أرجع الدكتور علي يوسف أستاذ المحاسبة في جامعة دمشق ومدير عام المصرف التجاري السوري، إجراء تحريك أسعار الفائدة المصرفية الأخير، إلى أبعادٍ إقليميّة وعالمية، عادّاً أن القضية لا تخصّ سورية فقط، بل تجري دراسة العوامل في إطار الحرب على سورية، فمنذ عام 2020 وحتى الآن أصبحت هناك عوامل دولية كبيرة جديدة وتغيرات و خاصة بعد الحرب الأوكرانية، والدليل على ذلك أن البنوك المركزية في العالم التي كانت تمتنع عن تغيير سعر الفائدة زادت أسعار الفائدة أكثر من خمس مرات خلال أشهر.
وأضاف يوسف في تصريح لـ ” تشرين” أن رفع سعر الفائدة محلياً إلى 11% كان قراراً صائباً والرفع دفعةً واحدةً هو الأفضل للوضع الحالي لأن الزيادات التدريجية تحتاج اقتصاداً مرناً لا يعاني حرباً، وليس في مصلحتنا التحرك ببطء.
ورغم أنه وجد أن رفع سعر الفائدة العام كان صائباً، لكن في المقابل يتحفّظ أستاذ المحاسبة قليلاً على رفع البنوك نسبة الفائدة على الإقراض بالنسبة نفسها ( 4%) فقد يكون إجراء غير صائب إن تم التعاطي مع الأمر بطريقة جامدة، مؤكداً أن لكل مصرف توجهاً وسياسة محددة توضح أولويات الإقراض ونسبة الفوائد استناداً إلى هذه الأولويات.
توجّه تنموي حقيقي
ويعطي مثالاً حول توجه المصرف التجاري إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بقروض محددة وتالياً يتم إعطاؤها بفوائد أقل، أما القروض العقارية فيتم إعطاؤها بفائدة أعلى، وهذه حقيبة إقراضية تخص كل مصرف.
فعندما تتم دراسة القطاع المصرفي، ندرس تأثير سعر الفائدة على عملية الإقراض وتكلفة الإقراض وندرس المحفظة الإقراضية وأين توجهها.
كما لحظ المصرف التجاري في طرح منتجاته بعداً اجتماعياً، ويتم منح قروض شخصية للمتعامل من دون أن يتم سؤاله أين سينفقها .
وقال يوسف: ندرس هل المحفظة الإقراضية الموجودة تغطي حاجات البلد، كما ندرس عدالة الوصول للتمويل وتكلفة الإقراض، لذلك ليس من الواجب أن يرتفع معدل الفائدة على الإقراض بنسبة 4% لأن الأساس كيف ستوجه أموال القروض.
وعندما ندرس سعر الفائدة وأثرها على الإقراض ندرس محفظة قروض في القطاع المصرفي، والمهم أن ندرس كيف توجه الأموال حالياً المنافسة في القطاع المصرفي على مستوى المنتج المصرفي و مزاياه، وإذا درسنا الحالة المحلية وما أثر القرار على الاقتصاد و السيولة نجد أن الطلب على الودائع ازداد والطلب على القروض لم ينخفض، ما يعني أن قرار المركزي سليم لكون قطاع الأعمال والقطاع الشخصي لم يتأثرا، بل بقي الطلب على القروض لدرجة أن السيولة لدى البنوك الخاصة تم إقراضها بالكامل.
وأكد أن البنوك المركزية في العالم أمام مشكلات تضخم منفلتة وغير محددة، لذلك يتم التدخل عبر أسعار الفائدة كإحدى الأدوات أو كهدف وسيط لكبح جماح التضخم وسحب السيولة الموجودة .
تأثير إيجابي
وعن تأثير معدّل سعر الفائدة الجديد على أداء المصرف التجاري سلباً أو إيجاباً بيّن يوسف أن معدّل الفائدة له نواحٍ ايجابية وأخرى أقل إيجابية، من منظور جزئي كمصرف، إنّ زيادة معدل الفائدة تعني زيادة العبء بسبب زيادة تكلفة الودائع لدى المصرف، لذلك الحل يكون بزيادة العائد بهدف تغطية التكلفة.
أما من المنظور الاقتصادي الكلي، فإنّ رفع معدل سعر الفائدة يعدّ عاملَ جذب لرؤوس الأموال وتشجيعاً للاستثمار الخارجي، لأنه عندما رفع الاحتياطي الفيدرالي معدّل الفائدة قالت الدراسات حينها إن الأكثر تأثراً سلباً بهذا القرار هي دول مصر – الأرجنتين – تركيا- البرازيل – أوروبا – والسبب أنّ رؤوس الأموال الأجنبية سوف تنسحب منها، وتتجه نحو معدّل الفائدة الأعلى، إضافة إلى أنّ رفع معدل الفائدة يضبط عملية الإقراض، وتالياً القدرة على تحويل عملية الإقراض باتجاه النواحي التي تحددها السياسة الحكومية.
التكلفة المرجّحة
وذكر يوسف أن قرار المركزي جاء في الوقت المناسب، فقد أصبحت الفائدة 11% كحد أدنى، إذ إن الأساس في منح الاقراض هو التكلفة المرجحة للأموال، ما دامت التكلفة زائد 2% نفقات إدارية هو الحد الأدنى لمنح القروض.. على سبيل المثال كانت التكلفة المرجحة 5% وزاد معدل الفائدة على الودائع بمقدار 4% ، لكن التكلفة المرجحة لأسعار الفائدة لن تصبح 9% ، لذلك من المفروض ألّا ترفع الفائدة على الإقراض بنسبة 4% ، بسبب وجود عوامل متعددة للتكلفة ، إضافة إلى إيرادات البنك ما دام العبء ازداد فإنه من الطبيعي أن يفكر المصرف بالإيرادات من أجل تغطية التكلفة، منوهاً بأنّ المصارف لا تعتمد في إيراداتها على الإقراض فقط ، وإنما تعتمد أيضاً على العمولات المصرفية لكن بنسب مختلفة، مشيراً إلى أن ما حدث في بعض البنوك أنه تم إقراض كل السيولة القابلة للإقراض، ووصلت لمرحلة عدم التوازن بين عملية الإيداع و عملية الطلب على القروض، إذ بدأت تطلب ودائع من بنوك أو من مؤسسات أخرى، مؤكداً أنه نتيجة جاذبية معدّل الفائدة فقد أوجدت التنافسية، وتالياً زادت من السيولة، علماً أنّ معدلات الفائدة على الودائع وصلت إلى 12.5 % في البنوك الخاصة، وبدأت بطلب ودائع جديدة لكي تستطيع الإقراض، مؤكداً أنّ تنوع السيولة الموجودة في المصرف التجاري أعطاه ميزة تنافسية في هذا المجال .
وأوضح يوسف أنّ عملية الإقراض في سورية ينظر إليها من منظور كلي وليس من منظور جزئي، وقد يختلف زبائن القطاع العام عن زبائن الخاص، ولكن في المحصلة هو قطاع مصرف، وهي أموال دولة سواء كانت في المصارف العامة أو الخاصة ، و أنّ قروض الدخل المحدود معظمها في البنوك العامة ، فعاليتها – جاذبيتها ، تطورها – دعمها، مؤكداً أن محفظة القروض الشخصية في المصرف التجاري بأنواعها المختلفة منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية الشهر التاسع منه بلغت 215 مليار ليرة، علماً أنه دخل عامل جديد على منح القروض الشخصية وهو أنه يمكن لمؤسسة السورية للتأمين أن تكفل بوثيقة تأمين خمسة ملايين ليرة وبتكلفة منخفضة.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات