يندرج مفهوم الدعم في إطار الدور الاجتماعي والاقتصادي للدولة الحديثة ويرتبط مستواه بمدى قدرة الدولة الاقتصادية وقوتها الإنتاجية وملاءتها المالية . وهو أسلوب من أساليب توزيع الثروة تمارسه كافة الدول تقريباً أياً كان نظامها الاقتصادي( اشتراكي رأسمالي ) وأياً كانت إمكاناتها ( متقدمة - متخلفة)

والدعم على نوعين أساسيين:

1- الدعم الاستهلاكي : وهو أن تقوم الدولة بتأمين سله من السلع بسعر يقل عن سعرها الاقتصادي (سعر السوق) حيث تتولى    الخزينة العامة مهمة دفع جزء من هذا السعر . وعادة ما يتناول هذا الدعم عدد محدد من السلع الأساسية ( محروقات- كهرباء-ماء- سكر- خبز ...الخ)

2- الدعم الإنتاجي: و من خلاله تقوم الدولة بتقديم الدعم لعدد من القطاعات الإنتاجية الحيوية والإستراتيجية والتي يشكل استمرارها أهميه للأمن الغذائي والسياسي للدولة .وعادة ما يتناول هذا الدعم القطاعات الزراعية والصناعات الغذائية والنسيجية المكملة لها ( إنتاج القمح والحبوب- المواشي ومنتجاتها - الدواجن- الصناعات المعتمدة على القطن)

وهناك أشكال أخرى من الدعم الاجتماعي سنكتفي بذكر أمثله عنها ( التعليم المجاني - الطبابة المجانية - دعم الأسرة والطفولة ) كما تتنوع أشكال الدعم على المستوى العالمي بحيث يصعب حصرها . فكل دوله تقدم الدعم وفقاً لتجربتها الاقتصادية وطبيعتها الاجتماعية .

وأياً يكن شكل الدعم المقدم فإنه يرتب على الموازنة العامة للدولة أعباء كبيرة وضغوط اقتصادية يصعب تحملها في أوقات الرخاء فما بالنا بأوقات الحروب والأزمات.

إشكالية الدعم في اقتصاد الأزمة والحلول المقترحة:

تتلخص إشكالية الدعم في اقتصاد الأزمة على شكل تناقض كبير: فمن ناحية تزداد حاجة المواطن للدعم نتيجة انتشار الفقر والبطالة وارتفاع معدلاتها وما تفرضه الظروف المرافقة من شح في المواد الأساسية وتدني جودتها ومن ناحية أخرى تقل قدرة الدولة على الاستمرار بتقديم الدعم على نفس الوتيرة وربما تنعدم هذه القدرة نتيجة تضخم الأعباء الملقاة على كاهلها وانخفاض واردات الخزينة العامة وتعطل أو تباطؤ عجلة الإنتاج.

فالإشكالية هي: (ازدياد حاجة المواطن للدعم مترافق مع ضعف قدرة الدولة على الاستمرار في تقديم الدعم) فما هو الحل: هل نستكين ونقبل بالتخلي التدريجي للدولة عن دورها الاجتماعي وهل نجلس متفرجين على تباطؤ حركة الاقتصاد وعجلة الإنتاج.

في سوريا خرج علينا أصحاب القرار لااقتصادي بمفهوم عقلنة الدعم وهو حسب تعريفهم يعني محاولة توجيه الدعم إلى مستحقيه فقط وذلك كبديل عن أسلوب الدعم الشامل الذي كان متبع سابقاً والذي كان يطال جميع المقيمين على ارض الدولة مواطنين وأجانب فقراء وأغنياء ودون تمييز. ولكن هل أفلح هذا الأسلوب أو بالأحرى هل طبق كما يجب والجواب لا. فأعلن موت مصطلح عقلنة الدعم على يد منظريه وواضعيه ولم يعد الحديث عنه مجدياً في ظل معدلات فقر وبطالة  ونسب تضخم وغلاء وصلت إلى حدود غير مسبوقة وخارجه عن المنطق وتفوق قدرة المواطن الشرائية بأضعاف كثيرة

وكان هذا التراجع في سياسة عقلنة الدعم برأينا يعود إلى إشكالات تتعلق بعدم القدرة على وضع معايير تحدد محتاجي الدعم بدقة من ناحية وعدم القدرة على وضع آليات مضبوطة وصارمة لإيصال الدعم إلى مستحقيه من ناحية أخرى

وعدم الدراسة الدقيقة للمفهوم الصحيح للدعم المتمثل في أنه دور اجتماعي للدولة يمول من فائض دوران عجلة الإنتاج وليس مجرد توجيه لنفقات الموازنة العامة للدولة لإرضاء المواطنين بغض النظر عن مصدر التمويل.

مقترحاتنا لإعادة إحياء مفهوم الدعم على أسس منطقية وعلمية:

1- إعادة إحياء دور القطاع العام الإنتاجي وإنعاش مؤسساته وشركاته وضخ دماء جديدة وشابه في شرايينه . فقيام الدولة بتولي مهمة إنتاج السلع الأساسية وبيعها للمواطن مباشرة يحقق فائدة مزدوجة فهو من ناحية يمكن الدولة من ممارسة عملية إنتاجية تدر عليها دخل وترفد الموازنة العامة للدولة بموارد جديدة ومن ناحية أخرى يوفر السلع الأساسية للمواطن بسعر معقول نتيجة إلغاء الوساطة التجارية وهوامش الربح المبالغ فيها في القطاع الخاص.فإمكانات الدولة تسمح لها بالإنتاج بكميات كبيرة وضمن إعفاءات مالية وضريبية وتسهيلات إدارية ستخفض حتماً من كلف الإنتاج وتسمح للمواطن بالحصول على السلعة بأقل كلفة ممكنة دون احتكار أو هوامش ربح كبيرة.

2- التخفيض من الدعم الاستهلاكي لصالح الدعم الإنتاجي للقطاع الخاص فبدلاً من سعي الدولة لتأمين اللحوم مثلاً للمواطن بسعر مخفض يقل عن سعر السوق (وهو أمر مستحيل ويتناقض مع مبدأ العرض والطلب ويرهق الموازنة العامة) فلتقم الدولة بتأمين مستلزمات الإنتاج للمزارعين والمربين (أعلاف - أسمده - تسويق -نقل - إرشاد وتوجيه) ولا يشترط هنا أن يكون الدعم على شكل منح نقدية أو أسعار مخفضة لهذه المستلزمات بل يكفي إعفاء تدفق هذه المواد والمستلزمات من العقبات الإدارية والجمركية ومنع احتكار استيرادها وتسهيل وصولها للمنتج بأقل سعر ممكن بما يساعده على تخفيض كلف الإنتاج.

3- دعم فرص العمل من خلال تسهيل المعاملات الإدارية وإلغاء كل شكل من أشكال الرسوم والضرائب والكلف الجانبية  على طلبات ترخيص ممارسة المهن أياّ كانت . فمن يتقدم بطلب ممارسة مهنة يجب على الدولة أن تدعمه وتزيل كافة العقبات من أمامه ليتمكن من الإقلاع بمشروعه أو مهنته وتعفيه من كل التزام مالي إلى أن يتمكن من تحصيل دخل بوتيرة ثابتة ومتسارعة. فضلاً عن افتتاح مشاريع التأهيل والتدريب المهني وتشجيع الاقتصاد المنزلي.

( تأسيس شركة في الصين لا يستغرق أكثر من بضع ساعات وفي بعض الدول يتم خلا دقائق ودون أي كلفة مادية بينما ترخيص بقالية لدينا يمكن أن يستغرق أشهر وكلفة مالية تعادل كلفة رأس المال المخصص للمشروع أصلاً وكم مرهق من المعاملات والورقيات والموافقات)

(الإنتاج والعمل يجعلان الموطن أقل حاجه للدعم بل يحولانه إلى داعم للاقتصاد الوطني )

4- تطوير النظام الضريبي و إصلاحه بحيث يتم تخفيف عبئ الضريبة عن ذوي الدخل المحدود وتجبى بشكل عادل من ذوي الدخل المرتفع . فإعفاء الفقير من الضريبة تشكل نوع من الدعم وجبايتها بشكل عادل من المواطن المقتدر تزيد إيرادات الخزينة العامة ويجعلها أكثر قدرة على الاستمرار في الدعم.( مثلاً الموظف يدفع ضريبة الدخل بالكامل وبدقه متناهية لأن مطرح الضريبة ( الراتب) معروف وممسوك من قبل الدولة بينما رجل أعمال قد لا يدفع ضريبة أو يدفع مبالغ قليلة جداً نتيجة جهالة إرباحه و حجم دخله الحقيقي ( مكافحة التهرب الضريبي وعدالة الضريبية يعتبران من أهم أشكال الدعم في أوقات الأزمات)

5- المباشرة فوراً بمشاريع الإسكان وبناء المنازل خاصة وأن شريحة كبيرة من المواطنين أصبحت تعيش تحت وطأة الإيجار ونفقات السكن المبالغ فيها والتي تستنزف جزء كبير من دخله واستغلال وجشع المالكين.(تأمين السكن يشكل دعم كبير للمواطن حيث يتحول إنفاقه إلى تأمين الحاجات الأساسية الأخرى الأكثر أهميه)

وفي الختام نوجه الدعوة إلى تغيير النظرة إلى عقلنة الدعم والتفكير خارج الصندوق فالدعم لا يعني بالضرورة تقديم المال للمواطن بل مساعدته على تحصيل المال من خلال عمل منتج ومساعدته على إنفاق هذا المال في مكانه الصحيح

سيرياديلي نيوز - الباحث الاقتصادي محمد الرويم


التعليقات