الحديث عن الخدمات التي تقدمها الدولة في مجال الصحة للمواطن ربما لا يكون حديث جديد ، وقياس حجم الرضا منه، ولكن، ما استجد هو المبالغ الكبيرة التي تتباهى بها بعض الجهات وتقول إنها من أجل تقديم أفضل خدمة صحية للمواطن، رغم كل الظروف الصعبة التي تشهدها البلاد، من حصار وارتفاع في الأسعار وضغط غير محدود على مشافي الدولة ومراكزها الصحية من أجل تلقي العلاج الذي نفتخر به على أنه بالمجان، أو حتى بأسعار
القضية اليوم، هي أنه وبرغم كل تلك الأرقام الخيالية التي لا تبخل الدولة بها من أجل تقديم خدمات صحية للمواطنين، إلا أن الجودة المطلوبة لا ترقى لحجم تلك الأرقام، الأمر الذي إن دل على شيء إنما يدل على وجود هدر كبير في القطاع الصحي، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال زيارة بسيطة إلى بعض المؤسسات الصحية على سبيل المثال لا الحصر..
بكل  بساطة يمكن من خلال زيارة بسيطة إلى إحدى مستشفيات الدولة كشف مدى جودة الخدمات التي تقدم هناك، حيث يشتكي الكثير من المواطنين من عدم تفاعل الأقسام المختلفة مع المرضى بالشكل المطلوب، وفي الأحوال العادية، لا يكاد يمر وقت قصير إلا ونسمع عن تخصيص مبالغ معينة من أجل الارتقاء بالخدمات الصحية في كل المحافظات السورية، وعلى وجه التحديد في العاصمة دمشق، كونها تشهد ازدحاماً لا مثيل له بفعل الأزمة الحالية، وما قبلها، ولكن، على أية حال، يتوقع المواطن البسيط وبشكل تلقائي أنه سيلقى اهتماماً وعناية أكبر، لكن، ما يحصل هناك أن "كل يغني على ليلاه"، فلا الطبيب جاهز، ولا الممرضة مستعدة بعد، ولا يوجد حتى أقل الأدوية الإسعافية في القسم الخاص بها، ما يضطر المريض إلى البقاء ساعات ريثما تأتيه "ريح من الجنة" ويقبل به أعضاء تلك المستشفى!.
وبالانتقال  إلى القسم الآخر من الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة،تم قبل وقت لا بأس به افتتاح أقسام للعيادات داخل المستشفيات الحكومية حسب شبكة عاجل تأخذ أرقاماً بسيطة من المواطنين من أجل التداوي فيها،وغالباً ما يكون الكادر الطبي فيها من أعضاء المستشفى نفسه، ولكن، ما يحصل فيها أنه وبسبب انشغال الأطباء والكادر الطبي في العمل داخل تلك المستشفيات غالباً ما يضطر الأغلبية من المرضى للانتظار ساعات طويلة من أجل الحصول على دور في تلك الأقسام الخاصة،وتنتقل أغلبية "المعاملة" الحكومية إليها أيضاً؛ حيث يؤكد أغلبية المواطنين أنه لا فرق بين الاثنتين سوى بدفع تلك المبالغ القليلة التي لا تقدم ولا تؤخر.
بعد الحديث عن تلك المشكلات التي يطول شرحها، يبقى الأهم التركيز على التأثيرات السلبية التي تلحق بصحة المواطنين وسلامتهم الجسدية والمعنوية جراء التداوي في مستشفيات الدولة، ومن هنا يكون قصص كثيرة تتحدث عن إهمال وأخطاء طبية دفع ثمنها مواطنون فقراء، من حياتهم وصحتهم وسلامتهم، في حين أن معاناة كثيرين للحصول على خدمات علاجية باتت تقليداً أو سمة خاصة بالمستشفيات الحكومية، وربما لا يبدو خافياً على أحد ما يتم تداوله على العديد من وسائل الإعلام حول خطأ طبي هنا، وتجاهل هناك، لا يدفع فاتورتها إلا أرواح أولئك المرضى الفقراء.
هذا الحديث لا يمكن حصره فقط بالمستشفيات الحكومية، وإنما تتعدى الأخطاء الطبية إلى تلك الخاصة، ولكن، يتم التستر عليها لأسباب عدة.
على ما يبدو يمكن الاستنتاج مما سبق أن أصل المشكلة يمكن في إدارة المنشآت والمؤسسات الصحية العامة، والتي غالباً ما تفشل في استثمار وتوظيف الإمكانيات البشرية والمادية لتقديم خدمة صحية متميزة، تتناسب والأرقام الكبيرة التي تصرفها الدولة، وفي الوقت نفسه تعالج المريض وترضيه نفسياً، لكن، ما يحصل أن أغلب التعيينات الإدارية التي تتم في المستشفيات الحكومية تجري وفق أسس لا تتغير، وهي البحث عن طبيب ناجح، أو صاحب سمعة طبية جيدة، أو طبيب يملك نفوذ وعلاقات ترشحه لدى مراكز القرار، ونادراً جداً ما يجري البحث عن طبيب متخصص بالإدارة الصحية، وهنا العلة الأهم في سوء الخدمات التي تقدم في تلك المراكز والمستشفيات الحكومية، وهذا الكلام طبعاً غير قابل للتعميم.
إذاً، بعد إدراك المشكلة وأساسها يبدو من السهل التفكير بحل جذري لها خاصةً وسط الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة للنهوض بالواقع الصحي رغم كل المعاناة التي تلك بالبلاد، وبذلك تكون أول خطوة على طريق إصلاح المؤسسات والمنشآت الصحية ورفع جودة خدماتها تتمثل في إعداد وتأهيل قادة إداريين من داخل الجسم الصحي، والحرص على دعم وحماية أطباء المؤسسات الصحية العامة، المعروفين بنزاهتهم وإخلاصهم في العمل.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات