تشير البيانات الرسمية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض في عام 2022 بحدود 53% عن عام 2010، حيث بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (سنة الأساس 2000) ضمن عام 2022 نحو 0.7 ترليون ل. س، بعد أن كانت في عام 2010 نحو 1.49 ترليون ل. س تقريباً.
ومن أجل تحديد دور ومساهمة القطاعين الخاص والعام في الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي مساهمتهما في هذا التدهور، قمنا بدراسة بيانات القطاع الصناعي في شقيه العام والخاص، وسنأخذ الصناعات التحويلية باعتبارها ذات مروحة واسعة يشارك فيها القطاعان.
ماذا تقول الأرقام؟!
يتّضح من خلال الجدول أن حجم الإنتاج الإجمالي للصناعة التحويلية بلغ نحو915 مليار ل. س، منها 53% تقريباً للقطاع العام، و47% للقطاع الخاص، في حين أن صافي الناتج المحلي (أي الإنتاج الإجمالي ناقص الاستهلاك الوسيط ناقص إهلاك رأس المال ناقص صافي الضرائب غير المباشرة) بلغ نحو 182 مليار ل. س، منها 22% فقط للقطاع العام و78% للقطاع الخاص. ويدل ذلك على أن نسبة صافي الناتج المحلي من إجمالي الإنتاج في القطاع العام بلغت نحو 8.2% في حين أن نسبة صافي الناتج المحلي من إجمالي الإنتاج في القطاع الخاص بلغت 33.1% تقريباً. ما يعني أن نسبة القيمة المضافة إلى مدخلات الإنتاج في القطاع الخاص هي أعلى منها بالقطاع العام ب 300% تقريباً، هذا فيما يخص العام 2010.
إن إجمالي الإنتاج للصناعات التحويلية بلغ نحو 41.6 ترليون ل.س، منها 40% للقطاع العام، و60% للقطاع الخاص. ما يعني أن نسبة مساهمة القطاع العام في إجمالي الإنتاج من الصناعات التحويلية انخفضت من 53% في لعام 2010 إلى 40% في عام 2022، أما فيما يخص القطاع الخاص بلغت نسبة مساهمته في الإنتاج الإجمالي للصناعة ذاتها نحو 60% في عام 2022، ما يعني أنها ارتفعت من 47% في عام 2010 إلى 60% في عام 2022.
انخفضت نسبة صافي الناتج المحلي للقطاع العام وأصبحت تشكل نحو 2.2% بعد أن كانت تشكل 8.1%.
ازدادت نسبة صافي الناتج المحلي للقطاع الخاص وأصبحت تشكل 36% من إجمالي الإنتاج في العام 2022 بعد أن كانت تشكل 33% في عام 2010.
بتحويل البيانات الواردة في الجدول أعلاه إلى الدولار وفقاً للسعر الرسمي لهذه السنوات نستنتج أن إجمالي الإنتاج للصناعات التحويلية في القطاع الخاص انخفض بحدود 11.23% ضمن عام 2022 عن عام 2010، في حين أن صافي الناتج المحلي انخفض بحدود 2.72% فقط، وربما هذا يدل على كفاءة العملية الإنتاجية على اعتبار أن انخفاض الناتج الإجمالي بحدود 11.23% أدى إلى انخفاض صافي الناتج ب2.72% فقط لا غير، خاصة إذا ما أخذنا سنوات الحرب بعين الاعتبار، بالإضافة إلى الكثير من الصعوبات الأخرى، فالقطاع الإنتاجي الخاص ليس في أحسن أحواله أيضاً!
وبتحويل بيانات القطاع العام أيضاً إلى الدولار وفقاً للسعر الرسمي، نستنتج أن إجمالي الناتج للصناعات التحويلية قد انخفض بحدود 48.5% أما صافي الناتج المحلي فقد انخفض بحدود 85%، ولا شك أن انخفاض إجمالي الإنتاج سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض صافي الناتج المحلي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحديث عن نسب غير متوازنة، فهل هذا يعكس تفوق القطاع الخاص الصناعي في قدرته وإمكانيته على التكيّف والمرونة في تخفيض تأثير الأزمة على إنتاجيته، عكس القطاع العام؟
ويمكن توضيح هذا الفرق بين العام والخاص في إدارة العمليات الإنتاجية بالمقارنة بين القطاعين في الصناعات التحويلية ضمن عام 2010، حيث بلغ إجمالي إنتاج القطاع العام حوالي 487 مليار، أما صافي الناتج المحلي فقد بلغ 39.67 مليار، على الجهة المقابلة فإن القطاع الخاص بلغ إجمالي إنتاجه من الصناعة التحويلية 428.48 مليار في حين أن صافي الناتج المحلي بلغ حوالي 141.53 مليار، أي إن إجمالي الإنتاج بالقطاع الخاص أقل من الإنتاج الإجمالي للقطاع العام بحدود 58.52 مليار ليرة، إلا أن صافي الناتج المحلي في القطاع الصناعي الخاص أكبر من الصافي المحلي للإنتاج الصناعي العام بحدود 101.86 مليار ليرة تقريباً، فهل من مفارقة أوضح من ذلك؟!
تساؤلات مشروعة وسياسات واضحة!
هل مؤشرات الأرقام تدل على قلة الكفاءة بإدارة العملية الإنتاجية في القطاع العام فقط، أم يجب أن تثير المزيد من التساؤلات المشروعة عن حجم الهدر والفساد الكبير، مع الكثير من التساؤلات المشروعة الأخرى، مثل لمصلحة مَن يتم ذلك، والتي ما زالت تفتقد الإجابات الرسمية طبعا؟!
فبناء على كل ما سبق يتضح أن أداء القطاع العام في إدارة الصناعات التحويلية أداء سيّئ حتى في عام 2010 بالمقارنة مع أداء القطاع الخاص، وهذا لا يدل على أن القطاع العام هو سيّئ على اعتباره قطاعاً عاماً بحسب الدعايات الترويجية، إنما الأمر بجوهره يعود الى التدمير الممنهج الذي تعرضت له مؤسسات القطاع العام عموماً، ومؤسسات الصناعات التحويلية ضمناً، خاصة مع تبني السياسات الليبرالية والانفتاح الاقتصادي في عام 2005، والمستمرة حتى تاريخه، مع إضافة كل الآثار السلبية للأزمة طبعاً، وخاصة باعتبارها باتت ذريعة رسمية لتمرير المزيد من موبقات هذه السياسات، وصولاً إلى تكريس التضحية بالقطاع العام، بشكل مباشر أو غير مباشر، بما في ذلك الخصخصة المعلنة والمبطنة.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات