في صيف كل عام تكثر حرائق الغابات في مناطقنا الحراجية، بل حتى السهول وحقول القمح لم تسلم منها!.
للأسف بعضها بفعل فاعل، وبعضها ناتج عن عوامل طبيعية خارجة عن الإرادة بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تخطت هذا العام الـ 40 درجة مئوية في بعض المناطق رافقها هبوب رياح نشطة وسحب شديدة الحرارة الأمر الذي زاد من رقعة الحرائق التي أكلت الأخضر واليابس حتى بات أهالي المناطق المحروقة أمام حالة من الخوف الشديد بسبب انحسار الأرض الآمنة للعيش والصالحة للزراعة!.
اجترار نفس الطرق!
وبالرغم من تكرار فصول “مأساة الحرائق” إلا أننا لم نغيّر نمط التعاطي معها، حيث ما زلنا نجتر نفس طرق الإطفاء التقليدية، ما يعني أننا لم نتعلم بعد من دروس مئات، بل آلاف الحرائق التي شبت على مدار السنوات الماضية!.
إن جلّ ما فعلناه في حرائق هذا الصيف كان باستخدام “المروحيات الصديقة” في محاولة للسيطرة على ألسنة اللهب المخيفة التي يصعب تطويقها والسيطرة عليها بسبب وعورة التضاريس وانحدارها الشديد، وانعدام الطرق الزراعية أو الحراجية وخاصة في مناطق اللاذقية والجبال المطلة على سهل الغاب بمحافظة حماة!.
الخسائر كبيرة!
ووسط غياب إحصاءات دقيقة من قبل الجهات المعنية عن حجم المساحات المتضررة من الحرائق على امتداد المساحات المحروقة في مختلف المناطق، لكن واضح أنها كبيرة جداً، ففي “مشقيتا” و”ربيعة” على سبيل المثال لا الحصر بلغت المساحة المحروقة جراء الحريق الأخير أكثر من 2400 هكتار، وذلك بحسب وزارة الزراعة، وقس على ذلك في باقي المناطق، علماً أن الخسائر جرّاء الحرائق في السنوات الماضية كانت أضعاف هذا الرقم ففي عام 2020 أتت الحرائق على أكثر من 30 ألف هكتار من الأراضي الزراعية والغابات، عدا عن دمار البيوت لحوالي 30 ألف عائلة فقد سبل العيش، وبالتأكيد لن تقف الخسائر عند هذا الحد إذا لم نواجه الخطر بالإجراءات المناسبة لا بالتنبيهات والتحذيرات التي لا أحد يعيرها الاهتمام!.
هل من مجيب!
في هذا الإطار وتحت قبة مجلس الشعب وخلال هذا الشهر قدّم عضو المجلس عن محافظة اللاذقية الزميل الصحفي مالك حبيب مداخلة بحضور الحكومة أشار من خلالها إلى أن ما أنفق على إطفاء حرائق غابات مشقيتا وما حولها وبمؤازرة من معظم المحافظات ولمدة عشرة أيام يكفي لفتح اتوسترادات في تلك الغابات وإنشاء سدات مائية وإيصال مناهل مياه إلى كل منطقة فيها.
وبيّن حبيب في مداخلته أن سيارات الإطفاء كانت تضطر للعودة لمسافة ٤٠ كم لتعبئة المياه من مناهل حول مدينة اللاذقية، وأبدى استغرابه كيف لم نتعلم من دروس وتجارب الحرائق الماضية التي أكلت الأخضر واليابس!.
وقال عضو المجلس: صحيح أنه تم وضع نقاط مراقبة متقدمة في مناطق الغابات وفيها آليات إطفاء لكن مهمتها كانت أن تتصل وتقول “شعّلت الحرائق”، بينما آليات الإطفاء غير قادرة على التقدم مسافة ١٠٠ م في تلك السفوح والجبال المشتعلة!.
وتمنى حبيب على وزارة الزراعة أن لا تضع الخطط وترصد المليارات لإعادة التشجير لأنه دون فائدة، واقترح في مداخلته أن تحول المساحات المحروقة إلى مزارع للتفاح واللوز كونها تنمو في تلك البيئة على أن يتولى أمرها سكان المنطقة ضمن آلية معينة تحددها الحكومة، بما يعود بالفائدة على الوطن والمواطن.
سؤال ساخن!
سؤال ساخن يطرح نفسه هنا: هل خرجت الطبيعة عن السيطرة، وبتنا في حالة عجز عن التعامل مع الحرائق؟!
هذا السؤال الساخن بدأ يشغل ليس المعنيين في سورية، بل العالم كلّه في ظل كثرة الحرائق لهذا العام بسبب ظاهرة القبة الحرارية التي شهدها العالم وخاصة في المنطقة العربية، التي قاربت درجة الحرارة في بعض الدول الـ 50 درجة في شهر تموز الفائت، والتي زادت في شهر آب اللاهب.
بهذا الخصوص حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أن العالم سيشهد درجات حرارة قياسية هي الأعلى عبر التاريخ خلال السنوات الخمس القادمة بدءاً من صيف هذا حتى 2027، وأشارت المنظمة بموجب نتائج أبحاث ودراسات قامت بها إلى أن غاز ثاني أكسيد الكربون بلغ مستويات مرتفعة جديدة، الأمر الذي يزيد من قوة ظاهرة الاحتباس الحراري، الذي لن يحد منها سوى التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة الريحية والشمسية.
اللهيب القادم!
لا شك في أن ما كشفت عنه “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية” مقلق للعالم أجمعه وهو يرى كيف تنكمش وتتلاشى المساحات الخضراء، ويعم الجفاف، وكأن الطبيعة خرجت عن السيطرة!.
والغريب أنه وبرغم خطورة اللهيب القادم (حرارة وجفاف) لكن الكثير من خبراء البيئة انتقدوا البطء العالمي تجاه تغيّر المناخ، حيث ما زالت إجراءات المواجهة في طور التوعية والمراقبة والتحذير من خطورة ما قد يحدث مستقبلاً!.
بالمختصر، إن ارتفاع درجات الحرارة يهدد الحياة على الأرض، ويرجّح خبراء المناخ والبيئة تصاعد درجات الحرارة في العالم لتتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية، وهي الحد المقرر لارتفاع حرارة الأرض، وذلك للمرّة لأولى خلال السنوات القليلة المقبلة.
وبحسب الخبراء تتزايد فرص تخطي الحاجز (1.5)، وذلك بسبب الانبعاثات الحرارية الناجمة عن الأنشطة البشرية، ونمط الطقس المحتمَل أن تخلّفه ظاهرة النينيو، فيما هناك فري آخر من الخبراء حذّر من أن درجات الحرارة القياسية هذه ستزداد سوءا، حتى لو خفضت البشرية بشكل حاد انبعاث الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض!.
البعث
سيريا ديلي نيوز
2023-09-30 13:55:46