى الأهداف المرجوة مع ضرورة تقييم الأداء بشكل مستمر وتقويمه وتصويبه كلما دعت الحاجة لذلك.

التعليقات