تتنوع الخطوات الحكومية لإعادة إنعاش الاقتصاد السوري الذي تعرّض خلال السنوات الماضية لسلسلة من الصدمات والانتكاسات، والتي ظهرت آثارها بانهيار قطاعات كانت في فترة سابقة مساهماً كبيراً للناتج المحلي .

الإصلاح الضريبي معضلة سورية فشلت حتى اليوم كل محاولات إنتاجه، ليكون مساهماً في جذب الاستثمار وحماية المنتج المحلي ليس لخلل في النص في حالات كثيرة، وإنما لعقلية تحكم التشريع و تستثمر في التنفيذ .
أيضاً، الأفكار حول الإصلاح الضريبي كثيرة ومتنوعة وتحمل في مضمونها تجارب دول أخرى، وملاحظات أفرزها التطبيق على أرض الواقع وسنحاول إيصال بعض هذه الأفكار علّنا نقدم مساهمة لأصحاب الشأن في هذا المقال. أتاوات وليست ضرائب
توضح الخبيرة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب أن معدل ضريبة الأرباح في سوريا يبلغ 25 بالمئة (مقارنة بـ 25بالمئة في تركيا و22 بالمئة في مصر) وينخفض إلى 15بالمئة للشركات المساهمة التي تم الاكتتاب العام على أسهمها بنسبة تتجاوز 40 بالمئة ، هذه الأرقام تبدو تنافسية نظرياً أو على الأقل تتشابه مع الدول الأخرى، لكن المشكلة لم تكمن يوماً في النسب نفسها، بل في البيئة السامة التي اختنق فيها المستثمرون لعقود من الزمن.
وعبّرت سيروب : عن تخوّفها من استمرار حالة الفساد والابتزاز التي كانت سائدة قبل التحرير بقولها: لقد درجت في سوريا ثقافة “الأتاوات” لا الضرائب، حيث كان العبء الحقيقي يتمثل في “الرسوم غير الرسمية”، كـ” الرشى والابتزاز” الذي استنزف أرباح المستثمرين.
هذه الأموال – والكلام لسيروب – لم تصل لخزينة الدولة، بل غذّت جيوب وسطاء الفساد والمتنفذين في السلطة، ورغم تراجع هذه الآفة بعد التحرير، لكن يُخشى من استمرارها بشكل أو بآخر، حيث أنه لا يمكن التخلص من الفساد المستشري بسهولة في الوقت الذي تحتل فيه سوريا المرتبة الرابعة عالمياً من بين الدول الأكثر فساداً.
وكذلك كانت العلاقة بين الإدارة الضريبية والمستثمر عبارة عن صراع وجود في ظل غياب الشفافية، والتحصيل التعسفي، وغياب الأتمتة حوَّل الامتثال الضريبي إلى كابوس، لذا فإن بناء جسور الثقة يحتاج إصلاحاً مؤسسياً جذرياً، وهو مهمة شاقة جداً بعد عقود من الترهل.
عقبات هيكلية
وتابعت سيروب حديثها للثورة: إن كانت الغاية الرئيسية من إصلاح النظام الضريبي هو جذب الاستثمار وتحفيز الدورة الاقتصادية، فإن هذا يتطلب الوقوف على عوامل تتجاوز بكثير مجرد جاذبية النظام الضريبي.
ففي سوريا اليوم، تبرز عقبات هيكلية تقف سداً منيعاً أمام أي محاولة لاستقطاب رؤوس الأموال مثل:
الضبابية وعدم الوضوح في البيئة التشريعية مع ضعف المؤسسات الحكومية وعدم قدرتها حالياً على فرض سيادة القانون، وغياب الشفافية وعدم الوضوح في القوانين التي سيخضع لها المستثمر.
انكماش الأسواق وضعف الطلب إذ يعاني الاقتصاد السوري من تضخم مفرط، وشح في السيولة، وارتفاع معدلات البطالة، مما يقوّض القوة الشرائية للمواطنين ويضعف الطلب الكلي على السلع والخدمات، وهو ما يضعف رغبة المستثمر في الاستثمار.
تشرذم الأسواق واقتصاد الحرب: فلا تزال الأسواق الداخلية السورية مجزأة، والاقتصاد غير الرسمي يسيطر على حصة كبيرة، ولم تتلاشَ بعد سمات “اقتصاديات الحرب”، مما يعيق بناء سوق وطني موحد وجذاب للمستثمرين.
صعوبة الوصول للتمويل: يعاني القطاع المصرفي من ضعف السيولة وعدم الاستقرار، مما يجعل المصارف المحلية مترددة أو غير قادرة على منح القروض.
وتقول سيروب: رغم أهمية رفع العقوبات، إلا أن التصنيف المنخفض للقطاع المصرفي السوري والمخاطر المتعلقة بالامتثال تجعل الاستثمار الأجنبي المباشر أو غير المباشر أمراً شبه مستحيل للعديد من الشركات، وعليه سيظل الإصلاح الضريبي عاجزاً بمفرده، حتى لو صُمّم نظام ضريبي مثالي.
إصلاح ضريبي فعّال
ولضمان فعالية الإصلاح الضريبي المنشود في تحفيز الاستثمار، بحسب سيروب، يجب أن يكون الإصلاح جزءاً لا يتجزأ من السياسة الاقتصادية الكلية للدولة، وأن يسعى إلى تحقيق الأهداف العامة لها، والتي جاءت وفق الإعلان الدستوري في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والتنافسية والعدالة الاجتماعية، وهذا يحتاج أن يكون النظام الضريبي جزءاً من حزمة سياسات أوسع تدعم بيئة الأعمال. مضيفة: لابد أن يُصمّم النظام الضريبي بحذر شديد بحيث لا يتسبب في عجز مالي يضاف إلى العجوزات السابقة في المالية العامة للدولة، ويُرهق كاهل الخزينة العامة بالديون لتمويل عجزها، وفقدان الإيرادات الناتجة عن تخفيض المعدلات الضريبية يجب أن يعوض بتحسين جباية الضرائب أو توسيع القاعدة الضريبية أو إصلاحات مصاحبة ..

سيريا ديلي نيوز


التعليقات