لئن كانت عمليات التسويق الزراعي تتأثر وتؤثر في مجمل القرارات والسياسات الزراعية والتطورات الاقتصادية لبلد ما ،فإنها تأخذ دورا حاسما في ظل الأزمات والحروب حيث إن إدارة وتنفيذ عملية التسويق أثناء الأزمات تتطلب جهداً مضاعفاً ودراسات مستمرة لرصد عيوب وإيجابيات التعامل مع المتغيرات الجديدة خصوصا وأن صعوبة النقل للمنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني تشكل تحديا كبيرا عدا عن ظروف الانتاج الزراعي الصعبة التي تتطلب توفر مستلزماتها بشكل دائم وفي الوقت المناسب ودون تأخير..‏ مؤسسات غائبة‏..!‏ ورغم أن أحد توجهات السياسة التنموية في سورية العمل على إنشاء مؤسسات تسويقية متخصصة لدعم تسويق الإنتاج الزراعي وزيادة الاهتمام بالثروة الحيوانية ، فإن الواقع العملي أظهر غياب المؤسسات التسويقية المتخصصة العامة والخاصة باستثناء مؤسسة الخزن والتسويق التي تعددت وظائفها ولم تعد تقتصر على التسويق وحده.‏ وبرزت خلال الأزمة التي مرت بها البلاد مشكلات تسويق المنتجات الزراعية بكل أنواعها نتيجة تباعد مواقع الإنتاج والاستهلاك ومناطق الوفرة، مقابل مناطق الفجوة لاسيما في المدن الكبرى التي لاتتوفر فيها أي منتجات زراعية.‏ وينتج عن ذلك الخلل هدر للمحاصيل الزراعية التي لا تتحمل عوامل الجو والحفظ لمدة طويلة في وقت لاتوجد فيه صناعات زراعية أو غذائية لتستوعبها مما يخلق رخصا في الأسعار ينجم عنه خسائر مضاعفة للمزارعين بينما ترتفع الأسعار وتقل المادة في المناطق المستهلكة يضاف إلى ذلك التباين في السياسات السعرية، كالتدخل من قبل حماية المستهلك في تحديد الأسعار من جهة ، وتدخل تجار سوق الهال وسماسرته من جهة ثانية ، وأحياناً ترك الأسعار لقوى السوق وعوامل طارئة أخرى.‏ وحيال ذلك أكد أحد الخبراء العاملين في منظمة الزراعة والأغذية (الفاو) بدمشق أهمية التدخل الإيجابي للمؤسسات الحكومية في الأسواق المحلية خلال الأزمات لاسيما وأن سورية بلد زراعي وصلت فيه نسبة مساهمة القطاع الزراعي في السنوات السابقة إلى 30% من الناتج الإجمالي الكلي ويعمل فيه نحو 50% من اليد العاملة علماً بأن سورية تحقق اكتفاء ذاتياً في معظم المنتجات الزراعية وتصدر فائضاً من بعض محاصيلها الاستراتيجية كالقمح والقطن والحمضيات.‏ وأشار خبير (الفاو) إلى أن هذا القطاع يتعرض إلى بعض المشكلات والأزمات جراء الظروف الطبيعية غير الملائمة والظروف التسويقية وزيادة المنتجات وصعوبة الخزن وتتسبب هذه الأزمات أحياناً في صعوبات اقتصادية تصيب الفلاح وتسبب له خسائر مادية كبيرة وهنا –حسب رأيه - تلعب المؤسسات الحكومية دورا حاسما في الحد من تفاقم الأزمات والمشكلات من خلال تنظيم عملية الإنتاج والإشراف على الأسواق المحلية والتقليل من تعرض المزارع والمستهلك لتجاوزات التجار والوسطاء خصوصا في الأزمات كما يمكن الحد من الخسائر عن طريق حفظ وتصنيع هذه المنتجات وفق الطرق والوسائل الحديثة في مناطق الانتاج ذاتها.‏ خيار استراتيجي..‏ وتعد الزراعة خيارا استراتيجيا امنياً اجتماعياً واقتصادياً للدول التي تعتبر الزراعة اساس سيادتها وقوتها والعمود الفقري لاقتصادها كسورية وهذا يتطلب تدخلا ايجابيا من الدولة في تسويق منتجاتها داخليا وخارجيا لاسيما في الأزمات.