لم تشفع الأرقام المتواضعة للصادرات طيلة الأعوام السابقة لتيسير إجراءات وشروط التصدير، وفتح مجالات أوسع لكل من يرغب به، بل نجد كلاً من المصرف المركزي ووزارة الاقتصاد يتجهان للتشدد بالشروط والوثائق المطلوبة تنظيماً للمهنة، وحمايةً للمنتج الوطني في الخارج حسب تعبيرهم، بينما رأى عاملون في قطاع التصدير بهذه الشروط عرقلة أكثر منها تنظيماً، وهم كما يقولون أكثر الراغبين بالضبط والتنظيم، لكن كل ما يصدر من قرارات وآخرها القرار 20 لعام 2024 لم تنعكس سوى بالمزيد من العرقلة للعمل.

ففي الوقت الذي يستحوذ به التصدير للغير عبر شركات الشحن على معظم القطاع وفقاً لحديث المصدرين، يتجه المركزي للتضييق ما أمكن على هذه الآلية عبر طلب وثائق كثيرة تتعلق بالملاءة المالية للمصدر، إذ جاء ضمن إجابته على استفسارات المصارف حول الوثائق المطلوبة في القرار 20، أن الهدف الأساسي أن يكون المصدر الذي ينظم تعهد التصدير باسمه هو مصدّر حقيقي يعمل لحساب نفسه وليس لحساب الغير، وهذا يستوجب بالضرورة وجود عنوان ثابت له (منشأة أو شركة وغيرها)، وملاءة مالية تكون بمثابة ضمانة لتغطية قيمة المخالفات المحتمل أن يقوم بارتكابها، ووجود أملاك باسمه، ووثيقة من غرفة التجارة أو الصناعة أو الزراعة بهدف التأكد من أن المصدر معروف من قبل إحدى هذه الغرف، مؤكداً أن اعتماد السجل التجاري فقط لا يكفي لممارسة عمل التصدير مهما كان نوع المادة المصدرة.

رئيس لجنة التصدير سابقاً بغرفة تجارة دمشق فايز قسومة أكد أن التصدير للغير والمعروف بمكاتب الشحن يضيق عليه من المركزي الذي يعتبرهم ليسوا أصحاب مهنة، علماً أنه بنظام العمل في سورية يضطر كثيرون للاعتماد عليه، لأنه ليس كل قادم من العراق أو لبنان أو أية دولة قادر أو راغب بشراء حاوية كاملة، فيطلب الزائر عدد محدود من الطرود ويسلمها لمكاتب الشحن، التي تقوم بتجميع عدة طرود في الحاوية لتصديرها.

وأضاف قسومة: الحاوية ممكن أن تحوي بضائع لعشرين شخص، فمن المسؤول هنا عن تعهد القطع؟ وباسم من سترسل الحوالة من الخارج؟ مؤكداً: نحن مضطرون للتصدير للغير، وهو من صلب العمل، ومعظم عمليات التصدير اليوم هي للغير، فقلائل من يأخذون حاوية كاملة من صنف معين، وكل البضائع التي تشتريها الوفود الزائرة للمعارض المحلية يتم تصديرها بهذه الطريقة، لذلك ندعو لتنظيمهم بدل محاربتهم، مقترحاً أنه يمكن للمركزي أن يفرض عليهم تسديد مسبق لتعهد القطع، بما أنهم استلموا ثمن البضائع كاش في الأسواق والمعارض.

من جهة أخرى، يشكو صناعيون ومنتجون أن هناك من يجمع بضائع منوعة من الأسواق، ويصدّرها بطريقة غير لائقة ودون موافقة المنتج الأساسي، مما يضر سمعة المنتِجين والبضائع السورية في الخارج، الأمر الذي اعتبره قسومة حجة غير مقبولة ومشوشة، فالصناعي الذي يأتيه زبون من الخارج "يفرمه" بالسعر، ويبيعه بأضعاف السعر المحلي، حتى يعوض نسب الربح الضعيفة محلياً بأسعار التصدير، وإلا فلماذا يتجه البعض للتجميع من السوق؟ موضحاً أنه في الوقت الذي تتعامل فيه الدول الكبرى مع المستوردين منها بسعر أرخص، نحن نعمل "بالمقلوب"، أما "كذبة" أن المنتجات غير معدة للتصدير، فهي تعني أن ما يطرح بالسوق منتجات سيئة!.

ورأى قسومة أنه يجب ضبط العلاقة بين مكاتب الشحن والمنتجين لا تحويلهما لخصوم، مشدداً أن القرارات يجب أن تصنع في وزارة الاقتصاد، لا في المصرف المركزي الذي يتدخل بالسياسة الاقتصادية.

بدوره أكد الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد أن التصدير وفق أسس سليمة يعود حتماً بالفائدة للاقتصاد سواء كان من المنتج مباشرة، أو كما يعرف بحاويات التجميع، فحين تنظم شركة الشحن تعهد إعادة قطع ويعود المردود للدولة ينعكس إيجاباً بغض النظر عن الطريقة، لكن أحياناً نصطدم بأن المنتجين الفعليين غير راضين عن العملية، فالبعض ممن يقومون بتجميع سلع منوعة (منظفات – ألبسة- أغذية..) في حاوية واحدة، يتعاونون مع شركات الشحن لتصدر بغير علم المنتج.

وأوضح محمد أن المركزي أصبح يريد التحقق من الملاءة المالية للمصدر، وميزانيات آخر سنة، والسجل التجاري أو الصناعي وغيرها من الوثائق التي تثبيت الملكيات العقارية، كلها لضبط التصدير للغير، وهنا ظهرت بعض العرقلة، لأن هناك من يعمل بمهنة التصدير دون ملاءة عالية، ويصدرون بالتراضي مع منتجين آخرين وفق الأنظمة والقوانين، فإن كان صغار المنتجين يصدرون بشكل فعلي وصحيح لا يوجد مشكلة حقيقية برأيه.

ونوه محمد بانه قد يكون تشدد المركزي للحفاظ على سمعة المنتج من سلوكيات أخرى خاطئة في التصدير، ففي الواقع "لا ينقصنا" أي ضرر إضافي لسمعة المنتجات الوطنية، لأن وصول أي منتج غير مطابق للمواصفات القياسية لبعض الدول، يتسبب بفيتو على كامل المنتجات السورية بهذا البلد، فضلاً عن التكاليف والعراقيل الكبيرة لتصريف البضاعة، معتبراً أن الحل الوسطي للحفاظ على التصدير بلا عرقلة "سهل جداً"، إذ يمكن أن تشترط الجهات المعنية كتاب تفويض من صاحب البضاعة الأصلي للسماح بالتصدير، وهو حل يرضي الطرفين، حيث تكون المنتجات موثوقة وبموافقة منتجيها.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات