لم يغب اللون الأخضر عن أسواق الخضار في شهر رمضان، بل على العكس كان حاضراً بلونه الباهت من جهة وبقوة سعره ومنافسته لبورصة اللحوم والدجاج من جهة أخرى، فعلى الرغم من أن تكلفة زراعة البقدونس والبقلة والنعنع وغيرها من “أواتيل الفتوش” منخفضة نسبياً مقارنة بغيرها من الزراعات، إلّا أن تفوق جرزة “البقلة “في هذه الأيام وتجاوزها حائط الـ5000 ليرة في الأسواق الشعبية، في حين وصلت إلى 7000 في مناطق الخمس نجوم، جعلها تتصدّر كعادتها لائحة الأسعار المرتفعة فجأة دون سابق إنذار في شهر رمضان، وبما أن هذه الزراعات غير قابلة للتخزين قُبيل الشهر بأسابيع ولا حتى بأيام اضطر البعض ممن اعتادوا على تناول هذه الوجبة الخفيفة على معدتهم والدسمة على جيوبهم لشرائها أول يومين، على أمل انخفاض سعرها كون الغالبية العظمى من المواطنين امتنعوا عن شرائها بعد أن فاق سعر صحن الفتوش الـ30 ألف ليرة، وبالتالي فإن الراتب الهزيل لن يصمد أمام صحن الخُضار أكثر من أسبوع، ناهيك عن تخوّف الكثيرين من مصدر سقاية هذه المزروعات، خاصّة وأن شائعات سقايتها بمياه الصرف الصحي تلاحقها في كلّ عام، الأمر الذي جعل هذا الطبق مرفوضاً على مدار العام عند البعض الآخر.
إجراءات رادعة
ومع تأكيد مديرية الزراعة قيامها بإجراءات دورية لضبط المخالفات والعمل على قلب المزروعات المروية بمياه الصرف الصحي غير المعالجة وتطبيق العقوبات المنصوص عليها حسب درجة المخالفة، إضافة إلى التفقد المستمر للمناطق الزراعية التي تتعرّض بشكل أكثر من غيرها للسقاية بمياه الصرف الصحي، مثل دوما وداريا وقطنا للحدّ من هذه الظاهرة، لا زالت بعض التجاوزات تحصل بعيداً عن الرقابة وفق ما يؤكده تجار سوق الهال، خاصّة وأنّ خبرتهم تسمح لهم بالتفريق بين الورقيات المروية بمياه نظيفة أو مالحة، إلّا أن السعر لا يختلف بينهم كي لا يشعر المواطن بالفرق.
زراعة خاسرة
انتظار المواطنين انخفاض سعر الورقيات بسبب عزوف الكثير عن شرائها لم يلقَ صدى جيداً، بل على العكس لا زال سعرها ثابتاً لأسباب عديدة، برأي الخبير التنموي أكرم عفيف، إذ تعتبر زراعة هذه الأصناف من الزراعات الخاسرة، فقُبيل شهر رمضان كانت تُباع الخمس “جرزات” من أي صنف من هذه الورقيات بألف ليرة كونها غير قابلة للتخزين أكثر من يوم، وبالتالي كان الفلاح خاسراً وكان هذا السعر لا يسدّ تكلفة اليد العاملة وسعر “مطاط الجرزة”، الأمر الذي قاد الكثيرين لفلاحتها وبالتالي انخفضت المساحات المزروعة بها وارتفاع سعرها خلال هذا الشهر، ولم ينكر عفيف أن جميع الأنهار تحوي على مياه صرف صحي إلّا أن هذه الفترة من العام تكون مياه الأنهار نظيفة لأنها تزوّد بمياه الينابيع، ورغم ذلك يجب الحذر بتناول الورقيات بشكل عام، حيث تؤثر المياه المالحة على الخضار النيئة، لأن هذه المياه تحوي حمولة بكتيرية وجرثومية عالية جداً تحمل في ثناياها خطورة كبيرة تؤدي إلى الإصابة بالسرطان مستقبلاً، ناهيك عن تأثيرها السلبي على التربة وعدم فعاليتها مستقبلاً، ونوّه عفيف بأهمية وجود ضبوطات الوزارة في الأراضي المزروعة بالورقيات بشكل خاص واتخاذها إجراءات رادعة وعدم ترك مياه الصرف الصحي بشكل مباشر أمام الفلاحين والتعدي عليها، والتأكيد على أن تُعالج مياه الصرف الصحي أو تُختبر على الأقل عند إرسالها للمعالجة وهذا ما لا يتمّ في أغلب الأحيان.
سيريا ديلي نيوز
2024-03-17 18:30:11