‏ ونشير هنا إلى ندوة هامة أقامتها وزارة الاقتصاد عام 2007 بعنوان: (التدخل الايجابي للمؤسسات الحكومية في الاسواق المحلية خلال الازمات ) وذلك بالتعاون مع الرابطة الاقليمية لمؤسسات التسويق الزراعي الغذائي (افمانينا).‏‏ وأكدت الندوة أن حسن ادارة تنفيذ عملية التسويق اثناء الازمات يتطلب جهدا مضاعفا لرصد عيوب وايجابيات التعامل مع فترات الازمات والتعامل بحكمة وسرعة مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والاقليمية والدولية.‏‏ وأوصت الندوة بتشكيل فريق مختص من الخبراء للخروج بآليات عمل تخلق من تدخل الدولة نهجا ايجابيا يحصد ثماره المنتج والمسوق والمواطن وتحصده الدولة ايضا على مستوى الاقتصاد الكلي لتحقق اهداف التنمية الكلية.‏ وأشارت إلى الظروف التسويقية الصعبة للمنتجات الزراعية في ظل الأزمات وصعوبة حفظها وتصنيعها داعية الى الحد من تعرض المزارع والمستهلك لتجاوزات التجار والوسطاء وإعطاء اهتمام للتسويق الخارجي وتقديم السلعة النوعية وإنشاء مكتب خاص بالتصدير.‏‏ تجربة «الخزن».. واقتراح‏ ولا نذيع سرا هنا إذا قلنا إن الأنظار تتجه إلى المؤسسة العامة للخزن والتسويق لتلعب دورا مهما في الأزمة الراهنة في سورية من خلال توفير الامكانيات اللازمة لها ماديا وفنيا وبشريا بعدما اكتسبت تجربة جيدة في بعض المحافظات يمكن تعميمها على باقي المناطق وتلافي السلبيات أيضا.‏ وحسب مصادر المؤسسة فإنها تمتلك مخازن من المواد الأساسية تكفي لعدة اشهر وهي توفر المواد الطازجة بشكل يومي حيث يتم تبديل السلع في نحو 500 صالة و70 مركزا لبيع الجملة تتوزع في مختلف المحافظات أكثر من مرة باليوم الى جانب تسيير 105 سيارات جوالة تغطي في المناطق التي لا تتوافر فيها صالات او منافذ خاصة إذ تقوم المؤسسة بعملية الشراء المباشر من المنتجين والمزارعين واستيراد المواد غير المتوفرة محليا بما يسهم في استقرار السوق وتخفيض عدد حلقات الوساطة بين المنتج والمستهلك.‏ ورغم تأثر المؤسسة بالأزمة استمرت بتسيير اسطولها ونقل المنتج السوري بأسعار مخفضة للمنتجين بنسبة 20 بالمئة وطرح اسعار مخفضة على وحدات الخزن والتبريد وخطوط الفرز والتبريد بنسبة 50 بالمئة أيضا من خلال 28 برادا في كل أنحاء سورية وحفظ المنتج في زمن الوفرة وطرحه في اوقات الندرة لتحقيق استقرار للمنتج والمستهلك واختصار الحلقات الوسيطة لطرح مادة بجودة وسعر مناسب.‏ ولهذا كله فإنه من المهم الاستفادة من تجربة مؤسسة الخزن ليس في التسويق إنما في النقل لأنه العائق الأهم والأخطر بين المناطق المنتجة والمناطق المستهلكة بما يسهل استمرار تدفق المنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني والتي تشكل 90% من احتياجات الأسرة السورية.‏ ويمكن أيضا إحداث مؤسسة نقل حكومية أو تعاونية للمنتجات الزراعية والوقت حان فعلا لذلك ولا يحتاج للتأخير وهذا يتطلب عملاً حكومياً وشعبياً بالتعاون مع الوزارات المعنية كالزراعة والنقل والتجارة الداخلية ومع المنتجين الزراعيين والفلاحين وممثليهم ومع تجار الجملة في أسواق الهال وجمعيات حماية المستهلك حيث يمكن وضع آلية عمل لهذه المؤسسة تكفل وضع برنامج زمني لتحرك آلياتها ولها أولوية في أماكن العبور الآمن تكفل ديمومة تدفق المحاصيل الزراعية النباتية والحيوانية واستقرار الاقتصاد وقوته ومنعته.‏ سيريا ديلي نيوز - الثورة

التعليقات