لا يزال الاقتصاد السوري يعاني دماراً شديداً بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، إذ خسرت البلاد مليارات الدولارات من صادرات النفط، مما أدى إلى تفاقم التضخم وجعل الضروريات الأساسية صعبة المنال.
تشير تقديرات «البنك الدولي» إلى أن نحو 75% من السوريين يعيشون بأقل من 3.65 دولار يومياً، بينما يعاني 33% منهم من فقر مدقع بأقل من 2.15 دولار يومياً، في تدهور كبير مقارنة بالسنوات التي سبقت الحرب عندما شهدت البلاد نمواً اقتصادياً مستقراً، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال».
وتواجه القيادة الجديدة في سوريا، المتمثلة بشكل رئيسي في أعضاء «هيئة تحرير الشام»، تحديات كبيرة لإنعاش الاقتصاد، إذ تتمحور جهودها حول تخفيف العقوبات المفروضة من القوى الغربية، واستعادة السيطرة على الموارد النفطية الحيوية، وتعزيز التعاون الدولي.
ويُتوقع أن تتطلب هذه الجهود مساهمة الشركات الأجنبية والدول، إلى جانب إشراك الملايين من السوريين الذين اضطروا لمغادرة البلاد خلال سنوات الصراع.
وصرح محمد الحلاق، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، قائلاً: «نحتاج إلى المعرفة التقنية اللازمة لإدارة الأعمال، ونحتاج إلى التكنولوجيا. والأهم من ذلك، نحن بحاجة إلى رفع العقوبات، حتى يتمكن النظام المصرفي من العمل بكفاءة».
تفاؤل اقتصادي وسط التحديات
أفاد التقرير بظهور بوادر تفاؤل حذر في دمشق، حيث شهدت أسعار السلع انخفاضاً ملحوظاً، وأصبح استخدام العملات الأجنبية، الذي كان مقيداً سابقاً، أكثر شيوعاً. كما أعلنت «هيئة تحرير الشام» عزمها على تأسيس اقتصاد قائم على السوق الحر، وإعادة تأهيل قطاع النفط، وتعزيز التعاون الدولي.
إلا أن التحديات التي تواجهها الهيئة في إدارة شؤون بلد يزيد عدد سكانه على 20 مليون نسمة تتفاقم بسبب نقص الكوادر والخبرة، حيث لم تكن لدى قادتها خبرة سابقة إلا في إدارة مقاطعة واحدة قبل تولي السلطة.
ويعمل المسؤولون الجدد في الهيئة جنباً إلى جنب مع بعض الموظفين من المستويات الدنيا والمتوسطة الذين عملوا في عهد الأسد، في محاولة لاكتساب الخبرة اللازمة للتعامل مع البيروقراطية المعقدة.
ومع ذلك، فإن تصنيف «هيئة تحرير الشام» كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق طموحاتها. وقد واصلت الدول الغربية فرض العقوبات، مؤكدة على ضرورة متابعة أداء الهيئة في إدارة الحكم، لا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة وضمان إدماج الفئات السكانية المتنوعة.
قطاع النفط وإعادة الإعمار
أوضح التقرير أن قطاع النفط، الذي كان يشكل سابقاً أحد أعمدة الاقتصاد الوطني في سوريا، لا يزال يعاني تدهوراً حاداً. فقبل اندلاع الحرب، كانت البلاد مصدراً صافياً للنفط، حيث كانت تحقق عائدات تتراوح بين 3 و 5 مليارات دولار سنوياً، أي ما يقارب نصف عائدات صادراتها، من خلال بيعه بشكل رئيسي إلى أوروبا.
إلا أن سنوات الصراع أثرت بشدة على الإنتاج والمبيعات، حيث أدت العقوبات إلى تقليص المبيعات وفقد النظام السيطرة على العديد من حقول النفط خلال الحرب الأهلية، مما دفع البلاد إلى الاعتماد بشكل متزايد على واردات الوقود لتلبية احتياجاتها.
وقد بدأت «هيئة تحرير الشام» محادثات مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر على احتياطيات النفط في شمال شرق سوريا. وفي هذا السياق، قال طارق عصفور، المسؤول عن توزيع الوقود في ظل إدارة «هيئة تحرير الشام»: «إذا استعدنا السيطرة على حقول النفط، يمكننا تحقيق درجة من الاستقلالية في مجال الطاقة وتقليل الاعتماد على الواردات».
ويبقى إصلاح البنية التحتية في قطاعي النفط والغاز أولوية، إلا أن التقدم في هذا المجال كان بطيئاً بسبب محدودية الموارد. كما تسهم الصراعات المسلحة وأنشطة التهريب على طول الحدود السورية اللبنانية في تفاقم التحديات الاقتصادية.
العقوبات والمشاركة الدولية
تستمر العقوبات الدولية في التأثير سلباً على جهود التعافي في سوريا، حيث ارتفع التضخم بشكل حاد، وتراجعت قيمة الليرة السورية بشكل كبير مقارنة بمستوياتها قبل الحرب. ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية، باتت الشركات تعتمد على آلات إلكترونية لعد النقود الكبيرة المستخدمة في المعاملات اليومية.
وتبحث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إمكانية تخفيف العقوبات بشكل محدود لتسهيل المساعدات الإنسانية، ولكن رفع العقوبات بشكل شامل يعتمد على ضمانات من «هيئة تحرير الشام».
ويحذر الخبراء الاقتصاديون، بحسب التقرير، من أن استمرار العقوبات قد يؤدي إلى تفكك الهياكل الحكومية، مما يتيح للدول الأجنبية فرصة التأثير في مشاريع إعادة الإعمار. وقال أستاذ الاقتصاد في كلية «هامبشاير» في ماساتشوستس عمر ضاحي: «قد يبقى المركز الحكومي ضعيفاً، ويعتمد على التمويل الخارجي».
آفاق التعافي
أوضح التقرير أن أصحاب الأعمال والمستهلكين أبدوا تفاؤلاً حذراً، حيث أسهم توافر السلع والأدوية الأجنبية بأسعار مخفضة في تخفيف معاناة السكان. ومع ذلك، يتطلب تحقيق إعادة الإعمار واستقرار الاقتصاد دعماً دولياً قوياً وتنفيذ إصلاحات داخلية.
وأشار ضاحي إلى أن «السلام الحالي في سوريا هش للغاية، خاصة في ظل الاحتياجات الاقتصادية الملحة». ورغم الصعوبات التي تواجهها البلاد، أكد التقرير أن مسار التعافي فرصة حاسمة للبلاد لإعادة البناء وإعادة تعريف مستقبلها.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات