أكد مسؤولون ومختصون بالمجالس المحلية أن للمجالس دوراً اقتصادياً مهماً، ما زال غير فاعل على الرغم من صدور القانون الجديد للوحدات الإدارية، ما يستدعي إعادة النظر بالمشاريع الاستثمارية التي تم تبنيها على الورق، أو طرحها وبقيت ضمن الطروحات ضائعة بين قلة الحيلة وغياب التمويل.
واعتبرت خريجة المعهد الوطني للإدارة رشا عباس أن فكرة المجالس المحلية جميلة نظرياً لكن العمل على أرض الواقع مختلف تماماً، حيث لا توجد استقلالية ولا موازنات كافية للمجالس، وحتى الموازنات الخجولة كل بند فيها يحتاج إلى مراجعة وموافقة الجهة القانونية والمالية في المحافظة والوزارة.
وأشارت عباس إلى النقص الواضح في الكوادر الفنية ضمن البلديات الذي يتجاوز ٥٠ بالمئة لدى بعضها، وهناك العديد من البلديات عملت بلا مهندس لعدة أشهر، وبعض المهندسين يجمع في عمله عدة بلديات وخاصة أصحاب الخبرة.
وحذرت عباس من وجود المتعهدين ضمن المجالس المحلية حيث يقومون بتوجيه العمل من خلالهم أو من خلال وكلائهم أو المعينين من قبلهم والقيام بالاستثمارات وفق مصالحهم، لذلك تجد أن المخالفات منتشرة وأن الاستثمارات تتجه نحو تعديل المخططات التنظيمية وبيع الفضلات، بينما الأنشطة الاستثمارية الأخرى أو حتى الاجتماعية والترفيهية والخدمية تكون غائبة تماماً.
عت عباس إلى ملاحقة من يؤسس للمخالفة أولاً وهو المهندس، بدلاً من ملاحقة المالك وعناصر البلديات، لكون المهندس هو من يضع أسس المخالفة ويرسم حدودها ومسارها ولا يمكن أن تبنى مخالفة من دون رسم مخطط هندسي من مهندس.
وحول الاستثمارات المطروحة في المجالس بينت عباس أنه لا يوجد كوادر لإدارتها وغالباً ما تطرح بمردود بسيط ومدفوعات غير متواترة، مشيرة إلى أن عدم تفريغ كل أعضاء المكاتب للمدن والبلدات يشتت مجهودهم والأفضل تفريغهم وتركيز مجهودهم على عمل المجلس أسوة بمجالس المحافظات ومحاسبتهم على تقصيرهم.
الخبير في عمل الوحدات الإدارية المهندس حسان علي بين أن القانون الجديد للوحدات الإدارية يهدف إلى توحيد جميع القوانين المالية المتعلقة بإيرادات الوحدات بقانون واحد، من أجل زيادة الإيرادات المالية لهذه الوحدات لكن حددت التعليمات التنفيذية للقانون بعض الرسوم المحصلة، مثل رسم إشغال الأملاك العامة عن كل متر مربع أو جزء المتر المربع بـ/5/ ليرات سورية كحد أدنى، و/200/ ليرة سورية كحد أقصى يومياً، والرسم المتحقق على الباعة المتجولين فقط على أساس سنوي وبشكل مقطوع وبمقدار /500/ ليرة سورية كحد أقصى وهذه الرسوم قليلة اليوم في ظل التضخم الحاصل.
ومن الرسوم الأخرى الضعيفة على سبيل المثال لا الحصر، الرسم بالنسبة للفنادق بمختلف مستوياتها، والمشافي الخاصة والمطاعم بمختلف مستوياتها ومدن الملاهي والمقاهي والمسابح، بأنواعها بين حدين أدنى 200 ليرة وأقصى 25 ألف ليرة، هل هذه الرسوم اليوم مع هذا التضخم الكبير كفيلة بتوفير إيرادات للوحدات الإدارية لتنفيذ استثمارات؟
وأشار علي إلى أن بعض الوحدات الإدارية ليس لديها أملاك خاصة لتأجيرها أو استثمارها، وهذه الرسوم لا تصنع لها استثمارات، وبالمقابل هناك مجالس محلية لديها استثمارات كبيرة وكثيرة ومنها موسمية وتؤجر بـ«تراب المصاري»، والرسوم المحصلة منها ليرات قليلة، وهنا يجب الانتباه إلى هذه الاستثمارات والاستفادة منها وتطويرها تماشياً مع الأسعار الرائجة التي يتقاضونها من المواطنين.
وبين باسل حسن نائب رئيس بلدية النقيب أن الاستثمارات في البلديات بحاجة إلى تسهيلات إدارية أكثر وإلى إمكانات مادية، لافتاً إلى أن الاستفادة من أملاك الدولة وإقامة الأبنية السكنية وتأجيرها لمصلحة البلديات من شأنها أن تأتي بعوائد شهرية للمجلس البلدي، إضافة إلى أن محاولة استثمار بيع الفضلات والاستفادة من التسويات لمصلحة صندوق المجلس البلدي من شأنها تعزيز الأموال الموجودة في الصندوق.
وأوضح حسن أن المجالس البلدية في الريف يمكنها القيام بالعديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إما بالشراكة أو من خلال طرح المشاريع للاستثمار بأجر شهري وخاصة المشاريع التي تقدم خدمات على الطرق في الموسم السياحي، مشيراً إلى أن التوجه العام والاستثمار المربح اليوم هو في الدروس الخصوصية، والنوادي الصيفية، ورياض الأطفال، وتأجير صالات الأفراح، وهذه المجالس يمكنها القيام بهذه الاستثمارات والدخول بمنافسة قوية مع القطاع الخاص، وتشغيل العديد من الأيدي العاملة، معتبراً أن الاستفادة من هذه الاستثمارات بحاجة بالدرجة الأولى إلى مجالس بلدية لديها الخبرة لإدارة هذه المشاريع وخاصة في الفترة الأولى حتى تقلع وتحقق عوائد مادية.
وبيّن الأستاذ الجامعي والخبير في دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الدكتور ولاء زريقا  أن الاستثمارات وإقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الوحدات الإدارية التي تقدر بـ1130 وحدة بين مدن وبلدات وبلديات على الرغم من أهميتها ودورها في تنمية المجتمع المحلي غير فاعلة للأسف وغائبة، وقلما تجد بعض البلديات التي يكون لديها أراض تؤجرها لمنشآت استثمارية.
ودعا زريقا إلى تفعيل هذا العمل الاستثماري بين وزارة الإدارة المحلية والإدارات المعنية وحصر شامل لكل الإمكانات الاستثمارية المتاحة لهذه الوحدات الإدارية، ودراسة نقاط القوة وتوزع المشاريع جغرافياً والدخول كمساهم في تقديم العقارات والأراضي أو التمويل والقانون أتاح لها ذلك من خلال أنظمتها ولوائحها الداخلية، مشدداً على أن أي مشروع استثماري تنوي البلديات إقامته يحتاج إلى تكاليف عالية لتجهيز البنية التحتية والأراضي والعقارات وغيرها وهذه الكلف الكبيرة اليوم فوق طاقة هذه البلديات وهي بحاجة إلى الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص في هذه المرحلة لتأمين استثمارات مصاريف تشغيلها وتحويلها لمشاريع تنموية كبيرة، وهذه الشراكة يجب تكون طويلة الأجل وفق نظام (BOT)، وبعد فترة من بناء المشروع يتم استثماره من المستثمر مع عوائد تعود للوحدة الإدارية وفي نهاية المدة العقدية يعود المشروع إلى الوحدة.
واعتبر زريقا أن إقامة المشاريع الاقتصادية وخاصة الزراعية والتصنيع الزراعي في البلدات من شأنها تثبيت الأهالي في قراهم والحد من الهجرة وتأمين الحاجات الأساسية لهم بأسعار مخفضة، داعياً إلى الاستفادة من موارد البلديات وإعادة استغلالها بما يخدم المجتمعات المحلية، من خلال استثمارها بشكل أمثل وإعادة توجيهها نحو الاستثمار.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات